كارا سكانل وفيليب ستافورد
في السادس من أيار (مايو) 2010، عندما هوت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة 600 نقطة وانتعشت في غضون 20 دقيقة مروعة – الحدث الذي أصبح يعرف باسم “الانهيار الخاطف” – تلقى متداول مستقل من غرب لندن تحذيرا بشأن سلوكه من أكبر بورصة للعقود الآجلة في الولايات المتحدة.
كان ذلك هو التحذير الثالث الذي ترسله بورصة شيكاغو التجارية ترسله إلى نافيندر سينج ساراو، المتداول البريطاني المولد البالغ من العمر 36 عاما، وشركة الوساطة المالية التي يتعامل معها، لإدراج طلبات ومن ثم إلغاؤها بسرعة – وهي ممارسة تعرف باسم “الخداع”. وقالت بورصة شيكاغو التجارية، “كان من المتوقع لهذه الطلبات أن يتم إدخالها بحسن نية لغرض تنفيذ معاملات حسنة النية”.
إذا سبَّب له هذا التحذير أي إزعاج أصلا، يمكن لساراو على الأقل مواساة نفسه بحقيقة أنه بحلول الوقت الذي أغلقت فيه السوق كان قد كسب 879018 دولارا. وبعد أسبوعين، أخذ يتفاخر أمام سمساره بأنه قال لبورصة شيكاغو التجارية “اذهبوا إلى الجحيم”.
الأسبوع الماضي وجد ساراو نفسه داخل قاعة محكمة لندن يواجه اتهامات جنائية ومدنية من وزارة العدل الأمريكية ولجنة تجارة السلع الآجلة تتعلق بالمساهمة في الذعر الذي ضرب السوق ذلك اليوم، والشروع في نمط من السلوك يقال إنه حقق له تقريبا 40 مليون دولار على مدى أربع سنوات.
ساراو الذي كان يرتدي سروالا وقميصا أصفر، حصل على إفراج بكفالة مشروطة تبلغ 5.05 مليون جنيه استرليني في الوقت الذي يستعد فيه للتصدي لجهود تبذلها السلطات الأمريكية لتسليمه إلى إلينوي لتتم محاكمته بتهمة الاحتيال، والتزوير، والتلاعب بالسلع والخداع. ويواجه عقوبة الحبس 25 عاما في حال إدانته.
ساراو بالكاد من المتداولين الذين يسيطرون على الأمور ويحركون الأسواق، كما أنه لم يناسب قالب المتداولين “الخاطفين” الذين يستخدمون وصلات إنترنت فائقة السرعة وبرمجيات متطورة لاكتساب ميزة جزء بالألف من الثانية. بدلا من ذلك، تداول في نسخة مخصصة من برنامج حاسوبي جاهزة للاستخدام من منزله المتواضع في هونسلو، وهي ضاحية باهتة في لندن. حتى الآن كان هو الشخص الوحيد الذي اتهم في حادث الانهيار الخاطف.
وأحيا اعتقاله انتقادات لرقابة السوق من قبل بورصة شيكاغو التجارية وأجهزة تنظيمية أخرى – ودفعت بعضهم إلى التساؤل عما إذا كان ساراو يقدَّم على أنه كبش فداء في حين أن دور اللاعبين الأكبر ذهب دون عقاب. وعلى الرغم من قضاء ساعات لا تحصى من قبل الأجهزة المنظمة الأمريكية للتحقيق في واحدة من الحلقات الأكثر غموضا في تاريخ السوق، قال محامي المبلغين عن الفساد إن السلطات لم ترفع هذه القضية إلا بعد أن قدم أحد المبلغين مئات الساعات من التحليل حول الصفقات.
بالنسبة للنقاد، فكرة أن متداولا واحدا يمكن أن يعيث مثل هذا القدر من الفساد يدل على أن نظام الرقابة التنظيمية المجزأ في الولايات المتحدة غير ملائم لسوق مالية مرتبطة بشكل وثيق بالتداول المحوسب.
يقول جيمس آنجل، وهو أستاذ في جامعة جورج تاون، “حقيقة أن الأمر استغرق خمس سنوات للامساك بهذا الرجل هو أحد أعراض نظام إنفاذ محطم”.
