ماري هاشم
فيما حدّد مجلس الوزراء الثلثاء المقبل موعداً لاستكمال البحث في مشروع موازنة العام 2015 على أن تليها جلسات متتالية حتى إقراره، اعتبر رئيس قسم الأبحاث الإقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث إلى «الديار»، أن من الملحّ إقرار مشروع موازنة 2015 «لأن البلد لا يزال منذ عشر سنوات من دون موازنة ولا يمكن استمرار النفقات بالطريقة المتبعة، إما عبر سلفات خزينة أو القاعدة الإثني عشرية وتخطيها»، ورأى أن «الموازنة هي أهم ورقة عمل للحكومة لتقييم وارداتها ونفقاتها، من هنا يجب أن تكون الأولوية المطلقة لمشروع الموازنة من بين مشاريع القوانين التي يجب إقرارها في الوقت الراهن».
ورداً على سؤال عن مدى صحة عدم القدرة على تأمين رواتب القطاع العام إذا لم تقرّ الموازنة، قال غبريل: في كل مرة يجري الحديث عن هذه المشكلة، سرعان ما يجد لها المعنيون مخرجاً قانونياً في وقت لاحق، لأن لا أحد مستعد لوضع موظفي القطاع العام في هذا الوضع الحرج، وأنا متأكد من أنهم سيجدون المخرج المناسب، حتى لو لم تقرّ الموازنة في الوقت المطلوب. ونأمل أن يكون تصريح البعض عن عدم القدرة على تأمين الرواتب، من باب الضغط لإقناع المترددين في إقرار مشروع الموازنة.
من جهة أخرى، أشار إلى «وجوب أن يأخذ مشروع الموازنة في الإعتبار الوضع الإقتصادي الذي نمر به، إضافة إلى الوضع المالي وثقة المستهلك والمستثمر، وتراجع الإستثمارات الأجنبية المباشرة، والكلفة التشغيلية المرتفعة على القطاع الخاص، وعدم قدرة الدولة على الإستمرار في الإستدانة لتمويل عملياتها، وضرورة رفع النفقات الإستثمارية».
ـ اقرار الشراكة ـ
وإذ لفت إلى «حل بديل عن الإستدانة، يكمن في إقرار مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تزامناً مع مشروع الموازنة، والذي يسمح للقطاع الخاص بتمويل وإدارة مشاريع البنى التحتية التي هي بحاجة ماسة إلى تطوير»، لاحظ ورود ضرائب عديدة في مشروع موازنة 2015، في حين أن الوقت غير مؤاتٍ لها، بل أن الظروف الحالية تفرض تخفيف الأعباء عن الإقتصاد اللبناني وعن كاهل الأسَر والمواطن، والأهم عن كاهل القطاع الخاص الذي يجب إعطاؤه تحفيزات لتوسيع المؤسسات وزيادة عدد عمالها وموظفيها، لا أن نزيد عبئاً ضريبياً جديداً على أعبائه الموجودة أصلاً والمرهقة.
وشدد في المقلب الآخر، على «ضرورة إدراج مشروع سلسلة الرتب والرواتب في مشروع موازنة 2015»، وأيّد وزير المال علي حسن خليل «إرفاق مشروع الموزانة بمشروع السلسلة». وكرر القول: إن تمويل السلسلة لا يتأتى من الضرائب، لأنه ثبت تاريخياً في أي اقتصاد فرض الضرائب لرفع واردات الخزينة، أن النتائج تأتي دائماً أقل من التوقعات. لأن الضرائب تضرب القطاع المستهدف فيتقلص إنتاجه ووارداته وأرباحه، وبالتالي تخفّ الواردات التي يرفد بها الخزينة، فتأتي أقل من التوقعات.
ورأى أن زيادة ضريبة الفائدة على الودائع المصرفية «ترتدّ سلباً على آلاف اللبنانيين المتقاعدين الذين تشكّل تلك الفائدة على مدّخراتهم، مدخولهم الوحيد»، وتابع: بذلك تتقلص قدرتهم الشرائية في ظل ارتفــاع نسـبة غلاء المعيشة الذي يقضي على قدرتهم الشرائية. من هنا الظرف غير مناسب لضرائب جديدة أو زيادة معدلات أخرى قائمة، بل من المفترض تخفـيف الأعباء عن القــطاع الخاص. فتمويل السلسلة يتأتى من إرادة سياسية في خفض النفقات في بعض الأمكنة، ومكافحة الهدر والفساد ومكافحة التهرّب الضريبي عبر تفعيل الجباية إن في قطاع الكهرباء أو الميكانيك حيث هناك 528 ألف سيارة لم تسدّد رسوم الميكانيك، وهناك اقتصاد يشكل 30 في المئة من مجموع الإقتصاد اللبناني، يشمل مؤسسات ومصانع غير مسجلة في وزارة المال ولا في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. فالعدالة الضريبية تفرض ملاحقة المؤسسات التي تتهرّب من الإقتصاد الرسمي، وليس استهداف قطاعات ملتزمة في تسديد المستحقات المتوجبة عليها من الضـرائب والرسوم.
