IMLebanon

أما آن لهذا النظام العجوز أن يُخلي مكانه لنظام التقاعد والحماية؟

LebanonCurrencyMoney
جميل ملك
لقد أخذ قانون الضمان الاجتماعي اللبناني (الصادر بالمرسوم رقم 13955 تاريخ 26/9/1963 تبعاً لأحكام المادة 58 من الدستور اللبناني) بالمخاطر الاجتماعية التي نصّت عليها اتفاقية الحد الأدنى للضمانات الاجتماعية الدولية رقم 102/1952 وهي: الشيخوخة (بلوغ السن القانونية)، العجز، الوفاة، المرض، الامومة، الأعباء العائلية، طوارئ العمل، الامراض المهنية، ووزعها على أربعة فروع او أربعة أنظمة، لكل منها صندوق مالي مستقل وموازنة مستقلة. منها ما نحن بصدده هنا الآن، نظام تعويض نهاية الخدمة، لمجابهة مخاطر الشيخوخة والعجز والوفاة، بعد ترك العمل المأجور وانقطاع الدخل او الكسب نهائياً، وذلك بدفع التعويض دفعة واحدة محسوباً على أساس: الأجر أو الراتب الأخير «مضروباً» بعدد سنوات الخدمة الفعلية (المادة 51 ضمان).
واعتباراً من 1/5/1965 ـ وبمناسبة عيد العمال ـ وضع موضع التنفيذ نظام تعويض نهاية الخدمة بالمرسوم رقم 1519 تاريخ 24/4/1965، فحلّ هذا النظام الجديد محل نظام تعويض الصرف من الخدمة (كما هو في قانون العمل اللبناني الصادر بتاريخ 23/9/1946 ـ المواد 50-60). مع الاشارة هنا الى ان قانون الضمان الاجتماعي اللبناني (المواد 49-54) قد اكد على ان هذا النظام الجديد هو نظام مؤقت بحيث يحل محله النظام النهائي المنشود «ضمان الشيخوخة» تبعاً لنص المادة 49 منه: «الى أن يسنّ تشريع ضمان الشيخوخة ينشأ صندوق لتعويض نهاية الخدمة… «.
فما هو نظام تعويض نهاية الخدمة في الواقع والتطبيق؟ ما له وما عليه؟ وأين نحن من النظام النهائي المرتقب والمنشود: ضمان الشيخوخة؟
1 ـ إيجايبات في نظام تعويض نهاية الخدمة
لقد شكل هذا النظام الجديد – نقلة نوعية ومتقدّمة على نظام تعويض الصرف من الخدمة، عندما تخلّص من مجموعة الثغرات والسلبيات التي كانت عالقة بهذا النظام القديم، وحمل معه مجموعة من الإيجابيات الهامة والمتقدمة نذكر منها ما يلي:
ـ وفّر نظام تعويض نهاية الخدمة تعويضاً اضافياً الى جانب تعويض نهاية الخدمة الأساسي في الحالات الثلاث التالية:
أ ـ نصف الراتب الأخير «مضروباً» بعدد سنوات خدمة الأجير التي تزيد عن العشرين سنة الأولى لخدمته عند التقدم بطلب تصفية تعويض نهاية خدمته بسبب بلوغ السن القانونية ( 60-64).
ب ـ عند المضمون العاجز الذي تقل سنوات خدمته الفعلية عن عشرين سنة خدمة: الراتب الأخير «مضروباً» بعدد السنوات التي تزيد عن سنوات خدمته الفعلية حتى عشرين سنة.
ج ـ عند المضمون المتوفى الذي تقل سنوات خدمته الفعلية عن ست سنوات: الراتب الأخير: مضروباً بعدد السنوات التي تزيد عن سنوات خدمته الفعلية حتى ست سنوات.
وفي كل هذه الحالات الثلاث يتولى صندوق نظام تعويض نهاية الخدمة دفع هذه التعويضات الاضافية وليس صاحب العمل أبداً.
5 ـ حَفِظَ نظامُ تعويض نهاية الخدمة للمضمون حقه بالتعويض إذا ما صُرف من الخدمة لإحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 74 من قانون العمل، خلافاً لما هو عليه الأمر في تعويض الصرف من الخدمة بحيث يُحرم المضمون من التعويض كلياً.
6 ـ لقد أجاز نظام تعويض نهاية الخدمة للمضمون الخاضع لنظام تعويض الصرف من الخدمة بالانتساب إليه اختيارياً والخضوع لأحكامه والاستفادة من ايجابياته شرط أن يمارس حق الانتساب الاختياري هذا ضمن الفترة التي يحددها القانون لذلك.
3 ـ إن المادة التاسعة من نظام تعويض نهاية الخدمة (النظام رقم 9) عمقت المخالفة القانونية التي اقدمت عليها (المادة 50) ضمان المبينة اعلاه عندما نصت على المخالفات الآتية:
أ ـ أجازت لهذا المضمون ان يستمر في عمله وقد أقدم على تصفية تعويض نهاية خدمته بسبب مرور عشرين سنة خدمة فعلية على الاقل، مخالفة بذلك مفهوم تعويض نهاية الخدمة ونص المادة 50 التي توجب ترك العمل المأجور وفسخ عقد العمل كما في كل حالة يستحق فيها طلب تصفية تعويض نهاية الخدمة.
