IMLebanon

إعادة شراء الأسهم سياسة تسلب مستقبل الشركات

STOCKS-USA
إدوارد لوس

يشكو مراقبو المشهد السياسي في الولايات المتحدة من ندرة في القيادة. وينطبق الشيء نفسه على عالم الشركات. تماماً مثلما أن السياسيين مبهورون باستطلاعات الرأي، كذلك الرؤساء التنفيذيون مستعبَدون لسعر السهم. السوق الصاعدة في الولايات المتحدة اليوم مستمرة بسبب مكوّن رئيسي واحد: عمليات إعادة شراء الأسهم. هوامش الربح تشهد انخفاضا، ومن الواضح أن فرص الاستثمار غائبة، وكل ما يبقى هو تقليص عدد الأسهم. طفرة عمليات إعادة شراء الأسهم في أمريكا قد لا تكون أزمة رأسمالية، وإنما هي علامة تحذير. عندما تضع الشركات أموالها في الهندسة المالية فإنها تراهن ضد المستقبل.

عمليات إعادة شراء الأسهم في الولايات المتحدة في سبيلها إلى أن تتجاوز تريليون دولار هذا العام. وبحسب شركات النفط الكبيرة وشركات الأدوية القديمة، كان المرح الصاخب سيكون أقل إثارة للقلق لو أنه يقتصر على قطاع واحد أو اثنين. لكن هذا أبعد ما يكون عن الواقع. فمن “أبل” إلى “بيبسي”، الرؤساء التنفيذيون في جميع القطاعات يعيشون في خوف من المستثمر الناشط. بالمثل، سيكون أقل إزعاجاً لو أن الاتجاه كان دورياً بكل معنى الكلمة. لكن عمليات إعادة شراء الأسهم كانت تظهر باعتبارها نسبة من الأرباح منذ أكثر من 30 عاماً. العام الماضي، أنفقت الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما نسبته 95 في المائة من أرباحها التشغيلية على أسهمها الخاصة، أو على توزيعات أرباح الأسهم. إذا حكمنا من النشاط منذ كانون الثاني (يناير)، فإن عمليات إعادة شراء الأسهم في سبيلها لأن تتجاوز 100 في المائة من الأرباح في عام 2015.

من الناحية النظرية تهدف الشركات من جمع الأموال من البورصة إلى الاستثمار في نموها في المستقبل، لكن العكس تماماً هو الذي يحدث. ووفقاً لشركة بلومبيرج، حجم عمليات إعادة شراء الأسهم العام الماضي بلغ 550 مليار دولار، في حين إن كمية الأموال الجديدة التي تدخل السوق، في الغالب إلى صناديق الاستثمار المشتركة والصناديق التي يتم تداولها في البورصة، بلغت 85 مليار دولار فقط. وخلال عام 2015 زاد هذا الاتجاه بشكل حاد: ليس فقط أن عمليات إعادة شراء الأسهم ارتفعت، بل وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 104 مليارات دولار في شباط (فبراير). لكن المساهمين كانوا في الواقع يسحبون الأموال من السوق. غير أن هناك مساهمين حكماء، مثل وارن بوفيت، الذي يُجادل بأن عمليات إعادة شراء الأسهم هي طريقة عقلانية بالنسبة للشركات للتخلّص من النقود الخاملة. وجنى بوفيت كثيرا من الأموال من حصته في شركة آي بي إم في فترة كانت فيها هوامش أرباحها تنخفض وكانت تسعى جاهدة للعثور على أنموذج عمل جديد. ومثل عديد من الشركات العملاقة المتعثرة، حافظت “آي بي إم” على سعادة مساهميها من خلال إعادة شراء أسهمها. فبين عامي 2004 و2013 أنفقت 116 مليار دولار على عمليات إعادة الشراء، التي تمثُل 92 في المائة من أرباحها، حسبما ورد في ورقة بحث أجراه معهد بروكينجز.

ولا شك أن “جنرال إلكتريك” التي أعلنت أخيرا أنها ستبيع أعمالها غير الصناعية، ستكون أيضاً قادرة على شراء بعض الأصول غير القابلة للقياس. وغاية “جنرال إلكتريك” من سحب الاستثمارات هي التركيز على أعمالها الصناعية الأساسية. مع ذلك، عمليات البيع التي تعتزمها ستعمل في الحالة الأولى على المساعدة في تمويل عملية إعادة شراء أسهم تبلغ قيمتها 50 مليار دولار.

