Site icon IMLebanon

هزات ارتدادية لأكبر زلزال في تاريخ القطاع المصرفي في اوروبا

EuropeEcon

مايكل ستوثارد

بما أني وصلت قبل الموعد بنصف ساعة إلى المطعم الموجود في الجزء الأعلى من برج مونبارناس، أحد المباني الأطول والأبغض في باريس، كان لدي متّسع من الوقت لدراسة الوضع الغريب لوجبة الإفطار التي سأتناولها مع هيرفي فالشياني، مختص تكنولوجيا المعلومات الذي تحوّل إلى مُبلغ عن “إتش إس بي سي” HSBC ونفذ واحدا من أكبر وأروع تسريبات البيانات في تاريخ القطاع المصرفي.

في الساعة 7:45 صباحاً، الطاولات البيضاء الحديثة والكراسي المُخططة باللون البرتقالي كانت خالية من العملاء، بينما موسيقى الريجي كانت تضجّ في الخلف.

بدأت أتساءل لماذا يريد الرجل الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب “إدوار سنودِن القطاع المصرفي” أن نجتمع هنا: إذا لم يكُن من أجل الأجواء أو الطعام – قائمة الإفطار تحتوي على عروض قوية من الفطائر والقهوة وقليل غيرها – إذن، ربما، من أجل عزلة المطعم.

على مدى الأعوام السبعة الماضية، انتقل فالشياني من بلد إلى بلد – يعتمد في بعض الأحيان هوية مزيفة ويرتدي ملابس تنكرية، وغالباً ما يرافقه حرس شخصي.

في أوائل عام 2008، فالشياني، الذي كان مهندس أنظمة في ذلك الحين يعمل في مكاتب جنيف التابعة لـ “إتش إس بي سي”، غادر سويسرا إلى لبنان، وأخذ معه بيانات تتعلق بأكثر من 100 ألف من عملاء المصرف.

ويدّعي بعضهم، من بينهم السلطات السويسرية وصاحب عمله السابق، أنه حاول في ذلك الوقت بيع البيانات. إلا أن فالشياني يؤكد أنه أراد كشف النظام المصرفي “المفكك، الذي يُشجّع على التهرب الضريبي”. أخبرني فيما بعد: “لقد واجهت أموراً غبية، لكن لم يكُن لدي خيار آخر”.

أرليت ريتشي (73 عاماً) وريثة مجموعة نينا ريتشي، التي حكمت عليها إحدى محاكم باريس بالسجن ثلاثة أعوام بتهمة الاحتيال الضريبي.

في كلتا الحالتين، البيانات المُسرّبة أحدثت خرابا واسعا.

فقد وفرت أدلة تفيد بأن أكبر مصرف في أوروبا كان يُساعد العملاء بنشاط على التهرب من دفع الضرائب بوسائل مختلفة، منها تأسيس حسابات خارجية وإعطائهم “كتلا” من النقود لا يُمكن تعقّبها بالعملات الأجنبية.

البيانات التي أظهرها فالشياني استخدمتها حكومات في بلدان منها فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة لاسترداد مئات الملايين من الضرائب المتأخرة من الأفراد.

وهناك تحقيق جنائي يجري مع المصرف، وتحقيقات تتعلق بأشخاص على قائمته ـ يبدو أنها مجرد البداية فقط.

أولى الإدانات

قبل بضعة أيام من لقائنا، تم الإعلان عن أول إدانة جنائية تتعلق بالتسريبات، لأرليت ريتشي (73 عاماً) وريثة ثروة مجموعة نينا ريتشي، التي حكمت عليها إحدى محاكم باريس بالسجن لمدة ثلاثة أعوام بتهمة الاحتيال الضريبي.

فالشياني نفسه يواجه جلسة استماع في المحكمة بعد أن تم اتهامه في سويسرا في نهاية العام الماضي بالتجسس الصناعي وانتهاك قوانين السرية المصرفية.

في شباط (فبراير)، أصدر “إتش إس بي سي” بياناً يعترف فيه بأن المصرف الخاص السويسري التابع له ربما فتح حسابات للعملاء المتهربين من الضرائب، وقال “إنه بدأ بتنظيف أفعاله”.

