IMLebanon

قانون السير الجديد.. باب واسع لرفع الأسعار

kanoun-seir
حسن يحيى
لم يكن يخطر في بال أحمد أنه سيستفيد من بدء قانون السير الجديد. فعندما سمع به خاف من مبالغ الغرامات التي يضعها القانون على المخالفين. أحمد يملك محلاً لبيع زينة السيارات في الجنوب، اعتبر أن القانون موجهٌ ضده، خصوصاً لكونه يبيع عازل أشعة الشمس (الفيميه) الممنوع أساساً. لكن مع بدء تطبيق القانون شهد محل أحمد إقبالاً شديداً على شراء بعض المستلزمات التي يطلبها القانون الجديد كالإطفائية والمثلث العاكس للضوء، وعلبة الاسعافات الأولية.
الإقبال الشديد على هذه المستلزمات، أدى إلى ارتفاع أسعارها، لكن هذه المرة ليس لأن الطلب أكبر من العرض، بل بسبب الميل الى الإحتكار. فنيّة الزبائن لشراء المستلزمات المطلوبة خوفاً من الغرامات، قابلتها نيّة “غير صافية” لدى التجار، لإستغلال الوضع وتحقيق أرباح في سلع كانت “نائمة” قبل القانون. ولضمان أرباح مستمرة، عمد بعض التجار إلى عدم تسليم البضائع للمحال لرفع الاسعار بصورة مستمرة، وفق ما أشار إليه أحمد لـ “المدن”، علماً انه لم يرفع الاسعار إلا بعد أن بدأ التاجر بتسليمه البضائع بسعر أعلى.

وإعتراضاً على رفع الأسعار، يؤكّد حسين الذي يعمل سائقاً لباص على “خط رقم 4” ان هذا القانون لن يصمد، هو “زوبعة وبتمرق. فالغرض منه تحصيل شويّة مصاري، وما بياكلها غير المعتّر”. ويتساءل حسين عن سبب رفع الأسعار، لكن سؤاله غير موجّه للدولة – على غير عادة – وإنما للتجار، لكنه يستدرك فيقول: “كل هالفترة كانت البضائع مكدّسة لديهم، واليوم جاءتهم الفرصة الذهبية، فالإطفائية كانت تباع بحوالي 15 ألف ليرة، وبات سعرها يصل الى حوالي 50 ألف، اما المثلث فكان سعره حوالي 10 آلاف، وأصبح بحوالي 30 ألف ليرة”. غير ان حسين يعلن إلتزامه بالقانون، فهو اشترى الإطفائية وعلبة الإسعافات الأولية، أما المثلث “فكان موجوداً في الأصل”، لكنه يتعجّب من فرض وجود الاسعافات الأولية، “فإذا أصابني مكروه، هل أعرف كيف أطبّب نفسي؟، وهل هذه العلبة تفيدني بشيء إذا حصل حادث معي؟”.
في جميع الأحوال، فإن إرتفاع الأسعار بشكل جنوني “أمر غير مبرّر”، على حد تعبير المسؤولة في جمعية المستهلك ندى نعمة، التي أكدت لـ “المدن” ان هناك “الكثير من الإنتهاكات في هذا المجال. فالجمعية جالت على الأسواق ووثقت الانتهاكات والتعديات، كما وثّقت ندرة هذه المعدات في الاسواق اللبنانية، ما دفعها إلى الاتصال بوزارة الداخلية والبلديات وابلاغها، الأمر الذي أدى إلى اعطاء فترة سماح لثلاثة أشهر”. وخلال الجولة سجّلت الجمعية تغير سعر علبة الأسعافات الأولية – على سبيل المثال – من 7 آلاف الى 20 ألف ليرة”. وهذا الإرتفاع في سوق مثل السوق اللبنانية يعدّ عادياً، لأن لبنان يعتبر سوقاً مفتوحاً، وليس فيه رقابة واضحة وصارمة على الأسعار، فغالباً ما ترتفع الأسعار في مثل هذه “الظروف المفاجئة”. غير ان نعمة دعت المواطنين الى “عدم الهلع”، لأن الأسعار ستعود الى طبيعتها.

