IMLebanon

تحولات عالمية في صناعة تكرير النفط

OilProduction2
نعمت أبو الصوف
أسوة ببقية قطاعات الصناعة النفطية، تواجه صناعة التكرير العالمية عديدا من التحديات التي تختلف بشكل كبير من منطقة إلى أخرى. حيث إن التحولات في أنماط الطلب على المنتجات وتغيرات العوامل التنافسية تهدد بقلب موازين بعض مراكز التكرير الحالية وفي الوقت نفسه تحسن من آفاق مناطق أخرى.
على الرغم من الجهود التي يبذلها عديد من الحكومات للحد من الاعتماد على النفط، سواء من خلال برامج للتحفيز أو حتى فرض استخدام بدائل النفط وزيادة الكفاءة، لا يزال إجمالي استهلاك النفط العالمي في تزايد، وسوف يستمر على هذا النحو في المستقبل المنظور.
لكن، اتجاه الطلب هذا يختلف من منطقة إلى أخرى في العالم. في الواقع، على مدى السنوات الـ 10 الماضية، على الرغم من ارتفاع الطلب العالمي على المنتجات بنحو 12 مليون برميل في اليوم، إلا أن الطلب في الاقتصادات المتقدمة في أوروبا الغربية، اليابان والولايات المتحدة تراجع بنحو خمسة ملايين برميل في اليوم. وعلى الرغم من أن انخفاض أسعار النفط الحالي أثر إيجابيا في الطلب حتى في البلدان المتقدمة، لكن أنماط الطلب هذه ستستمر، مع نمو قوي في البلدان النامية وتباطؤ إلى تراجع في استهلاك الاقتصادات الناضجة.
في الوقت نفسه، شهدت صناعة التكرير العالمية تحولا كبيرا في نشاط البناء، إلى حد كبير بسبب أنماط الطلب الحالية. حيث شهدت السنوات الست الماضية إضافة أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم طاقات تكرير جديدة في الاقتصادات النامية (في المقام الأول آسيا والشرق الأوسط)، في حين أغلقت أوروبا واليابان/ أستراليا ما يقرب من مليوني برميل في اليوم. الولايات المتحدة كانت استثناء بين الدول المتقدمة، حيث أضافت أكثر من 800 ألف برميل في اليوم من طاقات التكرير الجديدة.
لكن ماذا عن المستقبل؟ استنادا إلى حجم المشاريع المخطط لها عالميا، من المتوقع أن تضاف نحو ثمانية ملايين برميل في اليوم طاقات تقطير جديدة بحلول عام 2020. في عام 2014، بلغت طاقات التكرير العالمية نحو 92 مليون برميل في اليوم، في حين أن معدل تشغيل المصافي كان 78 مليون برميل في اليوم، أي بنسبة استغلال 85 في المائة. بحلول عام 2020، سوف يتجاوز معدل زيادة الطاقات الجديدة النمو المتوقع في الطلب العالمي على المنتجات. وهذا سيؤدي إلى إغلاق طاقات تكرير في المناطق التي لا تتمكن فيها المصافي من المنافسة. في هذا الجانب تشير أحدث التوقعات إلى أن نحو مليوني برميل في اليوم من طاقات التكرير مهددة بالإغلاق في أوروبا وغيرها من الاقتصادات الناضجة مع تراجع الطلب، وكذلك بعض المصافي الصغيرة الأقل تعقيدا في الصين والدول الأخرى التي لن تبقى قادرة على المنافسة.
الحاجة إلى خفض طاقات التكرير في أوروبا والاقتصادات الناضجة الأخرى ذات شقين. الأول، انكماش الطلب الذي تفاقم بسبب التباطؤ الاقتصادي، ما أدى إلى انخفاض الطلب على المنتجات في معظم الاقتصادات المتقدمة. ويعود السبب الثاني إلى عدم التطابق بين ميزان الطلب والعرض على المنتجات، حيث لا يزال فائض البنزين في تزايد مطرد. شركات التكرير في المملكة المتحدة، فرنسا، أستراليا واليابان هي الأكثر عرضة للإغلاق أولا.
على الرغم من التخفيضات السابقة والمتوقعة في دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ المتقدمة (اليابان/أستراليا)، إلا أن معظم طاقات التكرير الجديدة ستأتي من آسيا (بما في ذلك الصين). حيث من المرجح أن تضيف آسيا ما بين 3 و4 ملايين برميل في اليوم طاقات تكرير جديدة، أي نحو 40 في المائة من الطاقات العالمية التي يجري بناؤها. الصين وحدها من المتوقع أن تضيف نحو 1.5 إلى مليوني برميل في اليوم لتلبية الطلب المحلي المتزايد. في حين من المتوقع أن تضيف الهند، إندونيسيا، تايلاند وفيتنام نحو 1.5 مليون برميل في اليوم أخرى، حيث تعمل جميع هذه الدول على تلبية الطلب المحلي المتزايد، باستثناء الهند التي تسعى أيضا إلى التصدير.
ستشهد كل من منطقة الشرق الأوسط، روسيا، إفريقيا وأمريكا اللاتينية أيضا درجات متفاوتة من النمو. الشرق الأوسط سيقود هذه المجموعة بزيادة قدرها 2 إلى 2.5 مليون برميل في اليوم. الدافع وراء هذا التوسع في الطاقات يعود إلى مجموعة مختلفة من العوامل، من أبرزها الطلب المحلي القوي الذي من المتوقع أن يرتفع بنحو 1.7 مليون برميل في اليوم بحلول 2020. العامل الآخر هو التحول في سياسات شركات النفط الوطنية التي تهدف إلى الاستفادة من القيمة المضافة للصادرات النفطية من خلال عمليات التكرير. كما أن التوسع في طاقات التكرير سوف يقلل اعتماد المنطقة على البنزين وزيت الوقود المستورد. وأخيرا بناء المصافي سوف يوفر بنية تحتية وفرص عمل للمنطقة.
من المتوقع أن تضيف أمريكا اللاتينية 500 إلى 600 ألف برميل في اليوم حتى عام 2020، معظم الزيادة سوف تأتي من البرازيل. لكن مع الاضطرابات السياسية الأخيرة، قد تتأخر بعض هذه المشاريع. من المتوقع أن يكون نمو الطلب في إفريقيا كبيرا، لكن قد تواجه مشروعات التكرير الجديدة المعلن عنها بطاقة إجمالية 600 إلى 700 ألف برميل في اليوم منافسة قوية من قبل الواردات غير المكلفة نسبيا وارتفاع تكاليف بناء وتشغيل المصافي في المنطقة. لذلك ليس من المتوقع أن يتم بناء جميع هذه الطاقات.
في أمريكا الشمالية، طاقات التكرير ليست تحت تهديد الإغلاق، عكس باقي الاقتصادات المتقدمة في أوروبا، اليابان أو أستراليا. بل على العكس من ذلك، من المتوقع أن تشهد المنطقة (خاصة الولايات المتحدة) توسعات في أعقاب الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط المحلي. حيث تم الإعلان عن عدد من مرافق معالجة النفط الخام والمكثفات ويجري بناؤها حاليا، إضافة إلى توسيع المصافي القائمة للاستفادة من فائض النفط الخام المتاح محليا.