وشدد على «وجوب إجراء إصلاح إداري قبل إقرار السلسلة، كي لا تشمل الموظفين المنتجين مع غير المنتجين والذين لا يحضرون إلى عملهم». ولم يغفل الإشارة إلى موضوع التقاعد «الذي يشكل عبئاً على الخزينة العامة ولا أحد يلقي الضوء عليه»، موضحاً أن «ليس المطلوب هنا وقف معاشات التقاعد، إنما من الضرورة ألا تمتد إلى أجيال وأجيال بعد وفاة المتقاعد».
ـ أين تذهب أرباح المصارف؟ ـ
ورداً على سؤال عن كيفية توظيف القطاع المصرفي أرباحه البالغة مليار ونصف مليار دولار في العام 2014، أسف غبريل «للوصول إلى مرحلة أصبحت فيها الناس على درجة من الحقد على القطاعات المنتجة والمربحة»، وقال: أصبحنا في نظام يتجه إلى نظريات إعادة توزيع الدخل والثروات ومعاقبة المبادرة الفردية والإستـثمارات، برغم أن المستثمر يواجه مخاطر جمّة في هذا الإطار ويطمح في المقابل إلى تلمس النتائج. كما أن المصارف تعيش في بيئة غير مستقرة وغير شـفافة، محلياً أو إقليمياً، وتتحمّل مسؤولية اجتماعية تعيها جيداً، ومن حقها تحقيق الأرباح، فهي ليست جمعيات خيرية.
وأضاف: هناك مؤشرات تظهر أن ربحية المصارف إلى تراجع منذ أربع سنوات، من معدل المردود على الموجودات، وعلى حقوق المساهمين، وإنها في أفضل الأحوال في حال من الركود. فالقطاع المصرفي في أي اقتصاد في العالم مؤتمن على ودائع المودعين، وهدفه المحافظة على ودائع الناس وتمويل الإقتصاد، إذ بلغت تسليفات المصارف للقطاع الخاص 51 مليار دولار في آخر شباط 2015، وهذا الرقم يفوق حجم الإقتصاد ويشكّل 108 في المئة من الناتج المحلي، ويشمل كل قطاعات الإقتصاد اللبناني. كما ساهمت تسليفات المصارف في رفع معيشة الأسَر والأفراد، وساعدت أشخاص في شراء منازل وسيارات وأكلاف التعليم. وفي الوقت ذاته تحافظ المصارف على الإستقرار النقدي والإقتصادي والمالي في لبنان، إذ لولا قدرة المصارف وثقة المودعين بها، لما كان في مقدورها استقطاب ودائع كافية تمكنها كما اليوم، من تمويل القطاع الخاص وحاجات الدولة للإستدانة المرتفعة وتحافظ على مستوى سـيولة مرتفع بسبب البيئة التشغيلية، ودعم قدرات مصرف لبنان من خلال الإحتياطي الإلزامي بالعملات الأجنبية. كذلك يوظف القطاع المصرفي 25 ألف عائلة في لبنان، كما أن تسليفاتها لمؤسسات القطـاع الخــاص تسمح لها بالتوسع وخلق فرص عمل إضافية. فالمشكلة ليست مع المصارف، إنما تكمن في عدم وجود إرادة سياسية لخفض حاجات الدولة للإستدانة.
وقال غبريل: إذا رضخت المصارف لمطالبة البعض بوقف رفد الدولة بالتمويل إذا لم تبادر الأخيرة إلى القيام بالإصلاحات، فماذا يحصل بالنظام المالي والنقدي والإقتصادي في لبنان؟ ينهار كلياً لا محالة. لقد شكّل عجز الموازنة منذ العام 2014 حتى اليوم 7 في المئة من الناتج المحلي، ونسبة الدين العام 140 في المئة من الناتج المحلي، وهي نسب مرتفعة. فلو لم يكن القطاع المصرفي قادراً على تمويل القطاع الخاص ومدّ الدولة بحاجاتها التمويلية، لاضطرت الدولة إلى تسـديد فوائد أعلى في حال لجأت إلى الأسواق المالية العالمية، ما ينعكس سلباً على فوائد التسليفات للأفراد والعائلات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبرى في لبنان.
ـ الزيارات الأميركية المتتالية ـ
وعما إذا كانت الزيارات المتكررة لمسؤول الخزانة الأميركية إلى لبنان، توحي بالضغط على لبــنان لإقرار مشاريع القوانين المالية الملحة والعالقة في مجلس النواب، قال غبريل: نرحّب بكل مَن يريد التأكد من شفافية المصارف اللبنانية، إن من الجانب الأمــيركي أو الأوروبي أو الأممي وغيرهم. القطاع المصرفي شفاف ويطبّق كل القوانين الدولية والمحلية في ما يتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أو الإمتثال بكل العقوبات على أشخاص ومؤسسات أو دول.
واعتبر أن «من مصلحة القطاع المصرفي أن يحافظ على شفافيته، ليس من باب الخوف أو الضغط من أي طرف، بل أن القطاع المصرفي مؤتمن على 144 مليار دولار من الودائع للقطاع الخاص، ومسؤول اتجاه المساهمين فيه ومجالس إداراته. فالثقة هي أهم نقطة قوة للقطاع المصرفي، لذلك فهو مستعد لفعل أي شيء للمحافظة على هذه الثقة، وانطلاقاً من قناعته بالسعي دائماً إلى رفع مستوى الشفافية قدر الإمكان، والقطاع ماضٍ بمشروع «فاتكا» والقوانين الأخرى والإمتثال الكلي.