منذ عقود واليهود الإثيوبيون في إسرائيل يشكون من التمييز العنصري. وقد أظهرت الاحتجاجات الأخيرة بشوارع تل أبيب والقدس أن سخط هذه الأقلية في تزايد، فهل تنجح إسرائيل في تحسين ظروف يهودها السمر؟ أم أن الوضع سينفجر مجددا؟
هدوء حذر يعود إلى شوارع تل أبيب والقدس بعد احتجاجات الأقلية اليهودية الإثيوبية التي أسفرت عن عديد الجرحى في صفوف رجال الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين أنفسهم. احتجاجات أظهرت للرأي العام الإسرائيلي مدى سخط فئة لم تجد مكانها بعد في المجتمع الإسرائيلي وأثارت ردود فعل في أعلى هرم السلطة في إسرائيل. الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين ورئيس وزرائه بنيامين نتانياهو أعربا عن تعاطفهما مع الطائفة الإثيوبية اليهودية في الدولة، ولكنهما حثا المتظاهرين على عدم اللجوء إلى العنف، خاصة وأن الكثير منهم ألقى بالحجارة على رجال الشرطة التي استخدمت بدورها القنابل الصوتية.
الفتيل الذي أشعل نار الاحتجاجات هو مقطع فيديو تم تداوله على شبكة الانترنت يظهر شابا أسمر يرتدي زيا عسكريا تابعا للجيش الإسرائيلي في أحد شوارع مدينة هولون الإسرائيلية، الواقعة جنوبي تل أبيب، الشاب الذي تبين فيما بعد أنه من اليهود الإثيوبيين واسمه داماس باكادا، كان بصدد دفع دراجته الهوائية على الرصيف عندما اعترض طريقه شرطيان إسرائيليان انهالا عليه بالضرب المبرح قبل أن يعتقلاه.
ولا يعرف ما الذي قاله الشاب لهما ولا سبب استخدامهما للعنف. هذا المشهد صوره متساكنون رأوا الحادثة نهاية شهر أبريل/نيسان ووثقوها على مقطع فيديو انتشر كالنار في الهشيم على شبكات التواصل الاجتماعي. بعدها أطلق سراح الشاب الأسمر، فيما تردد أن أحد الشرطيين اللذين اعتديا عليه قد طرد من وظيفته. “لقد حدث لي ذلك بسبب لون بشرتي”، هكذا يروي الشاب داماس باكاد (19 عاما) ما حدث له في حديث مع القناة الإخبارية الإسرائيلية الثانية. “لقد شعرت بإهانة كبيرة. لقد هدد بإطلاق النار على رأسي. هذا عار على إسرائيل.”
“القطرة التي أفاضت الكأس”
هذه الحادثة دفعت بآلاف اليهود الإثيوبيين مساء الأحد إلى الخروج إلى شوارع تل أبيب والتظاهر ضد التمييز العنصري والاستخدام المبالغ فيه للعنف من قبل الشرطة. “الجندي تعرض للعنف الشديد دون أي ذنب. العديد من المتظاهرين الإثيوبيين في تل أبيب تعرضوا لحوادث مماثلة”، على ما يقول فينتاهون آسيفا-داويت، المدير التنفيذي لمنظمة تيبيكا الحقوقية التي تكافح من أجل حصول اليهود الإثيوبيين على العدالة والمساواة في إسرائيل. ويشير إلى أن داماس باكادا كان سأل الشرطيين بأريحية عما يفعلان يومها. هذا الفيديو شكل القطرة التي أفاضت الكأس.
وفي بدايتها طغى الطابع السلمي على المظاهرات لعدة ساعات قبل أن تندلع مواجهات مع رجال الشرطة في ساحة رابين في تل أبيب. الصدامات أسفرت عن جرح ما لا يقل عن 55 شرطي و12 متظاهر واعتقال 43 آخرين. وهتف بعض المتظاهرين :”لا أسود ولا أبيض كلنا بشر”. وقد حلقت مروحيات تابعة للشرطة فوق المتظاهرين. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين الذين كانوا يلقون الحجارة في الوقت الذي تم فيه إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية الى المنطقة.