مع ذلك، كما اعترف ستيورات جاليفر، الرئيس التنفيذي لـ “إتش إس بي سي” أخيرا، قضية التهرب من دفع الضرائب في سويسرا تبقى “مصدراً للعار”. بينما كنت أتصفح ملاحظاتي، ظهرت إحدى عاملات النظافة. لكن ليس لدي متّسع من الوقت لأتساءل ما إذا كانت عميلا سريا قبل أن يدخل فالشياني، البالغ من العمر 43 عاماً، الذي من الواضح أنه ليس متخفياً، لكنه يتحلّى ببشرة داكنة مع لحية محلوقة بدقة ويرتدي بدلة داكنة وقميصا أسود. صافحني بقوة وجلسنا على مقاعدنا.

بمجرد أن طلب فالشياني القهوة وعصير الفاكهة والفطائر الصغيرة لنا، سألته عن سبب اختياره هذا المطعم. قال “إنه يحب المكان هنا لأنه عادةً ما يكون خالياً تماماً ويُقدّم إطلالة رائعة على برج إيفل”. كذلك، شرح بلكنة إنجليزية ركيكة، أن الخيار كان رمزياً. كثير من الأشخاص يريدون سؤاله عن تفاصيل حياته الخاصة. ويأمل أن نقاشنا يمكن أن يكون “عالي المستوى قليلاً”، مثل هذا المطعم.

فالشياني، المولود في عام 1972، نشأ في موناكو حيث تعرّض في سن مُبكرة إلى بريق النخبة الثرية، على الرغم من خلفيته العائلة المتواضعة نسبياً.

يقول “إنه ذهب إلى المدرسة نفسها التي ذهب إليها الأمير ألبرت، أمير موناكو”. في كتابه “زلزال في عالم المال”، الذي صدر حديثاً باللغة الفرنسية، يقول “إنه شعر بالرعب من القاعات الهادئة عندما زار مصرف سوداميريس، حيث كان يعمل والده في الخدمات المصرفية الخاصة”. ارتاد جامعة نيس لدراسة الفيزياء والرياضيات. وكان يعمل في البداية في الأمن في كازينو مونتي كارلو، للمساعدة في دفع نفقاته.

يقول “إن ذلك المكان الذي عمل فيه مع فريق من رجال الشرطة السابقين والمُحققين، هو الذي أعطاه دورة مكثّفة في الجانب المُظلم من موناكو وكيف أن الإمارة كانت تسهل غسل الأموال وترفض التعاون مع السلطات”. وبعد ستة أشهر انتقل إلى قسم الخدمات المصرفية في الكازينو، ليتولى تنظيم الائتمان للعملاء الأثرياء.

مع HSBC

انتقل إلى العمل في “إتش إس بي سي” في موناكو عام 2000، وأخبرني أنه حاول تحسين الأمن الضعيف الذي سمح لبعض العملاء بالتهرب من الضرائب. لكن شكواه لم تجد آذاناً صاغية، لأنهم “لم يكونوا يرغبون في التغيير”. (“إتش إس بي سي” نفى أن فالشياني قام بأي محاولات من هذا القبيل).

بحلول عام 2004، مع الشعور بالإحباط على نحو متزايد، بدأ مع غيره من الزملاء الساخطين في مناقشة كيف يمكن استخدام الرأي العام “لمحاولة تغيير النظام”.

عندما جلب النادل سلة من الفطائر إلى طاولتنا، مع بعض الخبز المُحمّص وعصير البرتقال، قال إنه في عام 2004 أيضاً، بدأ عبر زملائه السابقين في الكازينو، التواصل مع من يدعوهم “الشبكة”، التي وصفها في كتابه بأنها مجموعة من “المدافعين الأقوياء في حملة قوية لمكافحة التهرب الضريبي الدولي” مكونة من ضباط مخابرات، ومسؤولين رفيعي المستوى، وجواسيس، ورجال شرطة ومحامين.

وبحلول عام 2008، بعد انتقاله إلى المصرف المصرفي الخاص التابع لمصرف إتش إس بي سي في جنيف وبعد عدة أعوام من المداولات والتخطيط، أعطته “الشبكة” الخبرة الفنية لسرقة البيانات من المصرف والمعرفة القانونية لجعلها علنية.

يقول، أثناء نقل قطعة كرواسان إلى صحن أبيض نظيف، لكن تركها ولم يلمسها “لقد كانت عملية معقدة، وكما تعرف، أنا لست صحافياً أو مُحققاً أو وكيلاً أو محامياً، لكن الأشخاص من جميع هذه المجالات كانوا مطلوبين (لتسريب الملفات) … لقد كنت بحاجة إلى مساعدة تقنية للوصول إلى البيانات أيضاً لأني لم أكُن أملك المؤهلات”. ويدّعي فالشياني أنه صنع أعداء أقوياء ويخشى على حياته.

