IMLebanon

مزارعو الضنية أمام كارثة: البَرَد قضى على مواسمهم والدولة الغائب الأكبر

AgricultureLebanStorm

نظيم الحايك

قد تكون الكارثة التي حلّت بمزارعي الضنية أشبه بالزلزال الذي ضرب النيبال وراح ضحيته آلاف الضحايا وتم تشريد الآلاف أيضا، فالعاصفة المجنونة التي ضربت الضنية في الاسبوع الماضي قَضَتْ بشكل كامل على الموسم الزراعي وحوّلت الثمار حديثة النمو الى أشلاء، ولم تكتفِ بذلك بل  قضت على آمال الآلاف الذين كانوا قد وعدوا أنفسهم بشيء من التعويض عن الخسائر المتكررة منذ عشر سنوات وأكثر. وهذه الضربة القاضية قد تكون القاتلة للقطاع الزراعي الذي يعيش منه أكثر من نصف سكان الضنية خصوصا أنه تلقّى الكثير منها في السنوات الأخيرة، إن لم تكن طبيعية من صنع الخالق كانت بفعل الأحداث الأمنية والحرب السورية التي أدّت الى خنق الزراعة وتدميرها لأنها ترتبط عضويا بها من خلال عملية النقل البري والتي لم تجد الحكومة حلا لها حتى الساعة. فبالرغم من ان الأزمة السورية مستمرة منذ خمس سنوات، لم تقم الحكومة اللبنانية بأي جهد لإيجاد خطة بديلة في حال تسكير الحدود البرية وهذا ما حصل مؤخرا وحتى قبل إغلاق هذه الحدود كان السائقون اللبنانيون يتعرّضون للكثير من المضايقات ومن معظم الأطراف الموجودة على الأراضي السورية.
معالجات الدولة اللبنانية تغيب عنها بشكل دائم أي خطة استراتيجية أو مستقبلية، ومعظم من يتعاطى الشأن العام يتصرّف بطريقة «سيري وعين الله ترعاك!» ومجلس الوزراء أصبح مجلسا مِلِّيّا كل وزير يدافع عن مصالح جماعته ومنطقته ولا تعنيه أو تهمّه مصالح ومطالب المناطق الأخرى غير الممثلة على طاولة مجلس الوزراء، وما حصل مع تعويضات أضرار السيول التي ضربت الضنية وعكار في شهر تشرين الأول من العام الماضي هي دليل واضح على لامبالاة معطم وزراء الخدمات وخصوصا وزير الأشغال العامة ووزير الطاقة والمياه ووزير المالية الذي ما زال يحتجز المبالغ المالية التي أقرّتها الحكومة للتعويض على المتضررين وإصلاح ما خرّبته السيول بالرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقها رئيس الحكومة تمام سلام لنواب الضنية أكثر من مرة. ويراهن مزارعو الضنية ان وعوده الأخيرة للنواب بعد زيارته عقب عاصفة البرد الأخيرة ستكون كغيرها من الوعود ولن يحصد المتضررون سوى العبارات المنمّقة التي لا تسمن أو تغني.
الكارثة
في جولة لـ «اللـــواء» على بعض القرى المتضررة سجلنا مشاهدات مؤلمة يصعب تحمّلها من أناس يعيشون بشكل كامل على ما تنتجه بساتينهم صيفا وهم ينتظرون هذا الموسم عاما كاملا ويدللون أشجارهم بأجفان عيونهم. ففي بلدة القطين قضى البرد بشكل نهائي تقريبا على ثمار الدراق والخوخ والمشمش والإجاص وغيرها من الأشجار المثمرة، وقد تضررت بشكل أكبر لأن ثمارها تنمو قبل غيرها في البلدات الأخرى. وعن وجعها يقول وليد حيدر بأن بلدته هي الخاسر الأكبر جراء عاصفة البرد التي «نتمنى أن تكون الأخيرة لأننا نعيش تقريبا بشكل كامل على قطاع الزراعة، فنسبة الوظائف في القطين لا تتعدّى الواحد بالمئة ونسبة المهاجرين تزيد عن ذلك قليلا، ما يعني اننا أمام كارثة كبيرة بكل المقاييس ونأمل من الدولة أن تنظر بعين ثاقبة هذه المرة، ونناشد المؤسسات الدولية مساعدتنا أيضا لأن ما حلّ بنا وبمزروعاتنا يهددنا في لقمة عيشنا وقد يحوّلنا الى لاجئين في وطننا»، ويضيف حيدر «لم تنصفنا الطبيعة ولكننا نطالب الدولة بانصافنا، ولن نقبل بعد اليوم بوعود فارغة ونحذّر المسؤولين من مغبة إدارة الظهر المستمرة لنا لأن عواقبها لن تكون محمودة هذا العام».
لا نثق بالإغاثة
{ بلدة قرصيتا التي تنتج الكمية الأكبر من الإجاص في الشمال حوّلت عاصفة البرد أشجارها الى أشلاء وقضت على الثمار التي لم تصل الى مرحلة البلوغ وكأنت ريحا صرصرا قد ضربتها، ووصف وليد الحايك ذلك المشهد «المفزع انه أشبه بزلزال خاطف قضى على كل شيء بلمح البصر وأمام أعيننا دون أن نتمكن من أن نفعل شيئا، وكانت حبة البرد أكبر من الحصى وحطمت العديد من زجاج المنازل والسيارات. هي حكمة وبلاء كبيرين تكرر مرتين في أقل من عام، وكنا، نحن المزارعون، الضحية الأولى في كل مرة ولم تقم الدولة بواجبها تجاهنا في المرة الأولى وهي ستفعل نفس الشيء على الأرجح هذه المرة أيضا». ولفت الحايك الى ان «الاهمال المقصود من قبل الدولة غير مفهوم وغير مبرر خصوصا ان الزراعة كانت تعتبر دعامة أساسية في الاقتصاد الوطني. والمزارعون هم مواطنين لبنانيين يقومون بواجباتهم المطلوبة منهم ومن حقهم على الدولة أن تقف بجانبهم في هذه الظروف. ولا نريدهم هذه المرة أن يضحكوا علينا بإرسال فرق الإغاثة للكشف على الأضرار لأننا بصراحة لم نعد نثق بهذه التصرفات، والمطلوب إرسال مساعدات مباشرة لكل المزارعين وإعفائهم من بعض الضرائب وتوزيع الأسمدة والمبيدات الزراعية مجانا وتأمين أسواق أخرى لا تفرض شروطا قاسية على الإستيراد، لأن ما تبقّى من منتجاتنا هذا العام لا تستوفي أياً من الشروط الموضوعة في دول الخليج بفعل مجزرة البرد التي لم ترحم أحدا، ولكننا بالرغم من كل ذلك نقول ان للضنية ربا يحفظها».