أخيراً وصلت سلمى حايك الى لبنان، وحققت حلماً كان يراودها منذ مدة بعيدة وكل مرة كان ظرف يعاكسها ويحول دون لقائها اللبنانيين. وصلت الجمعة الى لبنان وكان كثيرون متأهبين للزيارة التي تحمل معاني كثيرة لها ان على الصعيد الشخصي لأنها تزور للمرة الاولى ارض اجدادها ولطالما سمعت منذ نعومة اظفارها، أهلها يحدثونها عن لبنان، وقد بدا الشوق الى ارض أجدادها وحماستها واضحين عندما التقيناها في الجناح المخصص لها في فندق le Gray في بيروت، وان على الصعيد المهني هي الحاملة بفخر فيلم “النبي” الذي انتجته بتمويل من FFA PRIVATE BANK بادارة جان رياشي وتوزيع محمد فتح الله.
عندما تبدأ الحديث معها تفاجأ ببساطتها وعفويتها وحماستها، وهي تخبرك عن فيلم “النبي” الذي أعطت كثيراً من نفسها كي يبصر النور. تسألها عما شعرت بوصولها الى لبنان فتجيب بأن مشروع الزيارة استغرق تحضيراً منذ مدة وحتى آخر لحظة قبل صعودها الطائرة كانت خائفة الا يتحقق. تقول حايك لـ”النهار”: “لطالما تخيلت نفسي في لبنان وهذا البلد بجميع تفاصيله ومنذ ان وطئت قدماي ارض الوطن، تأكدت ان كل ما تخيلته بدأ يتحقق، ولكن بطريقة اروع. الاستقبال في المطار وحفاوة الناس جعلاني اعشق هذا البلد اكثر فأكثر”.
تعرف سلمى جيداً معاناة اللبنانيين وتود من خلال فيلم “النبي” “ان يستطيعوا العودة الى الذات ويروا الحياة بطريقة مختلفة. فالفيلم يحاكي كل انسان بطريقة مختلفة وفريدة، وكل مشاهد سيجد في كلام جبران خليل جبران معنى لحياته. تقول: “المرأة تحديداً بفعل عدم التوعية الكافية من المجتمع تعتقد في عشرينياتها ان عليها أن تسبق الوقت وتحقق جميع المشاريع التي قررت أن تقوم بها لأن الوقت لن يسمح لها لاحقاً بذلك. هذه فكرة مغلوطة، تكمل حايك، وقد اختبرتها”. عندما كانت في سن العشرين لم تفكر يوماً انها ستصبح منتجة لفيلم “النبي” وتعطي صوتها لبطلة الفيلم ولم تكن تعرف آنذاك انها ستمتلك الشجاعة الكافية لتصبح ممثلة.
أرادت حايك أن توصل فلسفة جبران عن الحياة بجميع تفاصيلها من خلال هذا العمل. تعبر به ايضاً عن حبها وتعلّقها بالاولاد، وتوضح ان الفصل الأحب الى قلبها هو عن الاولاد في الفيلم، وكلما تشاهده تكتشف جديداً ومختلفاً في كلام جبران خليل جبران. وشعره على ما تقول يأخذ المرء كل مرة الى مكان مختلف لم يكن اكتشفه. أما الفصل المتعلق بالعمل فتقول ان مشاهده طورت مباشرة، واستعملت المخرجة تقنية التصوير مرة واحد بدون توقف مما سحر حايك.
وعن موضوع الحرية الاساس في الفيلم، قالت ان الحرية تبدأ من الداخل. على كلٍ منا أن يجد حريته في داخله، كي يستطيع لاحقاً الدفاع عن الحرية كمفهوم عام. المصطفى بطل فيلم “النبي” قرر أن يموت من أجل افكاره، وهذا بحسب حايك يعطي فكرة ان موت الجسد لا يوقف الافكار التي يتركها المرء بعد الرحيل. بل ستبقى خالدة محفورة في اذهان الجميع. انه مفهوم مختلف ولكن يستحق التفكير. وهل تختار هي الموت من اجل افكارها؟ أجابت وهي تضحك انها تحب الحياة الى اقصى الحدود وإذا اضطرت فسوف تهرب وتكمل بعث افكارها. فهي والدة ولديها مسؤوليات تجاه اولادها وعليها ان تكون موجودة من أجلهم، والاهم بالنسبة اليها فكرة ان الروح لا يمكن حبسها في اي مكان. المصطفى كان مقيداً بالمكان لكنه كان حراً أكثر من اشخاص ينعمون بحرية مطلقة.