في عام 2012، مثلا، قال إنه غادر من فرنسا إلى إسبانيا بعد تحذيرات بأن حياته كانت في خطر.

وهو يتمتع بحماية ليس فقط من الشرطة المحلية في فرنسا، لكن أيضاً، كما يقول، من “الشبكة”.

لم يكُن هناك أي دليل تم تقديمه عن هذه “الشبكة”، التي يدّعي فالشياني أنها تتضمن عشرة أشخاص في المصرف ونحو 100 شخص على مستوى العالم.

وكل من مصرف إتش إس بي سي والسلطات السويسرية يدّعيان أنه تصرّف بمفرده لسرقة البيانات من أجل الربح الشخصي، ولم يتصل بالسلطات إلا بعد اعتقاله من قبل السويسريين في جنيف عام 2008، حيث تحوّل بعد ذلك إلى مُبلِغ لحماية نفسه.

عندما بدأت أغنية “سموك أون ذا ووتر” لفرقة ديب بيربل، قمت بالتدقيق بشكل أعمق قليلاً.

لماذا يعتقد أن جميع هؤلاء الجواسيس والمحامين كانوا من المفترض أنهم يساعدونه.

هل كانوا أصحاب حملة أخلاقية قوية، أيضاً، أم كانت لديهم دوافعهم الخاصة؟

حرب اقتصادية

يقول، “قليل من الأمرين، لكن بالتأكيد كان بعضهم يملك أجندة خاصة به – ولا سيما وكالة المخابرات المركزية”.

ويدّعي “أن مصرف إتش إس بي سي كان بمثابة مصدر ثمين بالنسبة لوكالة المخابرات المركزية.

“فنحن نخوض حرباً اقتصادية (بين المصارف في الولايات المتحدة وأوروبا) والآن أصبح لدينا المصالح الأمريكية التي وجدت مدخلاً إلى معقل النظام المصرفي الأوروبي”.

أتساءل، ليس للمرة الأخيرة خلال اجتماعنا على الإفطار، ما إذا كنتُ أتحدث مع شخص يتخيل أشياء لا وجود لها.

هل وكالة المخابرات المركزية تسعى بالفعل لإلحاق الضرر بالقطاع المصرفي السويسري لتعزيز المصارف الأمريكية؟ هل “الشبكة” موجودة فعلاً؟

يقول فالشياني إنه يستطيع إثبات ضلوع “الشبكة”.

“إذا كان هناك من سيأخذني إلى المحكمة، عندها يستطيع القاضي تحديد (ما إذا كانت وكالة المخابرات المركزية متورّطة أم لا). فأنا أملك العناصر، التي يمكنك العثور عليها مع ذلك، التي تعتبر نادرة جداً (في عالم المخابرات)”.

هذا ما قاله قبل أن يُضيف أن “الشبكة” لم تُساعده فقط على أخذ البيانات من “إتش إس بي سي”، لكنها جاءت بخطة لإيصال هذه الملفات إلى أيدي السلطات المناسبة.

وسواء كنت تعتقد أن فالشياني هو الوجه العام لشبكة دولية سرية لمكافحة التهرب الضريبي، أو مجرد شخص انتهازي، فإن الأمر يعتمد على النسخة التي تريدُ تصديقها من الأحداث.

نسخة السلطات السويسرية هي أنه سرق البيانات في عام 2007، وفي العام التالي ذهب إلى لبنان برفقة موظفة أخرى من مصرف إتش إس بي سي، هي جورجينا ميخائيل، وحاولا بيع الملفات.

لكن أحد المصارف في لبنان نبه جمعية المصرفيين السويسريين وانتهت اللعبة.

في 22 كانون الأول (ديسمبر)، اعتُقِل في جنيف، لكنه هرب على وجه السرعة إلى فرنسا، حيث ضبطت السلطات البيانات، لكنها رفضت إعادة تسليمه إلى سويسرا.

والنسخة التي يُخبرني بها هي أنه ذهب إلى لبنان بناءً على طلب الوكالات الاستخبارية، وباستخدام الاسم المستعار روبن الشدياق، باعتباره رجل أعمال من الشرق الأوسط، لزيارة عدد من المصارف المحلية من أجل استفزاز السلطات السويسرية لدفعها إلى إطلاق تحقيق.