ب ـ لم تنص ولم تعترف صراحة بأن هذا المسمّى «تعويض نهاية خدمة بسبب تصفية الطلب بداعي عشرين سنة خدمة على الاقل ومن دون ترك العمل المأجور» ليس الا سلفة على تعويض نهاية الخدمة النهائي الذي لا يتم الا بتوفر أحد الشروط او الأسباب الثلاثة: بلوغ السن القانونية او العجز او الوفاة. وبالتالي يبقى حقه قائماً قانونياً بتعويض نصف الشهر الإضافي.
3 ـ آفاق نظام تعويض نهاية الخدمة
الانتقال الى نظام التقاعد والحماية الاجتماعية
في ضوء الصعوبات المعيشية والاقتصادية التي راحت تجثم على صدور اللبنانيين ـ بخاصة منهم المضمونون من المستخدمين والعمال واصحاب الدخل المحدود ـ والتي زادت في حدّتها مع الأيام الأوضاع الأمنية المتردية التي اصابت المجتمع اللبناني في الصميم، ونالت من اقتصاده بمعظم قطاعاته.
وفي ضوء ما صار واضحاً وجلياً من أن تعويض نهاية الخدمة فقد إيجابياته وقوته الحمائية وقدرته على مواجهة مخاطر الشيخوخة «بلوغ السن» والعجز والوفاة ــ بسبب الثغرات والتجاوزات القانونية والنظامية والتطبيقية التي عرضنا لبعضها أعلاه – إضافة الى ان صاحبه افتقد بخروجه نهائياً من ميدان العمل المأجور والمنتج الى تقديمات الحماية الاجتماعية من فرعي المرض والأمومة والتقديمات العائلية والتعليمية.
وفي ضوء ما نصت عليه المادة (49 ضمان) من أن نظام تعويض نهاية الخدمة ليس الا نظاماً مؤقتاً تمهيداً للانتقال الى النظام النهائي الدائم والمنشود «نظام الشيخوخة»، بل نظام التقاعد والحماية الاجتماعية: «الذي يتحقق به واحد من أهم الإصلاحات والضمانات الاجتماعية لحماية المسنين والعجزة والمتوفين وخلفائهم بالمعاشات التي تسدّد على دفعات دورية منتظمة مدى الحياة.
وإن كنا لم نتوصل حتى الآن الى النهاية السعيدة، فقد شهدنا تداول أربعة مشاريع قوانين على مدار هذه المساحة الزمنية الطويلة نوردها كما يأتي:
1 ـ مشروع قانون ضمان الشيخوخة والعجز والوفاة سنة 1978.
2 ـ مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية سنة 1987.
3 ـ مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية سنة 2000.
4 ـ مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية سنة 2004.
ولقد سبق لنا وعرضنا في حينه لكل من هذه المشاريع الأربعة بشكل مفصل وبيّنا الإيجابيات والسلبيات فيها، وبيّنا أيضاً مدى انسجام او عدم انسجام كل منها مع المبادئ والأسس والأهداف التي ينص ويرمي اليها قانون الضمان الاجتماعي اللبناني، الذي يشكل وحدة تشريعية واحدة لفروعه او انظمته الاربعة، وبالتحديد منها نظام التقاعد والحماية الاجتماعية. ولقد انتهينا في حينه الى ان هذه المشاريع الاربعة ليس منها الا المشروع الاول الذي يستحق الدفع به جدياً لإقراره وإنفاذه.
والى ان يتحول هذا الوعد القانوني المنشود الى حقيقة قانونية قائمة، يؤخذ على ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (مجلس ادارة ومديرية عامة ولجنة فنية) وعلى سلطة الوصاية، عدم انصرافهم ـ كل في ما خصه ـ الى إعمال وتنفيذ ما نصت عليه المادة (54 ـ فقرة 5 من قانون الضمان الاجتماعي) ونصها التالي: «يمكن تحويل تعويض نهاية الخدمة الملحوظ لمصلحة الأجير الذي أتمّ السن القانونية (60ـ64) الى معاش مدى الحياة بناء على طلبه ووفقاً للطرق التي يحدّدها النظام الداخلي».
فإذا صدر هذا النظام ـ نكون قد أفسحنا في المجال، وبناء لطلب المضمون، ان يختار بمشيئته الحرة بين الاستفادة من أحكام نظام تعويض نهاية الخدمة او من أحكام هذا النظام التقاعدي.
فهلاّ بادرت ادارة الصندوق الى اقتراح هذا المشروع على مجلس الإدارة لإقراره وإحالته الى وزير الوصاية للتصديق عليه وبعدها يأخذ طريقه إلى النفاذ، عسى أن يكون ذلك دافعاً جدياً امام الحكومة لتقترحه مشروع قانون للتقاعد والحماية الاجتماعية وتحيله الى مجلس النواب بمرسوم سنداً لأحكام المادة 58 من الدستور تماماً كما كان الحال يوم صدر قانون الضمان الاجتـماعي بالمرسوم 13955 تاريخ 26/9/1963.