IMLebanon

ستيغليتز يقرع ناقوس الخطر: التفاوتات في أميركا تتزايد

StiglitzGreatDivide

عبدالرحمن أياس
لم تعد الولايات المتحدة موئلاً لـ «الحلم الأميركي» الذي لطالما تغنت به، هي اليوم موطن لـ «صدع كبير». هذا ما يقوله جوزف ستيغليتز، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، في كتابه الجديد «الصدع الكبير: المجتمعات المتفاوتة وما يمكننا فعله حيالها».
وقائع صادمة يسوقها ستيغليتز، الاقتصادي الأول سابقاً في البنك الدولي: يعيش خُمس الأطفال الأميركيين في فقر، وتراجع متوسط الراتب لحملة الشهادة الثانوية 12 في المئة خلال السنين الـ25 الماضية، فيما قفز متوسط راتب المديرين التنفيذيين للشركات خلال الفترة نفسها من 30 ضعفاً مقارنة براتب العامل العادي إلى 300 ضعف.
ويؤكد رئيس لجنة المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، أن بلاده باتت الآن في مصاف روسيا وإيران على صعيد التفاوتات الاجتماعية. والأسوأ أن الفرص الاقتصادية والتشغيلية لأفضل الطلاب أداء تربوياً في العائلات الفقيرة يقل عنه لدى أسوئهم أداء تربوياً في العائلات الغنية.
لكن «التفاوتات المتسعة والمتعمقة ليست نتيجة قوانين غير قابلة للتغيير في علم الاقتصاد، بل لقوانين تشريعية كتبناها بأنفسنا». وعلى خلاف توماس بيكيتي، الاقتصادي اليساري الفرنسي الذي قال في عمله المفصلي الصادر السنة الماضية «الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين»، إن التفاوت والرأسمالية أمران متلازمان، ما أثار إلى جانب مقولات أخرى، كثيراً من الضجيج في الغرب، يرى ستيغليتز، عضو الحزب الديموقراطي والمتهم باليسارية من معارضيه، إن التفاوت لا يعود إلى تحرير الأسواق بمقدار ما ينجم عن عدم مواكبة الاقتصادات متطلبات التحرير.
ويشدد ستيغليتز على أن المصارف الكبرى التي تستغل مواقعها وسطوتها، والشركات الكبرى التي تستخدم أرباحها المتصدرة الأخبار لدفع رواتب ضخمة لمديريها التنفيذيين بدلاً من تأمين بضائع أرخص وأجود للمستهلكين، إنما هي معادية لاقتصاد السوق. ويكمن الحل، وفق تعبيره، في «جعل الأسواق تتصرف كأسواق»، وذلك بفرض رقابة حكومية صارمة تشمل كذلك الدعم الذي يقدمه القطاع الخاص إلى المتنافسين في الانتخابات التشريعية والرئاسية في مقابل وعود بتسهيل أموره.
وفيما يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا أن بعض التفاوت في المداخيل لا مناص منه لضمان مكافأة المواهب والعمل الجاد، ينادي في كتابه هذا بمنع هذا التفاوت المقبول من ضرب المــساواة في الفرص في التعليم والتشغيل. وينبه إلى أن ترك التفاوتات تتفاقم يهدد بخروج مزيد من المواهب من الولايات المتحدة، ما ينذر بحلقة مفرغة حيث تزيد التفاوتات وتتقلص المواهب.
ويدعو ستيغليتز إلى إعادة مقوننة للتنافسية إلى الأسواق وتحريرها من الاحتكارية، خصوصاً من مؤسسات الأعمال الكبرى، إلى جانب تطبيق سياسات اجتماعية واسعة النطاق تقلص التفاوتات وتعزز المساواة في فرص التعليم والتشغيل. وينوه بأن الدعوات إلى الإصلاح لم تذهب كلها هباء، «فصندوق النقد الدولي، مثلاً، بدأ يعي خطورة التفاوتات في الاقتصادات والمجتمعات، وكذلك الأضرار الناجمة عن التدفقات غير المضبوطة للاستثمارات القريبة الأجل». وهذه أمور أشار إليها في كتابه «العولمة وخيباتها» (2002) واعتُبِر على نطاق واسع هرطقة في علم الاقتصاد لدى صدوره.
ويقول الكاتب: «يجب أن يحصل التغيير، وأظنه بدأ، فمعهد التفكير الاقتصادي الجديد الذي أتعاون معه يقود الحملة الهادفة إلى إصلاح علم الاقتصاد. وبعدما جادل أعضاء كثر في المعهد بأن النماذج الاقتصادية المعتمدة يجب تعديلها من دون أن يلقوا آذاناً صاغية، جاءت الأزمة المالية العالمية التي بدأت في 2008 لتبيّن صحة ما قالوه. واليوم تبرز رغبة متزايدة في إدخال تعديلات جذرية على أساليب تعليم علم الاقتصاد».
ويُعتبَر كتاب «الصدع الكبير» تتمة لكتاب ستــيغليتز «ثمن اللامساواة» (2012)، الذي ركز فيه على التفاوتات بين واحد في المئة من الأميركيين وبين الـ99 في المئة المتبقين. وهو يُضاف إلى أعمال كثيرة، منها عمله «العولمة وخيباتها»، الذي انتقد فيه المؤسسات المالية الدولية بعد خروجه من البنك الدولي، و «التسعينيات الهادرة» (2003)، الذي يُعد مراجعة للسياسات الاقتصادية لعهد كلينتون والتي شارك في صنعها.
وكان الكاتب أثار ضجة في 2008 حين أصدر كتاب «حرب التريليونات الثلاثة» الذي قدّر فيها التكاليف المباشرة وغير المباشرة للحرب على العراق منذ 2003 بالرقم الوارد في العنوان.