رائد الخطيب
عملية إنشاء صندوق سيادي خاص بعائدات النفط والغاز ومخصص للأجيال المقبلة تحت اشراف هيئة مستقلة وادارتها، واجب أن ينظم وفق قواعد مالية ورقابية حازمة. فالنفط والغاز هما موردين غير مستجدين، ما يوجب على الحكومة ان تدير عائداتهما من هذا القطاع بفعالية عالية، والاهتمام بعملية استثمار الإيرادات بما يحقق افضل النتائج التي توازن بين مصالح الأجيال الحالية والمقبلة.
مصادر قريبة من المعنيين في القطاع النفطي تقول لـ»المستقبل» ان عملية وضع قانون خاص للصندوق السيادي لا تزال متوقفة، علما انه يجب على مجلس الوزراء ان يقر مشروع القانون ويحيله الى مجلس النواب لإقراره، وطبعاً سيكون ذلك منفصلاً عن الموازنة العامة للدولة.
وكان سفير النروج في لبنان سيفن آس، حذَّر خلال المؤتمرات التي تتوالى للبحث في المسألة النفطية والغازية في لبنان، السياسيين ومجلس النواب والرأي العام، من زج المسألة النفطية في المزاد السياسي الداخلي. ولفت الى انه على الدولة، عدم اقتطاع اي مبلغ في الموازنات المالية. وشرح ان النروج لا تأخذ من الصندوق السيادي سوى 4 في المئة ، و«عند انهيار الاسعار يكون الصندوق ضمانة، وهو يشكل 150 في المئة من الناتج الوطني«.
ورأى الخبير النفطي ربيع ياغي في اتصالٍ مع «المستقبل»، إنهُ ما زال من المبكر أن يوضع مشروع قانون للصندوق السيادي. فـ»النروج لم تقر الصندوق إلا بعد الاكتشافات وقبل الاستخراج بمدة قليلة، وبالتالي علينا أن نتوافق على المسألة النفطية ككل، وعدم استباق الأمور، ومن هنا لا يجب أن نضع العربة أمام الحصان«.
إلا أنَّ مؤتمر الغاز والنفط الدولي، الذي أطلقتهُ جامعة رفيق الحريري، بدايات الشهر الحالي، شدد على ضرورة إدارة الأموال (عائدات النفط) من خلالِ الصندوق السيادي، ودعا الى «تحييد هذا القطاع وكل الثروات عن المشكلات السياسية الداخلية وتجييرها لمصلحة الشعب اللبناني بأكمله«.
لا شك أن السياسة النفطية والغازية في لبنان تحتاج الى رؤية جديدة، كما يجمعُ المراقبون، كما تحتاج الى الكثير من التبصر والإدراك بعيد الأهداف، فهذه الثروة تخصنا وتخص الأجيال اللاحقة أيضا، من هنا كان الإطار القانوني الصحيح هو البداية الفضلى لهذا النوع من السياسات الحديثة، ويعتبر الصندوق السيادي الموضوع الأكثر أهمية في ملف النفط، خصوصاً وأنَّ الصندوق السيادي هو وعاء استثماري، تضع فيه الدولة الفائض لديها من الإيرادات المالية من أجل استثمارها في مجالات مختلفة ولآماد طويلة. فالصندوق السيادي هو الذي توضع فيه حصة الدولة من تلك العائدات، وتستثمرها بشكل يؤمن المحافظة على العائدات النفطية والغازية لمشاريع استثمارية طويلة الامد.
إن دخول عامل النفط وعائداته في صلب الاقتصاد اللبناني كمحرك اساسي وفرصة جوهرية يجب استغلالها على افضل وجه، لاحداث نقلة نوعية ايجابية لتحسين مستوى دخل الأفراد اللبنانيين بمختلف أطيافهم وعلى السواء وبالتالي الاقتصاد اللبناني ككل، إذ ان من شأن الاهتمام بهذه الأولويات ودعمها عبر حسن توزيع عائدات النفط واستثمارها بالمفاهيم الرشيدة لسياسة الدولة، فالمؤتمرات المتتالية عن النفط في لبنان حذّرت من أن يتم ضخ العائدات من دون دراسة، لأنَّ ذلك سيؤدي الى احتراقِ الاقتصاد بدلاً من إنعاشهُ.