فهو لم يرغب في بيع أي شيء، لكنها كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يتأكد من خلالها أن البيانات الحساسة ستصل إلى أيدي الأشخاص المناسبين عندما تم اعتقاله أخيراً في فرنسا وتم ضبط البيانات.

“دعني أشرح شيئاً لك. إذا ذهبت إلى المُدّعي العام في سويسرا مع بيانات مسروقة، سيضعونك في السجن. كان علينا خداع النظام.

ولأن البيانات ضُبطت في فرنسا، فقد كانت قانونية. كانت لدينا شبكة من المحامين لمساعدتنا في الخطة”.

أمضى فالشياني عدة أعوام يتعاون مع حكومة فرنسا وهناك تم تسليم قاعدة بيانات بخصوص ألفي مواطن يوناني يملكون حسابات في فرع جنيف لمصرف إتش إس بي سي إلى الحكومة اليونانية في عام 2010، الأمر الذي أثار الغضب في بلاد تُعاني أزمة.

في قبضة إسبانيا

في عام 2012، بعد أعوام من الهرب من السلطات السويسرية، تم اعتقاله في إسبانيا وأمضى خمسة أشهر ونصف في السجن في الوقت الذي كانت فيه المحاكم تتداول فيما إذا كان ينبغي تسليمه إلى سويسرا. ويقول “إن هذا أيضاً تم عن قصد، لتسريع التحقيق الجنائي في فرنسا”.

سألته ما إذا كان قد فكّر في بيع البيانات في مرحلة ما. “كنت على اتصال مع وكالات الاستخبارات الأمريكية وغيرها، حتى (وكالات الاستخبارات) الألمانية (…) وكان سيكون من السهل والإنصاف أن أطلب المال مقابل البيانات. لكن سيكون من السخيف جداً بيعها إلى المصرف. وكان هناك أشخاص آخرون سيعرضون مئات الملايين”.

بعد أخذ أول قضمة من قطعة الكرواسان الموجودة في صحنه، مال إلي بشكل مريب وقال “أستطيع إخبارك أنني سأحصل على المال على الرغم من ذلك، سأحصل على المال (…) بإمكاني اللجوء إلى عديد من البلدان والقول (هيا، أنا فعلت ذلك، الآن حان الوقت لدعمي)”. ونظر في عينيّ باهتمام، ثم أضاف “سيدفعون لي مقابل ما فعلت، وهو يساوي الكثير”. وقال “إن مزيدا من المعلومات عن الخدمات المصرفية الخاصة يمكن أن يظهر أيضاً.

أنا مجرد جانب واحد (من الشبكة)، لكن لدينا الكثير من الأشياء التي نستطيع القيام بها (…) وهذا شيء آمل أني لن اضطر للتعامل معه بنفسي.

إذا كان علي المساعدة في زيادة الوعي العام بشأن هذا الأمر، فسأكشف نفسي، حتى لو كانت هناك مخاطرة (…) فقد أُقتل بالطبع”. في غضون ذلك تمكّنت من أكل ثلاث فطائر صغيرة، أما فالشياني، بأسلوبه الباريسي الحقيقي، بالكاد لمس أي شيء باستثناء القهوة، ولا يزال لديه في صحنه نصف قطعة فطائر بالشكولاته كان قد قضم منها في البداية. أخذتُ رشفة من عصير البرتقال وحولْتُ المحادثة إلى مسائل شخصية أكثر، بعد مقاومة الرغبة في أخذ قطعة الكرواسان التي لم يلمسها.

الحياة الخاصة

كيف هي حياتك الآن؟ “معظم ما تتخيله صحيح. ليس لدي مكان إقامة ثابت، ولا أعتمد كثيرا على تكنولوجيا الاتصالات. وأحيانا أضطر للعمل في دول لا يسمح لي بدخولها بسبب الإنتربول، مثل اليونان”.

رغم تردده في الكشف عن مزيد لأسباب أمنية، يقول “إن زوجته وأولاده يعيشون الآن خارج فرنسا تحت حماية الشرطة. ليس بإمكانهم التحدث على الهاتف، لذلك يضطرون إلى استخدام سكايب أو طرق أخرى للتحدث إلى بعضهم بعضا”. ويبدو أن أسئلتي حول زوجته وكيف يتصل بها أزعجته، إذ بدأت يداه المسمرتان في الململة.

