Site icon IMLebanon

«إتش إس بي سي» يطلق أعيرة تحذيرية لبريطانيا


جوناثان فورد

الشركات، مثل الأفراد، تحاول تغليف دوافعها بمثاليات طنانة. لذلك عندما كشف “إتش إس بي سي” HSBC الأسبوع الماضي أنه يدرس ما إذا كان سينقل مقره من المملكة المتحدة إلى منطقة اختصاص قضائي أخرى، كان المصرف حريصا على تأكيد أنه لن يفعل ذلك ببساطة للعثور على مكان أكثر مرونة في قوانينه التنظيمية، أو يفرض ضرائب شخصية أقل.

كان قلقه الحقيقي على ما يبدو متعلقا بأوروبا، واحتمال أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما يؤدي إلى تآكل جاذبيتها بصفتها مركزا ماليا. دوغلاس فلينت، رئيس مجلس إدارة HSBC، تنهد وهو يتحدث حول الأهمية الاقتصادية العظمى لهذه المسألة، نظرا لاعتماد المملكة المتحدة على الاتحاد الأوروبي في تجارتها.

ربما تلعب أوروبا دورا في تفكير HSBC، لكنها ليست السبب في حث المستثمرين مجلس الإدارة على وضع مسألة المقر مرة أخرى على الطاولة. ليس لقوتهم علاقة تذكر بإمكانية الوصول إلى سوق موحدة، أو بالتأكيد المناخ “المعادي للمصرفيين” الذي يدعي كبار المديرين التنفيذيين أنهم يجدونه منتشرا على نطاق واسع في بريطانيا.

الأمر متعلق إلى حد كبير بما يسمى ضريبة المصارف، أي الضريبة على الميزانيات العمومية للمصارف التي فُرِضت في عام 2010، والتي تلزم أكبر المؤسسات المالية في المملكة المتحدة بالمساهمة في المخاطر التي من الواضح أنها كانت سببا فيها خلال الأزمة المالية.

ضريبة بنسبة 0.21 في المائة على مطلوبات الميزانية العمومية قد لا تبدو عبئا لا مبرر له، لكنها تؤثر بعمق في الأوضاع المالية للمصارف – ولا سيما في وقت يتسم بانخفاض العوائد.

حجم الضريبة التي يدفعها مصرف HSBC – 1.1 مليار دولار العام الماضي – تتضاءل أمامها الضرائب التي يدفعها فعليا على الأرباح في المملكة المتحدة. والأسوأ من ذلك بالنسبة للمصرف، أن هذه الضريبة تتزايد بوتيرة تفوق كثيرا النمو في ذراع المصرف البريطانية. وفي ظل التغيرات التي أعلن عنها في ميزانية الشهر الماضي، يمكن لها أن تكلف 1.8 مليار دولار سنويا بحلول عام 2017.

وهناك سبب واحد لدفع HSBC مبلغا كبيرا، هو الطريقة التي يتم بها تحديد الرسوم. لا تُدفع الضريبة فقط على الميزانية العمومية للمصرف في بريطانيا، ولكن على مطلوباته العالمية.

هذا لا يجعل من HSBC، بما لديه من أعمال دولية واسعة، أكبر دافع للضريبة في المملكة المتحدة فقط – على الرغم من أنه برز خلال الأزمة باعتباره الوحيد الذي لم يطلب حقن حقوق ملكية من أية حكومة، بريطانية كانت أو غير بريطانية. وهو أيضا يعطي حافزا للمصرف لنقل مقره. فالمصارف العالمية تدفع الضريبة فقط على ميزانيتها العمومية في بريطانيا. وتحويل المقر يمكن HSBC من خفض الضريبة إلى النصف تقريبا، ما يؤدي إلى احتمال تحرير مليارات الدولارات من حيث القيمة.

وHSBC ليس وحده الذي يجد أن هذه الضريبة مزعجة. في الشهر الماضي، ضغط مساهمان على ستاندرد تشارترد، وهو مصرف عالمي آخر مقره في المملكة المتحدة، للنظر في الانتقال لأسباب مشابهة. ما يثير غيظ المساهمين ليس فقط المستوى المطلق للضريبة، ولكن تقلباتها الاستثنائية. ربما سعى جورج أوزبورن لإعطاء المملكة المتحدة نظاما ضريبيا للشركات هو الأكثر قدرة على المنافسة في بلدان مجموعة العشرين – ضريبة ذات معدلات منخفضة ويمكن التنبؤ بها. لكن في قطاعين، استسلم وزير المالية لرغبة غير مبررة.

في عام 2011، رفع وبشكل انتهازي ضرائب الإنتاج على الشركات المشغلة في بحر الشمال، معتقدا أنه طالما كانت أسعار النفط مرتفعة، بإمكانه أن يعتصر هذه الشركات بأمان من أجل الحصول على سيولة إضافية. وقد اقترب من الضريبة بروح مماثلة. ولأنه مدرك لعدم شعبية المصرفيين، وغامر بأنه ليست هناك أي ولاية قضائية أخرى تريد أن تأخذ على عاتقها المصارف التي لديها مطلوبات عالمية كبيرة في أعقاب الأزمة، زاد المعدل الضريبي أكثر من أربعة أضعاف خلال خمس سنوات فقط.

ظهرت أخطاء حسابات أوزبورن بوضوح في موضوع ارتفاع ضريبة النفط. بعد الانهيار في أسعار النفط والاستثمار في بحر الشمال، تراجع عن معظم التغييرات في أحدث ميزانية، في محاولة متأخرة لإعادة بناء الجسور مع هذه الصناعة.

الآن يبدو الأمر كما لو أن HSBC يحاول فرض تغيير مماثل في المسار فيما يتعلق بالضرائب. بطبيعة الحال، ليس من الواضح أنه من المنطقي بالنسبة HSBC تغيير موقعه، حتى وإن كانت سلطات هونج كونج حريصة على الترحيب بمقر المصرف. قد تكون التكاليف كبيرة. الارتحال من المملكة المتحدة إلى هونج كونج يعني فقدان أي ضمانات سيادية ذات صدقية، كما ينطوي على افتراض مخاطر سياسية أكبر. ولو أدى هذا إلى دفع تكلفة رأس المال في المصرف إلى الأعلى، قد تكون العملية كلها من دون جدوى.

ومع ذلك، فقد تم إطلاق طلقة تحذيرية. رفع الضريبة لما هو أكثر من ذلك قد لا يؤدي إلى هجرة جماعية. لكن كما هي الحال مع صناعة النفط، فإنه قد يلقي بثقله ويجرجر رغبة المؤسسات المالية في الاستثمار والقيام بأعمال تجارية في المملكة المتحدة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى التقليل من المقبوضات الضريبية من القطاع. إنه شيء يجب على وزير المالية المقبل التفكير فيه قبل اتخاذ قرار بمعدل الضريبة التي يتعين فرضها.