وعلى أساس مقارنة كل شركة على حدة، فإن وجهة نظر بوفيت تشتمل على بعض الوجاهة. لكن لاري فينك، رئيس بلاكستون – أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم مع محفظة تبلغ 4.65 تريليون دولار – لديه وجهة نظر أفضل. في رسالة إلى الرؤساء التنفيذيين للشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 هذا الشهر، وجه فينك اتهاما لرجال الأعمال في أمريكا بأنهم يأكلون البذور التي يفترض أنها ستُنبِت لهم الذُّرة.

قال “إن هوسهم بتحقيق أرباح قصيرة الأجل من شأنه أن يكون على حساب المستقبل”. وكتب في رسالته “كانت استجابة أعداد متزايدة من زعماء الشركات هي اتخاذ إجراءات يمكن أن تُحقق العوائد الفورية للمساهمين (…) وفي الوقت نفسه تؤدي إلى تخفيص الاستثمار في الابتكار، أو القوى العاملة الماهرة، أو النفقات الرأسمالية الأساسية اللازمة للحفاظ على النمو طويل الأجل”. بالطبع، معظم الرؤساء التنفيذيين لن يكونوا موجودين لتلقّي اللوم. وفي الوقت نفسه، هم يستفيدون على حساب المجتمع. فما يصل إلى 90 في المائة من تعويضات الرئيس التنفيذي يأتي من الأجور المرتبطة بالأسهم. وبموجب لوائح لجنة الأوراق المالية والبورصات المتراخية للغاية، تستطيع الشركات اختيار الوقت ومقدار زيادة مكافآت رؤسائها التنفيذيين مع توقيت عمليات إعادة شراء الأسهم الخاصة بها.

بين أصحاب نظريات السوق الفعّالة، تعظيم قيمة المساهمين يبقى هو الشعار الأساسي. ومن الناحية العملية تعظيم قيمة المساهمين يعني تقليص القيمة الاجتماعية. لذلك ليس من قبيل المصادفة أن يتزامن ارتفاع عمليات إعادة شراء الأسهم مع طفرة في التقليص. لماذا تستثمر في مهارات موظفيك في حين تستطيع زيادة أرباحك الآن؟

من المغري الاعتقاد أن طفرة عمليات إعادة شراء الأسهم ستتوقف عندما يرفع “الاحتياطي الفيدرالي” أسعار الفائدة. فالملعوم أن جزءا كبيرا من عمليات إعادة شراء الأسهم يتم تمويله من سندات الشركات التي تم إصدارها بأسعار فائدة منخفضة تاريخياً. وبمجرد أن تبدأ عوائد سندات الخزانة الأمريكية في الارتفاع مرة أخرى، سيُصبح أكثر تكلفة بالنسبة للشركات إعادة شراء أسهمها بالأموال المُقترضة. لكن العكس هو المرجح أن يحدث تماماً.

الهدف من أسعار الفائدة الصفرية كان المساعدة على إحياء الاقتصاد الأمريكي. وحتى قبل نهاية برنامج التسهيل الكمي العام الماضي، كانت هوامش الأرباح تنخفض. ومنذ ذلك الحين عمل ارتفاع الدولار الأمريكي على إلحاق ضرر بالمبيعات في الخارج، التي تمثّل تقريباً ثُلث إيرادات مؤشر ستداندرد آند بورز. وأي تحوّل في دورة أسعار الفائدة من المرجح أن يعزز الدولار أكثر، وبالتالي زيادة الضغط على هوامش أرباح الشركات الأمريكية.

ماذا ستفعل هوامش أرباح شركة جنرال إلكتريك وشركة آي بي إم عندها؟ في عالم مثالي، ستصمد في وجه العاصفة للتركيز على النمو في المستقبل. لكن في العالم الحقيقي، ستتعرض لضغط أكبر بكثير للوفاء بأهداف أرباحها. يُجادل فينك بأن “واجب الرعاية والولاء من جانب قادة الشركات ليس لكل متداول امتلك أسهم الشركة في لحظة ما، وإنما للشركة ولمالكيها على المدى الطويل”.

مستقبل الاقتصاد الأمريكي سيكون أكثر إشراقا لو كان الرؤساء التنفيذيون ينصتون.