وفي السياق، أكدت وزارة الاقتصاد، انها ستحاسب المحتكرين الذين يرفعون اسعار السلع لأكثر من النصف استناداً إلى المادة السابعة من القانون 72/83، مشيرة إلى أن “تأجيل تطبيق قانون السير يعطي الوقت المناسب للملاحقة بشكل افضل”. ودعت الوزارة المواطنين إلى المساعدة للتبليغ عن المخالفين لكي يتسنى للوزارة اتخاذ الاجراءات اللازمة بحقهم. كما طلبت الوزارة من المديرية العامة للجمارك، تزويدها بلائحة مستوردي الاطفائيات واشارة المثلث بهدف ضبط المستوردين، ولجم الاحتكارات وغلاء الاسعار. لكن هل بدأت الجهات الرسمية – تحديداً مديرية حماية المستهلك – فعلاً بتنظيم محاضر بحق التجار المخالفين؟، حتى اللحظة، كل ما يؤكده أحد الموظفين في وزارة الإقتصاد، ان “الوزارة تقوم بواجباتها”.
من جهة أخرى، ليس ارتفاع الأسعار هو المشكلة الوحيدة التي اثارت قلق الكثير من اللبنانيين حول قانون السير، اذ “تحفظ” رئيس اتحاد النقل البري والبحري بسام طليس في حديث لـ “المدن”، على بعض بنود القانون الذي رآه مسقطاً على الواقع اللبناني و”دخيلاً” عليه. وطرح طليس نقاطاً عديدة تعوق تنفيذ القانون. فعلى سبيل المثال، يفرض القانون غرامة على من يتجاوز الخطوط البيضاء والصفراء في الشوارع العامة، لكن “هل يستطيعون القول لنا اذا كانت طرقات لبنان كلها مخططة؟”، يقول طليس.
وأشار طليس إلى أنّ إشارات السير تخضع لعوامل متغيرة ترتبط أساساً بالتقنين الكهربائي، إذ “تتأثر الإشارات الضوئية في مختلف أنحاء لبنان بانقطاع الكهرباء، ما يضع القوى الأمنية في تقصير شديد لعدم قدرتها على تغطية كل المناطق وتنظيم السير فيها”، وفق طليس الذي يعتبر أنّ هذا القانون عصري وحضاري ومناسب لدول العالم “المتحضر”، لكنه “فاقد للأرضية الصلبة التي يجب البناء عليها والانطلاق منها عند تنفيذه في لبنان”.
كما تساءل عن الدورات التي أقيمت لتوعية القوى الأمنية على القانون وبنوده، وكيفية تصنيف المخالفات. ويشير في السياق إلى تلاسن حصل بين أحد السائقين وعنصر أمني، حيث اعتبر الأخير أن “القانون الجديد يمنع وجود راكبين في المقعد الأمامي”، علماً أن دفتر تسجيل بعض السيارات يسمح بوجود راكبين في المقعد الأمامي، الذي يعتبر مقعدين وليس مقعداً واحداً.
لكن بالرغم من ذلك، يؤكد طليس تأييد الإتحاد للتشدد في تطبيق القانون لجهة الأمور التي تؤثر على السلامة العامة، كالقيادة تحت تأثير المخدرات أو الكحول أو السرعة، مشيراً إلى أن “اجتماعاً موسعاً سيعقد مطلع الاسبوع المقبل لمناقشة النقاط الملتبسة، واتخاذ موقف واضح وصريح من هذا القانون وآليات تطبيقه”، مستغرباً أن تكون بعض الغرامات تتجاوز الحد الأدنى للأجور في لبنان.

في المحصلة، لا تقع “الكارثة” إلا على رأس المواطن الذي يعتبر الحلقة الأضعف بين سندان الدولة ومطرقة المحتكرين، اذ لا يعتبر قانون السير وما رافقه من ارتفاع للاسعار الحادثة الوحيدة المشابهة التي تعرض لها المواطن اللبناني، وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة في مسلسل إرتفاع الأسعار الذي يشهده لبنان على أكثر من مستوى.