وقال، موجها إبهامه صوبي “هل تريد عينة من الحمض النووي الخاص بي أيضا”؟ واصلْتُ الحديث، وسألته عن مدى الخطر الذي يمكن أن يكون فيه حقا، نظرا لأن المصارف، على حد علمي، لا تسعى إلى قتل الأشخاص.

“حسنا، لكن كم عدد مصالح العملاء المتورطين في هذا؟ هل هناك فرصة تعتقد أن أحدا منهم يريد الحؤول دون توسيع التحقيق؟ هل تعتقد أن هذا موجود”؟ في محاولة للتخفيف من الحالة المزاجية، سألت ما إذا كان لديه جزء صغير في داخله يجعله يستمتع سرا بالتصرف كجاسوس، باستخدام أسماء مزيفة وهواتف خاصة وتنكر سري.

يقول، وهو يضحك “هل أنا شخص يحب التخفي، أن يلبس مثل امرأة ربما، ويضع ظلا على العيون؟ لست مضطرا لتخفي نفسك في أغلب الأوقات، لأن الطريقة الأفضل عادة هي أن تكون بين جموع الناس، وهي الطريقة الأفضل لحماية نفسك، مثلما هي الحال مع الخراف”.

قال إنه تعلم بعض أعمال الجاسوسية على يد أناس في “الشبكة”. وتابع “بالتأكيد، لقد تم تدريبي”، متحركا من مكانه ومحدقا بي. “هل تعلم أنه يمكنني قتلك بيدي”؟

دور سياسي

يضحك من أعماقه. تحركت بمراوغة من على مقعدي وبسرعة قمت بتحويل المحادثة لما يعتزم القيام به في المستقبل.

يقول “إنه يأمل أن يكون بإمكانه لعب دور أكبر في السياسة الأوروبية”. في أيار (مايو) الماضي، رشح نفسه دون جدوى للبرلمان الأوروبي عن حزب الاحتجاج الإسباني “بارتيدو إكس”، حيث أخبروني أن دوره الرئيسي كان في رفع مستوى الوعي لدى حزب مكافحة الفساد.

وفي شباط (فبراير)، انضم إلى الجناح المتطرف حزب اليسار الإسباني “بوديموس” لتقديم المشورة لهم بشأن السياسة الضريبية، موافقا على المساعدة في وضع تقرير حول كيفية مكافحة التهرب من الضرائب – وهي قضية من المحتمل أن تكون مهمة في الانتخابات العامة في إسبانيا هذا العام.

ويقول “إنه يريد القيام بمزيد من العمل في تقديم المشورة للحكومات الأوروبية حول المسائل الضريبية”. ومنذ كشف الغطاء عن قضية المصرفية السويسرية المزعومة، سألت عن اللحظة الأكثر إرضاء بالنسبة له.

يقول فالشياني “إنها كانت تسليط الضوء على النظام الفاسد. جوهر الأمر هو الكشف كيف أنه، عندما ترى مجلس إدارة واثقا يمثل أعضاؤه الحالة المثالية لمؤسساتهم، فإنك تدرك أن هذا بالفعل هو مظهر مزيف (…) لا تزال المصارف غير قادرة على السيطرة على ما يحدث”.

هذا الشهر أخضعت المحاكم الفرنسية مصرف إتش إس بي سي لتحقيق رسمي حول ادعاءات بأنه ساعد العملاء على تجنب دفع الضرائب. ومن المتوقع وجود أكثر من 60 قضية أخرى في فرنسا وحدها، وفقا للنيابة العامة الفرنسية.

يقول فالشياني “إن قضيته شبيهة بقضية إدوارد سنودِن، المبلِّغ عن وكالة الأمن القومي من حيث التأثير في العالم، لكنهما الآن يمران في ظروف مختلفة جدا”.

يقول “إنه سيكون دائما خائفا على حياته، وإذا جاء ذلك اليوم الذي لا يعود يشعر فيه بأن أعماله يمكن أن تقدم الفائدة فسوف يختفي، بالطبع.

هناك كثير من الجزر في بولينيزيا الفرنسية، بإمكاني الذهاب إليها وأنعم بحياة هادئة”.

وبما أن كلينا شعر بالتعب، سألت ما إذا كان لديه حارس أمني في الطابق السفلي، أو في الغرفة؟ قال، وهو ينظر إلي وكأنني سألته عن رقمه السري “لدي بروتوكول أمني”.

قال مرة أخرى، قبل أن ينزلق في مصعد رث من دوني “هل تريد الحمض النووي خاصتي كذلك”؟