قال مراقبون إن التعديل الوزاري الكبير الذي أجراه العاهل السعودي أمس يؤكد عزم الرياض على مواصلة الإصلاح الاقتصادي من خلال مواصلة إصلاحات سوق العمل وإجراءات تنويع الاقتصاد، في وقت تستعد فيه البلاد لفتح أسواقها المالية أمام الاستثمارات الأجنبية.
بعثت السعودية أمس برسالة واضحة على أنها تعتزم تحديث الاقتصاد وإبقاء سياستها النفطية، من خلال تعيين وزراء جدد للاقتصاد والعمل والتخطيط، وإبقاء وزير النفط الحالي علي النعيمي.
وأجمع المراقبون على أن التعديلات تؤكد عزم الملك سلمان على اختيار أفضل الكفاءات لإدارة ملفات الاقتصاد والتخطيط والعمل والصحّة وضخ دماء جديدة في الوزارات التي شملها التغيير.
وشملت التعديلات تعيين عادل فقيه الذي قاد وزارة العمل خلال جولة الإصلاحات الشاملة في منصب وزير الاقتصاد والتخطيط، وحل محله مفرج الحقباني في منصب وزير العمل.
وسلط المراقبون في الداخل والخارج انتباههم على بقاء وزير النفط علي النعيمي في منصبه، في تأكيد على استمرار السياسة النفطية في أكبر مصدر للنفط في العالم.
وكافأ التعديل الوزاري خالد الفالح على نجاحاته في إدارة مجموعة أرامكو، بتعيينه وزيرا للصحة مع احتفاظه بمنصب رئيس مجلس إدارة أرامكو.
واعتبر المحلل السياسي خالد باطرفي أن “الفكرة من التعيينات هو أن يكون المستقبل مطمئنا للداخل والخارج، فقد أصبح واضحا من سيقود السفينة”.
وأضاف أن الهدف من تعيين خالد الفالح وزيرا للصحّة، هو على أرجح التقديرات، لإحداث نقلة نوعية في الوزارة التي تشير تقارير سعودية إلى أنها تعاني من تردي الخدمات.
وسبق للملك سلمان أن أعفى وزير الصحة أحمد بن عقيل الخطيب من منصبه، بعد 10 أسابيع فقط من تعيينه في المنصب، ليكون ثاني وزير يتم إعفاؤه من منصبه خلال شهر، بعد إعفاء وزير الإسكان في 11 مارس الماضي.
ويرى خبراء اقتصاد سعوديون، أن تعيين عادل فقيه على رأس وزارة الاقتصاد والتخطيط، وتعيين نائبه مفرج الحقباني وزيرا للعمل، قرار مدروس بسبب تكامل الأدوار بين الوزارتين، ويستند إلى نجاحهما في إدارة وزارة العمل خلال الإصلاحات الشاملة لسوق العمل.
ويعتبر مفرج الحقباني، أحد الكفاءات السعودية التي اهتمّت بملفات العمل والبطالة، وهو مختص في الاقتصاد وسبق له أن شغل العديد من المناصب وكان أبرزها عمله وكيلا لوزارة التخطيط، ثم نائبا لوزير العمل.
وغالبا ما تؤثر التعديلات الوزارية الداخلية في السعودية على أسعار النفط، نظرا لأن الاستقرار في أكبر مصدر للنفط في العالم، أمر مهم جدّا لإمدادات المعروض العالمي.
وقال تجار إنهم يراقبون الوضع عن كثب لمعرفة الرئيس التنفيذي الجديد لأرامكو وما إذا كان مركز وزير البترول علي النعيمي سيتأثر.
ولم يعلن على الفور اسم من سيحل محل الفالح في منصب الرئيس التنفيذي لأرامكو، وهو المنصب الذي شغله منذ يناير 2009 بعد 30 عاما من العمل في الشركة.
وكانت بعض التقارير قد رجحت احتمال أن يخلف الفالح النعيمي كوزير للنفط، لكن الأوامر التي أصدرها العاهل السعودي جاءت بعكس تلك التقديرات.
واستثنى التعديل الوزاري، وهو الثالث منذ تولي الملك سلمان الحكم في يناير الماضي، علي النعيمي الذي يوصف بأنه مهندس سياسات أوبك، في رسالة ربما تهدف إلى طمأنة أسواق الطاقة القلقة والتي تدرك الدور الكبير للنعيمي في منظمة أوبك.
ويتولى النعيمي منصب وزير البترول منذ عام 1995 ولعب دورا كبيرا في قرار السعودية في نوفمبر الماضي، حين تمسك بعدم خفض الإنتاج لدعم الأسعار التي هبطت إلى النصف تقريبا منذ يونيو من العام الماضي.
ومع كل تغيير وزاري معلن أو محتمل في السعودية، تسود أسواق النفط حالة من القلق، على اعتبار الوضع فيها عاملا من عوامل تحديد مسار الأسعار.
ورأى محللون أن تركيز أسواق النفط العالمية ربما ينحصر في الوقت الراهن في موعد مغادرة النعيمي لمنصبه لأن رحيله قد يؤثر على السياسة السعودية وعلى منظمة أوبك وعلى مسار أسعار البترول.
وكان صامويل سيزوك كبير مستشاري أمن الإمدادات بوكالة الطاقة السويدية، قد أشار حين أجرى العاهل السعودي أول تعديل وزاري بعد توليه الحكم وأبقى على النعيمي في منصبه، إلى أن هناك حديثا عن أن النعيمي سيترك المنصب في العام المقبل.
وقال “من المرجح إلى حد بعيد أن يبقى النعيمي في الأجل القصير، حتى لا يبدو الأمر كما لو أن الملك الجديد يستعد لتغيير في السياسة النفطية وقد يؤدي هذا إلى تأجيل تقاعده قليلا”.
ويقول أوليفر جاكوب كبير المحللين في بتروماتريكس للاستشارات “أعتقد أنه سيكون من الصعب تغيير وزراء في الوضع الحالي، وإذا كان النعيمي سيرحل أعتقد أنه سيفضل الرحيل بعد عودة قدر من النظام إلى أوبك”.
وتشير تقارير سعودية إلى أن خالد الفالح يتمتع بكفاءة عالية في الإدارة، وقد أحدث نقلة نوعية في خدمات أرامكو، حيث قام بتوسيع أنشطة الشركة النفطية العملاقة.
كما وضع خططا لتوسيع تركيز الشركة ليشمل إلى جانب إنتاج الخام تعزيز دورها في إنتاج الغاز والكيماويات والمنتجات المكررة والطاقة المتجددة، وقد لا يخرج تعيينه على رأس وزارة الصحّة عن إطار سعي القيادة السعودية لمعالجة الملفات العالقة وتقليص الإجراءات البيروقراطية في الوزارة.