Site icon IMLebanon

بين المقايضات الداخلية والمواجهات الإقليمية! (بقلم رولا حداد)

 

كتبت رولا حداد

 

نعيش في بلد تُعتبر فيه “السياسة فنّ المقايضات” من أجل المصالح الفئوية… لا فن الممكن من أجل خير المجتمع. هكذا نقرأ كل يوم عن مقايضة من هنا ومحاولة مقايضة من هناك!

آخرأخبار المقايضات تتحدث عن مساعي للمقايضة بين تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش وتعيين العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي! وبغض النظر عن الأسماء وأحقية كل من الجنرالين روكز وعثمان بتبوّء المنصب، يبقى السؤال العالق في أذهاننا: هل نحن أمام لعبة مقايضات على أهم منصبين عسكري وأمني في لبنان؟

ولا تقف المقايضة عند هذا الحد أو هذه الزاوية، فبحسب المعلومات ثمة مقايضة من زاوية أخرى لمحاولة تأمين وصول العميد روكز الى قيادة الجيش، وقوامها: تعيين شامل روكز عماداً وقائداً للجيش في مقابل تسهيل التشريع في مجلس النواب وتأمين غطاء مسيحي له. هكذا تكتمل المقايضة لإرضاء فريق أساسي من قوى 14 آذار هو تيار المستقبل من جهة، وإرضاء فريق أساسي في قوى 8 آذار هو الرئيس نبيه بري.

لكن ثمة منطق غير واضح بالنسبة الى اللبنانين في بازار تسهيل التشريع. منطق يقول أصحابه برفض التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، في حين أن أصحاب هذا المنطق أنفسهم هم من يرفضون النزول الى المجلس وتأمين النصاب لإتمام الانتخابات الرئاسية! فكيف يمكن التوفيق بين أداء مقاطعي جلسات الانتخابات الرئاسية وبين الإصرار على رفض التشريع قبل انتخاب رئيس جديد؟!

وفي عزّ منطق محاولات المقايضة الداخلية المستحيلة، يبدو الأفق الإقليمي مسدوداً أمام أي مقايضة بعد أعوام من محاولات الحوار الفاشلة بين الرياض وطهران على وقع سياسة الابتزاز المستمرة التي تتقنها إيران. فمقابل الامتناع عن أي حوار جدي ومباشر طوال الأعوام الأخيرة، كان الحرس الثوري الإيراني يمعن في التدخّل في البحرين والعراق وسوريا ولبنان… وصولا الى محاولة إتمام انقلاب شامل في اليمن للسيطرة على “باب المندب” ووضع اليد على الملاحة في الخليج العربي، قبل أن تأتي “عاصفة الحزم” لتطيح بالأحلام الإيرانية وتعيد رسم توازن قوى جديد في المنطقة عبر وضع حد للتمدّد الحوثي في اليمن على وقع الضربات الجوية للتحالف العربي. كما أن هذه العاصفة العربية بدأت تلفح سوريا مع تحقيق قوى المعارضة انتصارات ميدانية لم يعرفها أي فريق منذ 3 أعوام على الأقل من أدلب وجسر الشغور الى درعا وما بينهما. هذا الواقع الميداني الجديد في سوريا دفع النظام السوري الى الإطاحة بكبار ضباطه الأمنيين كرستم غزالي وربما علي المملوك في تصفيات تسعى الى “تنظيف” الساحة قبل التغيير الشامل.

فعلى وقع المتغيرات الإقليمية الشاملة وسط حديث عن حلف سعودي- قطري- تركي- مصري- خليجي لاستباق توقيع أي اتفاق نووي مع إيران ورسم خريطة المنطقة العربية بما يلائم الرؤية العربية لا الفارسية، هل يمكن تمرير “مقايضات” داخلية في لبنان؟ وعشية اندلاع “حرب القلمون” الثانية عملياً التي سيكون لها ارتداداتها الكبرى على الساحة اللبنانية هل يمكن لأي طرف لبنان أن يجازف بإجراء مقايضات سواء على المستوى الأمني أو السياسي؟

من يدري… فنحن نعيش في بلد العجائب لبنان، رغم أن أبسط قواعد المنطق تشير الى استحالة أي مقايضة أو تسوية داخلية مهما كان حجمها وعلى أي موقع كان قبل اتضاح معالم الصورة الإقليمية من الآن وحتى الأول من تموز المقبل!