ساراو بلغ سن الرشد تماما في الوقت الذي تحولت فيه الأسواق إلى التداول الإلكتروني. ومع إطلاق بورصة شيكاغو التجارية في عام 1997 مؤشر “ستاندرد آند بورز إلكتروني مصغر”، وهو عقود آجلة صغيرة قائمة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500، حصل المستثمرون على طريقة سلسة للرهان على اتجاه سوق الأسهم. ويمكن أيضا استخدام العقود لعزل محافظهم الاستثمارية عن الخسائر.
وهذا جذب انتباه ساراو، وهو متداول بريطاني عاشت أسرته تحت مسار الرحلات الرئيسة في مطار هيثرو. بدايته كانت على برنامج التدريب لدى شركة وساطة مالية صغيرة في المملكة المتحدة في عام 2003 وهناك برز بسرعة. يقول شخص راقبه في عمليات التداول “كان إلى حد ما ذا شخصية غريبة، لكنه كان مفطورا على ذلك، وكان عبقريا”. وأضاف، “يمكنه قراءة الشاشة مثل إمكانية قراءتي وقراءتك للصحف”. وظل ساراو هادئا، معتمرا سماعات رأس متينة لحجب ضوضاء قاعة التداول. وقال الشخص نفسه، “اعتاد أيضا على ارتداء لباس رث كما لو أنه لا يبالي”.
اكتسب سمعة في صنع الصفقات الكبيرة، وفقا لشخصين على دراية بتعاملاته قال أحدهما، “تداول في أحد الأيام بـ 5000 حصة [أي ما يعادل القيمة الاسمية لربع مليون دولار] بينما كان يتحدث معي”.
وتقول رسائل البريد الإلكتروني في مذكرات المحكمة القضائية، إن ساراو وصف نفسه بأنه مصاب بأرق ولا ينام إلا في الساعة الرابعة فجرا ويستيقظ عند الظهر حتى يتمكن من التداول تبعا للتوقيت الأمريكي.
وبحلول عام 2008 كان قد بدأ شركته الخاصة واشترى مقعدا في بورصة شيكاغو التجارية، ما يسمح له بالتداول في أسواق شيكاغو. ولاحظت بورصة شيكاغو التجارية سلوكه على الفور تقريبا. وبحلول آذار (مارس) الذي أعقب تسجيله اتصلت البورصة بشركة إم إف جلوبال، شركة الوساطة المالية التي يتعامل معها، لتنبيهها. ووجهت الشركة رسالة إلى ساراو تخبره فيها بأنه ربما يكون قد خالف القوانين.
والمشكلة هي أن ساراو ضخ كميات كبيرة من الطلبات في السوق الإلكترونية المصغرة، ثم سرعان ما ألغاها. وبتتبعها لصفقاته بين أيلول (سبتمبر) 2008 وتشرين الأول (أكتوبر) 2009، لاحظت بورصة شيكاغو التجارية أن هذا التكتيك كان “له فيما يبدو تأثيرا كبيرا على سعر افتتاح مؤشر” السوق.
ووفقا لوزارة العدل، “عندما انخفضت الأسعار نتيجة لهذا النشاط، باع ساراو العقود الآجلة، لكنه ما لبث أن اشتراها مرة أخرى بسعر أقل”.
“على العكس من ذلك، عندما تحركت السوق مرة أخرى باتجاه تصاعدي في الوقت الذي توقف فيه نشاط السوق، ما لبث ساراو أن اشترى العقود ليبيعها بسعر أعلى”.
وفي السادس من أيار (مايو) 2010 كان ساراو، كما تدعي الأجهزة التنظيمية، يضع أوامر شراء ويلغيها بسرعة. وخلال أقل من ساعتين وضع ستة أوامر إلكترونية مصغرة، تم استبدالها أو تعديلها 19 ألف مرة قبل إلغائها دون استكمال صفقة تداول واحدة. وفي تلك الفترة نفسها كانت تعاملاته تشكل ما بين 20 و29 في المائة من جميع جانب الشراء الإلكتروني المصغر على بورصة شيكاغو التجارية، بحسب المنظمين.