ما هي ملامح هذا الصندوق؟
تشرح المحامية سهير خليفة ان القانون أشار الى نظام الصندوق السيادي ونظام إدارته الخاصة ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات في مراسيم النفط الصادرة في العام 2010 والمعلقة. فقانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية المعروف بقانون الرقم 132، لحظ في البند 3 من المادة 3 موضوع إنشاء صندوق مستقل تودع فيه العائدات المحصلة من قبل الدولة والناتجة عن النشاطات والحقوق النفطية.
وينص القانون على ان يحدَّد للصندوق وإدارته الخاصة نظام بموجب قانون خاص. ومن خلاله ستحدد وجهة استثمار العائدات وتوظيفها واستعمالها وفق معايير واضحة وشفافة تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداتها بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفق معايير تضمن حقوق الدولة من جهة وتجنب الاقتصاد أي انعكاسات سلبية على المدى القصير والطويل.
إلا أنها تلفت «أن إصدار هذا القانون الذي يتعلق بنظام إدارة الصندوق السيادي، ووجهة استثمار العائدات النفطية، وتوزيعها، واستعمالها، ومسألة ارتباط هذا الصندوق بمالية الدولة أو عدم ارتباطه بها، وإشكالية الدين العام بشكل يؤمن حصة خزينة الدولة من تلك العائدات، والمحافظة على العائدات النفطية والغازية لاستعمالها في مشاريع استثمارية طويلة الأمد، كما طريقة التخلص من الدين العام، مواضيع ما زالت تنتظر اتفاق الفرقاء السياسيين للوصول الى إقرار مثل هذا القانون الذي يعتبر الأهم على الاطلاق في السياسة النفطية لأي بلد«.
وتلاحظ خليفة أنَّ «واضعي هذه النصوص تجاوزوا سلطة الدولة التنفيذية، فكيف توضع قيود أمام الحكومة في كيفية التصرف بعائدات النفط التي تعود ملكيتها للدولة بموجب قانون النفط ذاته، اذ انه من البديهي ان تكون طبيعة القوانين التي تعدّها السلطة التشريعية تهدف الى تحصيل حق المواطنين عبر أجهرة الدولة، لكن قانون النفط الجديد ملتبس لناحية إدارة الصندوق«. وتضيف: «في البلدان النامية، هناك مخاطر إدارة قد تكون فادحة كما قد تكون عرضة للفساد العميق المستشري، ذلك ان وجود الأرصدة المالية الفائضة يشجع قابلية الحكومات على مزيد من الإنفاق غير المبرر والفساد المالي. ومن البلدان التي نجحت في تفادي لعنة الموارد، نذكر النروج مثلاً. والفضل يعود إلى صندوقها السيادي النافذ والنموذجي، وهو ثمرة عملية طويلة من الإصلاح لم تصل إلى خواتيمها بعد«.
وتقول خليفة «في لبنان، يزعم عدد من السياسيين، أن موارد النفط والغاز هي الحل المرتقب للمشكلات التي يواجهها لبنان، لكن ذلك لا يُعدّ من المسلّمات، فإذا ما خضعت هذه الموارد لسوء الإدارة، فقد يتفاقم الفساد واجتناب لعنة الموارد يجب أن يبدأ بإصلاح المؤسسات المالية للحرص على أن يخدم الصندوق السيادي التنمية المستدامة. كما من الضروري التأكيد أن تكون أصول الصّندوق السيادي موجّهةً نحو النّمو المستدام وليست متوفرة ككتلة نقدية بطريقة يمكن للدولة إستعمالها كلّما استدعت الحاجة«.
من هنا فإن الحكومة ومجلس النواب معا، مطالبان بإعادة صياغة الإطار المالي للدولة، بحسب حليفة، «ليأخذ في الحسبان الايرادات المحتملة لثروة قابلة للنفاد، حيث يبدأ هنا طرح مسألة الانصاف بين الأجيال، فالمقاربة الحذرة في ادارة عائدات الموارد او الصندوق السيادي يجب ان يركز على الاستدامة المالية من جهة والانضباط المالي من جهة أخرى، للحفاظ على النمو الاقتصادي المتنوع، كما على حسن الرقابة والادارة والشفافية المطلقة والاحتراف، الأمر الذي يوجب وضع هيئات رقابية على الصندوق وطرق الصرف وأدواته، شرط فعاليتها وابتعادها عن كل ما يشوب النظام الطائفي اللبناني من مفهوم للمحاصصة«.
وإلى أن يتم إيجاد حلول وضمانات لهذه المشكلات، على المطالبين بصناديق سيادية إيجاد الضمانات أولا.