طوني رزق
إنه الرقم المفاجىء الذي لم يتوقعه أحد. غير انّ نسبة التضخّم المتوقعة تعيده الى الواقع مجدداً. أمّا التفاوت بين تقارير أكبر ثلاثة مراجع دولية فيبقى كبيراً على المستوى اللبناني، على أقل تقدير. هذه المراجع هي صندوق النقد الدولي ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي. وللدولة اللبنانية دور في توفير الأرقام الاقتصادية الضرورية أيضاً.
يعتبر التقرير الاقتصادي الذي يعدّه صندوق النقد الدولي الأكثر جدية نظراً للمتابعة الدقيقة التي يمارسها هذا الصندوق للتطورات المختلفة في لبنان.
وفوجىء الجميع بتوقعات هذا الصندوق للنمو الاقتصادي اللبناني في العام 2015، الذي تجاوز كل الارقام المعتادة والواقعية.
فقد أظهر تقرير الصندوق انّ الناتج القومي العام في لبنان سوف يرتفع الى 54,67 مليار دولار في العام 2015، ثمّ الى 57,11 مليار في العام 2016. اي انّ نسبة النمو المتوقعة هي 9,50 في المئة في العام 2015 و4,5 في المئة في العام 2016.
هذا على مستوى الناتج القومي الرسمي، غير انّ النسبة المذكورة تتغيّر عندما يجري الحديث عن الناتج القومي الحقيقي. إذ تتراوح عندئذ بين 2,2 في المئة و3,5 في المئة في عامَي 2015 و2016.
أمّا الفارق العلمي بين الناتج القومي الإسمي والناتج القومي الفعلي فهو إدخال عامل نسبة التضخّم. وعليه، فإنّ الناتج القومي الإسمي سوف يبدو دائماً أكبر من الفعلي. فهل يعني تقرير صندوق البنك الدولي انّ نسبة التضخم سوف تكون مرتفعة في العام 2015، اي انّ البلاد سوف تشهد ارتفاعاً في الاسعار، وهل يدخل عامل سلسلة الرتب والرواتب ضمن ذلك؟
تضاربت التوقعات بين ثلاثة مراجع اقتصادية ونقدية رسمية دولية إزاء الارقام الاقتصادية في لبنان. وهذه المراجع هي: مؤسسة التمويل الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويأتي ذلك نتيجة الاساليب والمعادلات التي يتمّ فيها تناول الارقام الاقتصادية اللبنانية.
لكنّ ذلك يجعل المستثمرين والمتموّلين والباحثين في إرباك كبير، خصوصاً انّ هذه الدراسات تعتبر بالغة الأهمية لصانعي القرارات والسياسات الاقتصادية ولمختلف اللاعبين على الساحة الاقتصادية.
غير انّ التناقض في هذه الدراسات، يُضاف إليه ندرة الحصول على المعلومات الرسمية من السلطات اللبنانية نفسها وصعوبتها يشكلان تحدياً كبيراً. كما انّ فداحة هذه الفوارق في التوقعات والدراسات تعود ايضاً الى اختلاف الأوزان التقييمية التي تعتمدها كلّ من هذه المؤسسات الثلاث، والى الاختلاف في تقييم تأثيرات الاوضاع السياسية والامنية وعلى تدهور الاوضاع الاقتصادية. فغالباً ما يتمّ مراجعة الدراسات تبعاً للتطورات والاحداث المستجدة.
وفي مراجعة التوقعات للمؤسسات الثلاث المذكورة في العام 2014، اتفق كلّ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على نسبة نمو اقتصادي حقيقي عند 2 في المئة، في حين كانت مؤسسة التمويل الدولية اكثر تحفظاً وحددت هذه النسبة عند 1,7 في المئة.
وعلى رغم ذلك فإنّ توقعات الناتج القومي الحقيقي تبقى أكثر تقارباً من الناتج القومي الإسمي. وفي العام 2014 توقّع صندوق النقد الدولي نمو الناتج القومي الإسمي الى 49,92 مليار دولار، وتوقّع البنك الدولي النمو الى 45,73 مليار دولار أي بفارق كبير ونسبته
9 في المئة بين هاتين المؤسستين الرسميتين الدوليتين، في حين توقعت مؤسسة التمويل الدولية رقماً وسطياً عند 47,49 مليار دولار.
وحتى على مستوى توقعات نسبة التضخّم، تختلف هذه المؤسسات الثلاث بشكل لافت أيضاً. فتوقع صندوق النقد الدولي نسبة تضخمّ عند 1,1 في المئة في العام 2015، في حين توقع البنك الدولي نسبة التضخم عند 2,2 في المئة، أمّا مؤسسة التمويل الدولية فذهبت بالاتجاه المعاكس وتوقعت نسبة تضخم سلبية أي تراجعاً في الاسعار على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار، الأمر الذي سوف يجعل كلفة الاستيراد من اوروبا وهي تستحوذ على 40 في المئة من الاستيراد الاجمالي في لبنان أقلّ وبأسعار أكثر انخفاضاً، علماً انّ لبنان يستورد نحو 43,5 في المئة من حجم الاقتصاد. فتوقعت المؤسسة نسبة تضخّم سلبية عند 0,6 في المئة.
وجاءت نسبة الدين الى الناتج القومي العام أكثر تقارباً على رغم التفاوت الموجود دائماً، علماً انّ هذه النسبة تبقى من الأعلى في العالم وتؤثر سلباً على قرارات الاستثمار في لبنان. غير انّ لبنان ما زال يظهر قدرة على الإيفاء بديونه عند الاستحقاق. وتوقّع صندوق النقد الدولي نسبة 133,4 في المئة مقارنة مع 139,7 في المئة لمؤسسة التمويل الدولية و143,1 في المئة للبنك الدولي.
وعليه، ونظراً لضرورة وجود تقارب بين توقعات ودراسات المؤسسات الرسمية الدولية الثلاث، يتوجّب تحقيق نوع من التنسيق والتناغم للمحافظة على المصداقية ولتقديم إضاءة أفضل من الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان بما يخدم المستثمرين والدولة اللبنانية ومصداقية المراجع الدولية الثلاثة المذكورة. وهنا يأتي دور الدولة اللبنانية وواجبها في توفير الارقام الاقتصادية الحقيقية لهذه المؤسسات، لِما في ذلك من خدمة للاقتصاد اللبناني.