ونفّذ أيضا تداولات حقيقية، ما أدى لزيادة العائد لديه. وفي عام 2009، بدأ حسب الادعاءات، بنقل الأموال إلى الخارج لتجنب دفع الضرائب على أرباحه. وفي عام 2010 أنشأ شركة، ناف ساراو ملكينج ماركت، وسجلها في نيفيس، وهي جزيرة صغيرة في البحر الكاريبي.
وفي 2011 أنشأ شركة تحمل اسم شركة الضمان الدولية، مقرها في أنجيلا مع حساب مصرفي في سويسرا. واستخدم تلك الشركة لتقديم قروض لشركة تداولاته والاستثمار في شركات أخرى. وبعد ذلك بعام، وفقا لمذكرات قضائية، سمح بالتحويل من حساب مصرفي سويسري آخر إلى البنك العربي المتحد في دبي.
لكن استمرت تداولاته التي يُدَّعى أنها كانت في إطار التلاعب، ولم تتوقف على الأقل حتى نهاية عام 2013، عندما فتحت الأجهزة التنظيمية في الولايات المتحدة تحقيقاتها.
أثارت عملية إماطة اللثام عن ساراو الدهشة بين المتداولين والصناعة على نطاق أوسع. ويقول مراقبون، إن الأسواق بطبيعتها تعكس الخيارات والإجراءات لعدد كبير من الناس ولا يمكن لصفقة واحدة أو نشاط واحد أن يكون مسؤولا عن تقلبات السوق الكبيرة.
ويقول جوستين تشاك، العضو المنتدب في روزنبلات للأوراق المالية، “من الممكن أن [تداولات ساراو] كانت عاملا من بين عديد من العوامل التي ساهمت فيما حدث في ذلك اليوم”. ويضيف، “يصعب الاعتقاد أن هذا الرجل هو فرانز فرديناند الانهيار الخاطف”. وكررت بورصة شيكاغو التجارية الأسبوع الماضي موقفها بأن التحقيقات الخاصة بها، وتلك التي تجريها الأجهزة التنظيمية، وجدت أن سوق العقود الآجلة لم تكن مسؤولة عن ذلك. وتقول الأجهزة التنظيمية، إن اعتقال ساراو لا يعني أن تقريرها كان خاطئا أو أن لاعبين آخرين، مثل مديري الأموال الكبيرة، لم يلعبوا دورا في ذلك.
وأبرز التقرير الرسمي عن حادث الانهيار الخاطف، المنشور في أيلول (سبتمبر) 2010، تأثير عملية بيع سريعة لما قيمته 4.1 مليار دولار على مؤشر الأسهم الآجلة، نفذها مستثمر مؤسسي واحد هو شركة واديل آند ريد، في الساعة 2.32 عصرا بتوقيت شرق الولايات المتحدة. صفقة من هذا الحجم تتجاوز إلى حد بعيد ما يمكن لساراو القيام به. ووفقا للشكاوى، أغلق ساراو برنامج طبقاته في الساعة 2.40 عصر ذلك اليوم، قبل دقيقتين من بداية مؤشر ستاندرد آند بورز هبوطه الفعلي. وواصل التداول خلال حادث الانهيار وبعده بسنوات.
أندريه كيريلينكو، الأستاذ في كلية سلون للإدارة والمؤلف المشارك لتقرير الانهيار الخاطف، يجد من الصعب أن نرى العلاقة بين الخوارزمية في برنامجه المخصص وما حدث في وقت لاحق. “تقول الشكوى إن هذه الخوارزمية تظهر حفنة من الأوقات قبل وبعد الانهيار الخاطف، لكنها تعتبر في الواقع غير موجودة خلال الفترة الأكثر اضطرابا في الانهيار الخاطف”.
وفي حين تناقش الجهة التنظيمية هيكل الأسواق، تظهر حيوية جديدة قد تترسخ بين المدعين العامين. يقول البروفيسور كيريلينكو، “مع هذا التحول في الأحداث، نحتاج إلى أن نعترف بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل هما المسؤولان الآن عن الكيفية التي يمكن بها لهذه السوق أن تعمل”. ويضيف، “هذا يغير الأمور”.