IMLebanon

رسالة من جوزف صادر…! (بقلم رولان خاطر)

joseph-sader

 

بقلم رولان خاطر

 

من هنا، من معقل “المقاومة الإسلامية”، من أرض، ترابها لبناني، لكن عمقها، إيراني، سوري، عراقي، بحريني، يمني،…من “الضاحية الجنوبية” أحدثكم.

أيّها اللبنانيون،

“ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل؟!”. هي أعوام ستة مضت على 12 شباط 2009. ولا زال مصيري عندكم غير معروف، لكنني اليوم سأبوح لكم بمصيري.

لكن بداية، للحق والحقيقة..أقول..لم أعرف لماذا خُطفت على مرأى من عيون ما يسمى “القوى الشرعية”. هذه القوى التي تتباهى بأنها تدخل المناطق اللبنانية كافة، ولا “مربعات” تستعصي على هيبتها، وهي اليوم تدخل “الضاحية” على وقع التهاليل والزغاريد، يا ليتها استعرضت “زنودها” في الثاني عشر من شباط من العام 2009، ومنعت ذلك “الفان” الذي حُملت به من استكمال طريقه إلى عرين “حزب الله”.

لا أخفيكم سرّاً، إنني تألمت، وحزنت، وبكيت، ليس لأنني قد لا أعود إلى الحريّة من جديد، أو لأنني قد لا أرى سلمى والأولاد، فأنا اعيش حريتي كاملة مع المسيح، أنا بكيت، لأننا كلبنانيين، بعد كل هذا النضال، والشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الشرعية ومن أجل قيام الدولة، سقطت، أنا المؤمن، والآدمي، “فريسة” شريعة الغاب، والأمن المتفلّت، وأكذوبة “مشروع المقاومة” إلى جانب مشروع الدولة، و”فريسة” عناوين الذلّ والعار التي تتقمص أروقة البرلمان وسطور محاضر اللجان النيابية وحقوق الانسان.

لم أبك خوفاً، فالخوف لم يجد يوماً طريقه إلى وجداني..ولم أبك ذلاّ، وأنا أعرف أنّ الذلّ والمهانة هما من صفات خاطفي..بكيت وأبكي، على مسيرة شعب، حمل عنوان ثورة الأرز، فأتى قادته ومسؤولوه ليدفنوا مبادئ الأرز، وعنفوان الأرز، ورجالات الأرز، في دفاتر الصفقات والسمسمرات، التي باعت وتبيع الوطن قبل صياح الديك.

لم أبكِ على مستقبل، كبّله رجال الظلمة، ومن امتهنوا القتل والإجرام والاغتيال والخطف واغتصاب الوطن والدولة، بل أبكِ، على “الرجولة”، التي هربت من قاموس كل سياسيينا ومسؤولينا وقياديينا وزعمائنا.

أبكي، على وطن، يحكمه طغاة، وفاسدون، ومجرمون، وشهود زور على الحق والحقيقة والعدالة.

أبكي على بلد، قوانينه أفسدتها عبودية الطائفية والدينية، ونظامه تتآكله العقائد والإيديولوجيات المحنّطة، وثقافته تعتقلها مفاهيم الثورات الزائفة المستوردة، وهويته تصادره أوهام “الأئمة”.

يا رفاقي، بعد سنوات ست، كم تمنيت لو وقف مسؤولاً، أو قاضياً، أو حزباً، اومجتمعاً مدنياً، أو…على ما كشفه وزير العدل أشرف ريفي في أحد اجتماعات لجنةِ حقوقِ الانسان النيابية بما يختص بتفاصيل خطفي، وعندما انبرى عليه احد نواب “مربع الموت” مفترساً، رافضاً كلامه.

بعد سنوات ست، سمعت أن “خطة أمنية” تتحضّر للضاحية. لكنني سمعت “همساً إلهياً” يطلب من “كبار القديسين” الاختفاء والتلطي..لم يكن أمراً غريباً، لكنّ الغريب، لم ينتابني أملاً. لماذا؟..

لأنني أعرف، أن دولة تسمح بوجود دويلة تقوّض هيبتها، وتخطف أبناءها، وتهدد سياسييها، وتغتال رؤساءها ووزراءها ونوابها ومثقفيها ومواطنيها، لن تنفذ أمناً ولن تفرض هيبة.

لأنني أعرف، أن دولة تسمح لحزب بأن يصادر قرارها المركزي، والديبلوماسي، والأمني، لن تفرض سلاماً ولا طمأنينة، ولن تعيد مخطوفاً.

لأنني أعرف، أن دولة تأخذ إذناً لتكون دولة، وتبسط سلطة، وتحمي سيادة، وتصون جيشاً، لن تكون خططها إلا استعراضاً، ومهزلة، لتحقيق مكاسب سياسية من هنا وتعويم شعبي من هناك.

لأنني أعرف، أن جمهورية لا تثور لكرامتها، وتحكمها فلسفة “شكراً سوريا”، ومعادلات الذلّ “جيش وشعب ومقاومة”، وتنبش القبور في حالات، بينما تدافع عن جزاري الطيار سامر حنا، أقل الإيمان، أنها ذاهبة إلى الزوال.

أيها المواطنون،

تسألون عن مصيري ما إذا كنت حياً أو ميتاً. لذا سأقول لكم..

أنا متّ، يوم تركتموني لقمة سائغة بيد المجرمين، وضحية تُقدّم على مذبح الشياطين.

أنا متّ، يوم تركتني “الشرعية” أُجلد، وأُصلب، ثمن تقصيرها، وعدم وجودها.

أنا متّ، يوم تركني أصحاب القصور، وملوك العدالة، أبيت ليلة واحدة، في “مربع الموت”.

أنا متّ، يوم باعني الوطن، ظناً منه أنني سأُدفن في “مأوى المجرمين”.

نعم، أيها السادة، هي “مهزلة” من تسمي نفسها “شرعية”، وهو مجرم، وقاتل، ومدّعي، ومغتصب، من يسمّي نفسه “حزباً إلهياً”. هي “مهزلة” تلك التي تسمى “خطة امنية”، تكرّس “سلاح الإجرام” جزءا من مشروع بناء الوطن. نعم يا سادة، انا جوزف صادر، وصمة عار امنية، وانسانية، في سجل الدولة اللبنانية.

وأخيراً وليس آخراً، يا رفيقي المواطن،

مسافات كبيرة تفصل بينك وبين دولتك التي تتواجد على بقعة ما، من ضمن خرائط الجمهوريات، ولا يقتصر وجودها إلا على هذه الخرائط. “فلا تطلب ما هو حيّ بين الأموات”.

أمّا انتِ، يا سيدة قلبي، يا زوجتي الحبيبة، يا سلمى. اشتقت إليكِ، واشتقت لأولادي. اشتقت لضحكتك، وحبك، وانوثتك، و”غنجك”.. سأحبك دائماً أبداً. لا تحزني يا سلمى.. قبلي.. قبل جوزف صادر، راح الكثيرون، وبعد جوزف صادر سيكون هناك كثيرون، لأننا نعيش لعنة وطن، والأمل الذي تحدثت عنه في البداية، لم يكن أملاً على أوهام ما يسمّى بهذه “الدولة” وتلك “الشرعية”، هو أمل السماء، وأمل الملكوت، وأمل الأبدية. فالدولة والشرعية قبور مكلّسة في هذه الحياة. وأنا ولبنان لنا الخلاص في حضرة ملكوت الله.