توصل تقرير جديد صادر عن البنك الدولي الى استنتاج يقول بأن تأثير الحرب السورية على التجارة الخارجية اللبنانية، متوازن عموماً أكثر مما كان يعتقد سابقاً. هذا التقرير، الذي يبحث في تأثر تجارة لبنان الاجمالية من البضائع والخدمات مع العالم الخارجي ككل، وليس على تجارة البضائع مع سوريا فقط. وبالنتيجة، ان انخفاض الصادرات اللبنانية خلال السنوات الأخيرة يعود بدرجة كبيرة الى انخفاض صادرات الأحجار والمجوهرات الى جنوب افريقيا وسويسرا، وبذلك فإن هذا التأثر لا يرتبط بالوضع في سوريا. وبشكل مماثل، لا تتضمن البيانات التي قام البنك الدولي بجمعها أي تأثير واضح للحرب في سوريا على استيراد لبنان للبضائع.
احد الاستنتاجات، والذي كان متوقعاً، يقول أن تكلفة التجارة عبر سوريا قد ازدادت، وأن أكثر البضائع التي كانت تقصد الأسواق العربية عبر سوريا قد تحولت الى مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري. ويبدو أن اغلاق معبر نصيب بين سوريا والأردن، والذي وقع بعد كتابة التقرير، سيزيد على ما يبدو هذا التوجه، وسيضع نهاية لاستخدام سوريا كدولة عبور للتجارة اللبنانية مع الخليج.
استنتاج آخر، أنه في حين شهدت بعض قطاعات الأعمال اللبنانية تراجعاً في صادراتها الى سوريا، فإن بعض القطاعات الأخرى قد استفادت من تراجع انتاج المنتجين السوريين مما زاد الطلب على المنتجات اللبنانية لتسد الفراغ الذي سببه نقص البضائع السورية.
ينظر التقرير أيضا في التأثير الخاص لتواجد اللاجئين السوريين في لبنان، والذي يجب تمييزه عن أثر الحرب ككل على لبنان. وهنا أيضاً نرى بعض الاستنتاجات المثيرة والتي يمكن أن تساعد في التخفيف من مخاوف الكثيرين من اللبنانيين. على سبيل المثال، يقول التقرير أن كل زيادة بنسبة 1% في عدد اللاجئين السوريين يخلق، خلال شهرين، زيادة في صادرات الخدمات بنسبة 1.5% (لأن السوريين لا يسجَلون كمقيمين، بل يعتبرون أجانب وبذلك تسجل الخدمات التي تقدم لهم كمنتج مصدر في ميزان المدفوعات، في احصاءات مصرف لبنان). وبكلمة أخرى، فإن تدفق اللاجئين السوريين يخلق زيادة ذات مغزى في الطلب على حزمة كاملة من الخدمات، كالنقل، العقارات، الاتصالات والخدمات المصرفية من بين الكثير غيرها من الخدمات.
إذا أخذنا بالاعتبار أن الصادرات اللبنانية من الخدمات أكبر بأربعة اضعاف من صادراته من البضائع، فإنَ التأثير الإيجابي للاجئين على قطاع الخدمات يكون مهما بالنسبة لنمو الناتج المحلي الإجمالي وبالنسبة لخلق فرص عمل.
الى جانب عدد اللاجئين الكبير، الذين جاءوا بمدخراتهم، وكذلك التحويلات التي تصلهم، والمساعدات التي تقدمها المنظمات العالمية لهم، هناك شرائح من المجتمع السوري، أصغر ولكن أكثر غنى، تساهم بشكل مقبول في الاقتصاد اللبناني وفي خلق فرص العمل. من هنا، فإن البيانات المجموعة من مصرف لبنان لعام 2014، تظهر أن السوريين أخذوا مكان السعوديين كأكبر المستثمريين الأجانب في قطاع العقارات بما يعادل ربع اجمالي الاستثمارات الاجنبية في هذا القطاع.
من الواضح ان المعلومات والحقائق الواردة هنا متجزأة وتركز فقط على أجزاء معينة من الاقتصاد اللبناني.
إن للحرب السورية ولتواجد اللاجئين السوريين في البلاد مجموعة واسعة من التأثيرات السلبية، ومن ضمنها الضغط الواضح على البنية التحتية اللبنانية الضعيفة اصلا، وكذلك على معدلات البطالة. كما أن أكثر مناطق لبنان تأثرا بوجود اللاجئين السوريين، كالبقاع والشمال هي مناطق نائية ونتيجة لذلك لا نفهم دائما بشكل جيد، خطورة الوضع الاجتماعي والاقتصادي هناك.
على الرغم من كل شيىء، فإن تقرير البنك الدولي الأخير يساعد، وعلى طريقته، في عقلنة النقاش حول وجود اللاجئين السوريين في لبنان، وفي تسليط الضوء على الفرص التي يمكن الحصول عليها من هذا التواجد.