جيليان تيت
ماهي المخاطر الكبرى التي تهدد استقرار الأسواق المالية الغربية اليوم؟ هذا الأسبوع، طرحتُ هذا السؤال على خبراء متمكنين في الصناعة المالية في مؤتمر معهد ميلكن العالمي في لوس أنجلوس.
تضمنت الإجابات موضوع خروج اليونان، وكذلك التباطؤ في الصين، وحالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية الذي يلوح في الأفق (رغم أنه، عندما طرح سؤال متى يبدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة، أكثر من نصف الجمهور رأى أن ذلك لن يحدث حتى عام 2016).
لكن كان هناك قلق آخر، أكثر غموضا لدى جميع الناس تقريبا، يتعلق بعدم التطابق العميق في السيولة داخل أسواق السندات. بعد مضي سبع سنوات طويلة على أزمة عام 2008، حققت الإصلاحات في النظام المالي بعض النجاح، بمعنى أن المصارف الخاضعة للتنظيم خفضت المخاطر التي تتعرض إليها. لكنها لم تخرج حتى من بعض المساحات الجنونية، مثل المشتقات المالية المعقدة جدا، التي كانت تشغلها قبل عام 2008، وخلفت مزيدا من المجالات الرئيسة أيضا. انخفضت قوائم الجرد لسندات الشركات الأمريكية التي تحتفظ بها مصارف الوساطة المالية والتداولات من 300 مليار دولار في عام 2008 إلى 50 مليار دولار، وفقا لبحث أجرته “سي كيو إس” CQS.
ويعتبر هذا نتيجة تقليدية غير مقصودة. فقد عملت على تقليل قدرة المصارف على التصرف كصناع للأسواق، التي تكون دائما جاهزة للشراء أو البيع عندما يريد المستثمرون التداول، ما يجعل من الصعب على الآخرين فعل ذلك. لذا، بينما ارتفع مخزون سندات الشركات الأمريكية البارزة وعالية الجودة منذ عام 2008، من 2800 مليار دولار إلى 5000 مليار دولار، انخفض مستوى دوران السوق إلى “أدنى المستويات القياسية” أو قريبا منه، بحسب بنك باركليز.
ما يجعل هذا النمط خبيثا بشكل خاص – ومقلقا لضيوف مؤتمر ميلكن المذكورين – هو أنه بينما خفضت المصارف مخزونها من السندات، كان مديرو الأصول في الآونة الأخيرة يلتهمونها على نطاق هائل بحثا عن العوائد. ويُقدَر أن أكثر من 70 في المائة من سندات الشركات تم شراؤها في العام الماضي من قبل مستثمرين مثل الصناديق المشتركة، وهو رقم أعلى بكثير مما كان في السابق.
نظريا، قد يحقق هذا منافع للنظام المالي الأوسع. والسبب في ذلك هو أنه إذا اشترت الجهات غير المصرفية سندات الشركات، فإن هذا يعمل على تنويع المخاطر. لكن النقطة المهمة هي أن كثيرا من مديري الأصول يعتمدون على أشكال يحتمل أنها طائشة من التمويل. مثلا، ينبغي لصناديق الاستثمار المشتركة عادة أن تعيد أموال المستثمرين حال طلبها (في اللغة الفنية، هي تعمل “بسيولة يومية”). وهذا يوجد حالة عدم تطابق في السيولة: إذا ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية فجأة، قد يتدافع المستثمرون الأفراد للخروج من صناديق السندات – ذلك لأنهم يخشون أن يؤدي هذا التحرك إلى انخفاض حاد في أسعار السندات – ما يرغم تلك الصناديق على البيع. وإذا حدث هذا، قد تكتشف الصناديق أن السندات غير سائلة نهائيا، أو غير قابلة للتداول إلا بأسعار في الحضيض، مثل أصول القروض العقارية التي حدثت في عام 2008.
هل هناك أي طريقة للتخفيف من هذه المخاطر؟ يظهر المنظمون استعدادا ضئيلا لإلغاء بعض الإصلاحات التنظيمية، كما أنهم ليسوا حريصين على استخدام المال العام من أجل الحفاظ على حركة الأسواق (رغم أن بعض محافظي المصارف المركزية يعترفون بشكل خاص بأنه، فيما لو حدثت أزمة كبيرة، فإن المصارف المركزية قد تكون في النهاية مرغمة على صناعة الأسواق بنفسها).
المغزى هو مراقبة ما يمكن أن يفعله بقية القطاع الخاص، أو لا يفعله، في الوقت الذي تتراجع فيه المصارف. هناك كثير من الجهات الفاعلة التي لا تزال غارقة في السيولة: بحسب جوش هاريس، المؤسس المشارك لإدارة أبولو العالمية، تمتلك صناديق الأسهم الخاصة موارد كبيرة غير مستغلة وقد تشتري السندات في حال انخفضت الأسعار.
هناك أيضا دلائل على أن رجال الأعمال يتحركون من أجل ملء الفراغ. ويجادل بيل بلين، من شركة منت بارتنرز، وهي وسيط صغير في لندن: “إن التدمير الخلاق بسبب اضطرار المصارف لأن تتطور، يفتح فرصا هائلة (للآخرين)”. والأبرز في هذا المجال هو ظهور منصات جديدة للتداول من أجل توفير بدائل للمصارف، بما في ذلك واحدة تديرها مينت.
في الوقت نفسه، تتحول بعض المصارف لتصبح ذات عقلية قائمة على روح المشاريع. في الشهر الماضي، كشفت “ستيت ستريت” عن خدمة لتمكين عملاء إدارة الأصول لديها من تقييم أوجه الضعف واحتياجات السيولة ومساعدتهم في الصمود أمام أي صدمة مستقبلية. الشركة الراعية تعلم أن مديري الأصول يواجهون ضغوطا متزايدة من المنظمين لتعزيز مخزوناتهم المؤقتة – وتريد القفز إلى مكانة جديدة في دنيا الأعمال.
وعلى الرغم من أن هذه الاستجابات القائمة على روح المشاريع تعتبر مشجعة، يظل من غير الواضح ما إذا كانت كافية لتجنب صدمات مستقبلية، نظرا إلى الحجم الهائل لحالات عدم التطابق الهيكلية.
الحمدلله، لا أحد حتى الآن يتوقع حدوث الاختبار. وإذا أجل الاحتياطي الفيدرالي قرار رفع أسعار الفائدة حتى عام 2016، سيكون لدى مديري الأصول وقت أكثر للاستعداد – وسينضم مزيد من أصحاب المشاريع. أو هذا ما نرجوه. لكن، إذا حدث شيء آخر، فإن النمط هو تذكرة قوية بأن مشكلة عدم التطابق في السيولة والنضج لم تذهب مع أزمة عام 2008، ولا احتمال أن يستمر بعض المستثمرين في تجاهلها حتى فوات الأوان.