وعن تحضير الفيلم والصعوبات التي اعترضت طريقها تقول حايك ان “كل تفصيل في انتاجه كان صعباً. عقبات كثيرة كانت ستحول دون اكتماله. وطبيعي ان كل شخص يحاول القيام بأمر جديد وخارج عن المألوف سيعترض طريقه اشخاص محاولين افشاله. بداية كانت الصعوبة في ايجاد التمويل اللازم للفيلم، واشكر من كل قلبي هنا جميع اللبنانيين على دعمهم الذي كان اساسياً. وفي المقابل كان اختيار السيناريو الافضل والمخرج الذي سيتولى المهمة عملاً دقيقاً. وتوزيع الفيلم ايضاً لاقى صعوبات، فهو لا يشبه اي فيلم آخر ومحاولة بيعه ليست سهلة تالياً. ولا يقدم جميع الموزعين على خوض مجازفة كهذه. في بريطانيا مثلاً لا يزالون غير متأكدين بعد من عرضه أما في اليابان وايطاليا فاشتروه بعد مرور 20 دقيقة فقط على عرضه. في فرنسا والولايات المتحدة سيتولى أهم الموزعين توزيعه.
والفيلم، رغم الصعوبات الجمّة التي اعترضته، هو مثار فخر واعتزاز لحايك، وتذكر أنها مستعدة لتكرار التجربة بكل سرور. في نهاية الحديث عبّرت حايك عن حماستها ليكتشف المشاهد اللبناني الفيلم الذي طال انتظاره.
مبدع آخر من لبنان كانت له الفرصة للمشاركة في الفيلم. غابريال يارد المؤلف الموسيقي لفيلم “النبي”، يقول لـ”النهار” ان العمل هذا ارجعه الى جذوره. يذكّر بأن الموسيقى لا ترتكز على امور مادية، كما هي حال كتابات جبران خليل جبران التي تشبه الموسيقى. ويكمل يارد بأنه “خرج من ذاته” من اجل تأليف هذه الموسيقى. وعادة عندما ينتهي الفيلم توضع له الموسيقى اما “النبي” فسبقت موسيقاه التصوير. كان عليه تخيل الموسيقى من دون ان يرى المشاهد، مخيلته رسمت الموسيقى. ونص الزواج هو الاحب الى قلبه. يرى كلمات جبران خليل جبران عن الموضوع قاسية وصعبة، ومخرج هذا الفصل اجتمع بيارد قبل بدء التصوير واختبره عن الفكرة كي يستطيع يارد تأليف الموسيقى المناسبة، وبدأ العمل على الفيلم منذ آذار 2013.
اما المخرج روجير اليرز فيرى ان الاصعب في اخراج الفيلم هو العمل في وقت ضيق. في العادة تستقر الافلام المتحركة اربع سنوات تقريباً لتبصر النور. اما فيلم “النبي” فأخذ سنتين فقط وهذا وقت قياسي مقارنة بأفلام متحركة اخرى. لم يفصح اليرز عن الفصل الاحب اليه. فهو لا يريد التأثير على رأي المشاهد بل يترك له الحرية الكاملة للاختيار. وهو قام ببحوث عن لبنان وعن منطقة البحر الابيض المتوسط كي يتمكن من توجيه الفيلم. ويروي انه عاش مرحلة من حياته في جزيرة كريت في اليونان واستوحى منها جغرافياً ليستطيع رسم معالم الفيلم. لم يتسنَّ له الوقت الكافي لزيارة لبنان قبل بدء التصوير ولكنه لا يندم على اي مشهد في الفيلم، فكل ما تخيله عن لبنان حققه في الفيلم. ويشدد على ان المكان الذي تخيل فيه الفيلم يجب الا تكون له حدود جغرافية. تماما مثل شعر جبران خليل جبران الذي لا يقف عند حدود دولة او منطقة. يقول اليرز وهو مخرج لأهم الافلام المتحركة مثل The Beauty and the Beast, Lion king وغيرها من الاعمال التي طبعت الذاكرة ان فيلم “النبي” هو الاكثر فلسفة وعمقاً، وهذه التجربة فريدة على كل الاصعدة. ويوضح اليرز انه اضطر الى قطع مقاطع من شعر جبران كي يحترم الوقت المتبقي من الفيلم، وكان دقيقاً جداً وكان يطلب من جبران مساعدته وإلهامه في هذه المهمة.
وقد استهلت حايك يومها الثالث في لبنان بزيارة لبشري مسقط جبران خليل جبران، وكانت في استقبالها نائبة المنطقة ستريدا جعجع ورئيس لجنة جبران الوطنية الدكتور طارق الشدياق، ورئيس بلدية بشري انطوان طوق. وبعد زيارة حايك والوفد المرافق متحف جبران كتبت في السجل الذهبي: “اسير عبر حلم لأغوص في روح صديق عنى لي الكثير. لم يسبق ان شعرت به قريباً الى هذه الدرجة. واعلم انني لطالما اردت ان اكون هنا”.
وعلى هامش الزيارة قالت النائبة جعجع لـ”النهار”: “ان زيارة حايك للبنان هي بمثابة لفحة امل وشمعة تضاء في هذا الشرق، خصوصا في الظرف الصعب الذي تمر به المنطقة وانها من اصل لبناني. زيارتها لبشري تحديداً تنير المنطقة وزيارتها لمتحف جبران ذات ابعاد تاريخية وثقافية وتشهد لفن جبران العالمي.