سلوى بعلبكي
في كل مرة، يطلق فيها زعيم أو مسؤول لبناني موقفاً تصعيدياً ضد دول الخليج، يشد اللبنانيون في تلك البلاد رحالهم تحضيراً لانعكاسات هذه المواقف التي تترجم في بعض الأحيان ترحيلاً إلى لبنان الذي غادروه طلباً للرزق والعمل في دول أمّنت لهم ما افتقدوه فيه.
وفي كل مرة تتأزم الأمور، يهب القطاع الخاص بكل مكوناته الى إصلاح ما افسدته السياسة عبر زيارات يقوم بها أركانه الى الدول العربية، لتفادي ما يمكن تفاديه من تداعيات على اللبنانيين عموما ورجال الاعمال خصوصا.
ولكن الحركة لم تعد تقتصر على القطاع الخاص باتجاه الخارج، بل شملت رجال الاعمال في تلك البلاد باتجاه المسؤولين في لبنان لكي يحذروهم من تداعيات الهجوم “غير المبرر” على دول استقبلتهم وكانت للبنان خير سند في الضراء والسراء، وفق تعبير رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان.
وتحرك اللبنانيين في السعودية لن يقتصر على المسؤولين اللبنانيين فحسب، بل ترجم بحملة اعلانية قام بها مجلس العمل والاستثمار اللبناني في السعودية وركزت على عناوين: شكراً للسعودية على ما قدمته للبنانيين من دعم واحتضان، واعتذار من الشعب السعودي على التطاول في حق قادته وتأكيد على الروابط بين الشعبين، والعنوان الثالث وهو الاهم هو كفى المسؤولين اللبنانيين المتاجرة بمصالح اللبنانيين.
ويبدو أن مفاعيل هذه الحملة بدأت تثمر ايجابا وفق ما يقول امين سر المجلس ربيع الامين لـ “النهار”، إذ أن بعض الصحف بدأت تنشر مقالات تضامنية مع اللبنانيين، مؤكدا أن انعكاسات الخطابات ضد المملكة لم تترجم رسميا ضد اي من اللبنانيين في المملكة. إلا أن التململ بدا واضحا لدى القاعدة الشعبية التي تأثرت سلبا بهذه الخطابات، بما انعكس على العلاقات مع الجالية اللبنانية في السعودية وعلى مصالح رجال الاعمال اللبنانيين فيها”.
هذه التحركات في الاتجاهين هدفها الاضاءة على ما يمكن أن تسببه الإساءة الى دول الخليج على الاقتصاد اللبناني، خصوصا وأن “85% من التحويلات الخارجية للبنانيين مصدرها الخليج، ومن السعودية تحديدا (نحو 4 مليارات سنويا)، وفق شقير.
ولا يحتمل القطاع الخاص أن تسوء العلاقات اللبنانية مع الخليج وخصوصا السعودية، وذلك انطلاقا من الارقام الاقتصادية التي يوردها شقير. إذ أن 50% من الصادرات اللبنانية هي لدول الخليج، واكثر من 90% من الاستثمارات الاجنبية في لبنان هي خليجية، (اكثر من النصف للسعودية والبقية من الدول الخليجية الاخرى). كما أن أكثر من 55 الف لبناني يقيمون في دول مجلس التعاون، ولولا تحويلاتهم لحصلت مجاعة حقيقية في لبنان. من هنا يصر شقير على التأكيد أن ضرب هذه العلاقات هو ضربة للبنان أولا واقتصاده ثانيا.
ولأن القطاع الخاص أخذ على عاتقه حمل “صليب” حماية الاقتصاد وعدم الانزلاق الى الاصطفافات المحلية والاقليمية، سيكون لأركانه زيارة قريبة جدا الى السعودية، وفي 16 أيار و17 منه الى قطر، ومن ثم الى دبي وأبو ظبي في 18 و19 و20 منه. “نحن ذاهبون الى تلك الدول، لكي نقول أننا نريد أحسن علاقات مع دول الخليج، ونريد الخير، وأوفياء لكم، ونقدر الدور الخير الذي قمتم به للبنان بالسراء والضراء. سنقول لهم أننا نقدر ودائعكم في مصرف لبنان، وكذلك احتضانكم للبنانيين عندكم. لن نتكلم في السياسة بل سنقول كلمة حق أننا نريد احسن العلاقات والصداقات، لأنه في النهاية لا يمكن أن نتخلى عنهم”.
وعلى رغم أن السفير السعودي علي عواض عسيري طمأن الى أن العلاقات اللبنانية – السعودية أقوى واسمى وأبعد من أن تتأثر بمواقف غير مسؤولة”، برز تخوف لدى البعض من انعكاس الخطابات الاخيرة على اللبنانيين في دول الخليج وخصوصا السعودية. ولكن شقير استبعد هذا الامر، مؤكدا “أن اللبنانيين الذين تم ترحيلهم من دول الخليج لم يتخذ القرار في حقهم لو لم يكن ثمة شوائب في ملفاتهم. مع الاشارة الى أنه في السابق كان يمكن التسامح والعفو مع اللبنانيين، ولكن اليوم تبدلت الامور ولم يعد هناك من تسامح”.
وقبل انطلاق القطاع الخاص الى دول الخليج، دعت غرفة التجارة، الهيئات الاقتصادية وقطاع المال والاعمال الى لقاء مع السفير السعودي اليوم، “كبادرة وفاء منا للسعودية”، يقول شقير “فاللبنانيون يحوّلون نحو 4 مليارات دولار سنويا من السعودية، التي اذا ما اقفلت حدودها أمام البضائع اللبنانية فإن ثلاثة ارباع مصانعنا ستقفل ابوابها. هذا اذا حددنا السعودية فقط، فكيف الحال بالاستثمارات اللبنانية الموجودة في الخليج والتي تقدر بالمليارات. الاستثمارات اللبنانية في مصر وحدها تقدر بـ 10 مليارات، فماذا نقول عن استثماراتنا في دول الخليج”.
ويختم بالقول: “نحن هنا لا نضرب علاقتنا مع السودان أو الصومال مع احترامنا لهذه الدول، ولكن ليس لدينا علاقات اقتصادية تؤثر على اقتصادنا. نحن اليوم نضرب رزقنا في دول نعتمد عليها منذ أعوام”.