وقال فينتاهون آسيفا-داويت إن احتجاجات يومي الأحد والاثنين في تل أبيب والقدس بالإضافة إلى تلك التي شهدتها القدس في وقت سابق من الأسبوع الماضي “يجب أن تؤدي على الأقل إلى إعادة السلطات المسؤولة إلى رشدها”. وتابع خلال حديثة للصحفيين خلال مؤتمر صحفي عبر الهاتف “هناك قضايا تمييز وقضايا عنصرية في إسرائيل. ما الذي يمكننا القيام به لحلها؟ ما الذي يمكننا القيام به لجعل الوضع أفضل؟”.
من جهته، أظهر الرئيس الإسرائيلي رويفين ريفلين تفهمه لغضب اليهود الأثيوبيين، لكنه شدد في الوقت نفسه بالقول: “لابد أن نعلن بوضوح أن الاحتجاج أداة حيوية في الديمقراطية، ولكن العنف ليس السبيل وليس الحل”. وأضاف قائلا بأن الاضطرابات “كشفت جرحا مفتوحا وينزف في قلب المجتمع الإسرائيلي، جرح مجتمع يصرخ من الشعور بالتمييز والعنصرية والإهمال”. وأضاف أنه “بين هؤلاء الذين يتظاهرون في الشوارع بعض من أفضل أبنائنا وبناتنا.. ندين لهم بإجابات”. ويعيش أكثر من 135 ألف إثيوبي يهودي في إسرائيل، التي يبلغ تعداد سكانها 8 ملايين نسمة، حسب المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصائيات. ويشكو الكثير منهم من التهميش في الوظائف وفي الحياة اليومية وكذلك من الاعتداءات المتكررة من قبل الشرطة.
“هناك أشياء يجب أن تتغير”
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو استقبل الجندي الإسرائيلي من أصل أثيوبي داماس باكادا وعانقه قائلا: إنه “صُدم” عندما شاهد صور تعرضه للعنف. وقال ناتنياهو، الذي التقى قادة من الأقلية اليهودية الإثيوبية في محاولة لتهدئة التوترات، “هناك أشياء تحتاج للتغيير. آمل أن تسفر التجربة الصعبة التي مررت بها عن شيء إيجابي”. أما بالنسبة لمنظم المظاهرة ميسغاناو فانتا، فإن تفجر الوضع ومطالبة يهود إسرائيل من الإثيوبيين بحقوقهم إنما هي مسألة وقت. “هناك في إسرائيل المئات من الإثيوبيين الشباب الذين يتعرضون للمتابعة من قبل الشرطة بدون أي سبب يذكر وبالتالي يصبحون مسجلين لدى الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يدمر حياتهم ومستقبلهم”، على ما يقول فانتا لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية. ويضيف قائلا: “هم يريدون المساهمة في رخاء هذه الدولة ولكنهم لا يستطيعيون أن يصبحوا جنودا، والقليل منهم فقط بإمكانه أن يدرس في الجامعة. وبدلا من ذلك يتم نعتهم بالمجرمين.”
ووفقا للمنظمة المشروع الوطني الإثيوبي التي تعنى بالمطالب الاجتماعية والتعليمية ليهود إسرائيل الإثيوبيين، فإن 49 بالمائة من الأسر الإثيوبية تعيش تحت خط الفقر، وفي مناطق سكنية مكتظة، ما يغذي احتمال اندلاع صراعات. كما أن 45 بالمائة من اليهوديات الإثيوبيات في إسرائيل لا يحصلن على شهادات دراسية، بالمقارنة مع فقط اثنين بالمائة فقط من اليهوديات الإسرائيليات. كما أن أغلبية الأسر الإثيوبية عاجزة ماديا عن دعم أبنائها للالتحاق بالجامعات أو لتعلم مهنة. هذا الوضع المزري لليهود الإثيوبيين في إسرائيل دفع فينتاهون آسيفا-داويت إلى القول: “لقد تولى رئيس الوزراء الأمر بنفسه. وقد بدأ لتوه فترة رابعة كرئيس للوزراء، يجب أن تحتل هذه القضية الأولوية بالنسبة له”.