انتظر المستثمرون غير السعوديين بشغف صدور القانون السعودي الذي يسمح للأجانب بتداول الأسهم المحلية. وهذا الانتظار لم يكن غريبا في أوساط هؤلاء المستثمرين، الذين يسعون إلى خوض الاستثمارات في سوق المملكة لأسباب عديدة. في مقدمتها أن السوق تبقى أكبر الأسواق العربية قاطبة، إلى جانب سلسلة من المخططات التنموية الهائلة في السعودية، التي تزيد من الأجواء الإيجابية في الساحة، مع ثبات الثقة بشكل عام بالاقتصاد السعودي، حتى في ظل تراجع تاريخي لأسعار النفط، وعدم وجود أي ضمانات بعودة أسعار البترول إلى مستويات مقبولة ومعقولة. إذن، هناك عوامل كثيرة تدفع المستثمر الأجنبي إلى انتظار بدء تطبيق القانون في الأول من حزيران (يونيو) المقبل، ولا سيما أن نسبة من استثمارات الأجانب تدخل السوق السعودية بصورة غير مباشرة طوال السنوات الماضية.
أمام التحول التاريخي في السوق المالية السعودية بعد أسابيع قليلة، هناك كثير من الملامح التي ستتشكل في هذه السوق، ولا سيما تلك المتعلقة بشركات الوساطة المالية، بما في ذلك بالطبع دخول شركات ومكاتب وساطة أجنبية، تتمتع بمعدلات أعلى من المحلية في مجال الخبرات والاتصالات والأدوات. وهذا أمر طبيعي، بفعل عدم وجود استثمارات أجنبية مباشرة في سوق المال السعودية منذ انطلاقها. ولأن الأمر سيكون جديدا، ستكون هناك بعض العوائق وربما كثير منها في المرحلة الأولى. فعمليات تطبيق القوانين الخاصة بفتح السوق للأجانب، تحتاج هي الأخرى إلى مرحلة اختبارية تقود إلى تكريس الحالة العامة لهذا الشق من الاستثمارات. وهذا الأمر يحدث في كل المجالات المشابهة.
غير أن أهم نقطة في القوانين المشار إليها، هي تلك الخاصة بتدفق الاستثمارات الأجنبية في السوق المالية، الأمر الذي سيسهم بصورة مباشرة وسريعة في رفع قيمة السوق السعودية التي تقدر بأكثر من 500 مليار دولار. ومما لا شك فيه، أن دور الوسطاء الماليين في الخارج، سيكون محوريا في كل المراحل. وهؤلاء سيسهمون في دفع وتيرة التدفق المالي المتوقع إلى السوق. غير أن عديدا من المحللين والمختصين، لا يرون حاجة إلى السيولة المالية العالية في المرحلة الأولى، على أساس أن السيولة المرتفعة ستحول السوق إلى سوق مبالغ فيها. في حين يعتقد هؤلاء أن السوق السعودية لن تشهد تدفقا فوريا (على سبيل المثال) لخمسة أو ستة مليارات. ستشهد السوق تدرجا، وهذا يمثل أفضل طريقة للتطور والتحول المستدام.
وبصرف النظر عن حجم تدفقات الأموال، والفترة التي ستستغرقها للوصول إلى السوق السعودية، فإن هذه السوق مقبلة على تحولات كبيرة من خلال القوانين الأكثر انفتاحا ومرونة، والأمر برمته يدخل ضمن نطاق التنوع الاقتصادي الذي تسعى إليه المملكة منذ سنوات، خصوصا بعد الضغوط الأخيرة على صعيد أسعار البترول في الأسواق العالمية.
إن السوق المالية تمثل في النهاية رافدا اقتصاديا وطنيا، سيكون محوريا، ليس فيما يرتبط بتداول الأسهم، بل بسمعة الاقتصاد بصورة عامة، وهذا ما تتطلبه المرحلة المقبلة. دون أن ننسى أن سمعة المملكة على الساحة الدولية، توفر لها تسهيلات غير مباشرة لاستقطاب الاستثمارات المتنوعة، التي تحتاج في النهاية إلى تشريعات جديدة، أو تشريعات متجددة تناسب التحولات الاقتصادية بشكل عام.
ستكون الفترة المقبلة التي ستلي بدء تطبيق قوانين السماح للأجانب بالتداول المباشر في السوق السعودية، فترة حساسة تحتاج إلى مراقبة كبيرة، وذلك لأسباب عديدة، من بينها بالطبع تطويع القوانين وفق متطلبات السوق الحقيقية، وإضافة مزيد من المرونة في مسألة التشريعات.
الأهم هنا، هو تكريس التحولات، وليس استقطابا غير محسوب لأموال أجنبية. هذه الأخيرة ستأتي عندما تكون الطرق ممهدة أمامها، وليست مهددة لها.