فاتن الحاج
قرار هيئة التنسيق النقابية بالتراجع عن الإضراب والتظاهر لم يعكس المواقف المتباينة للمكوّنات حيال شكل التحرّك وتوقيته، كذلك لم يعبّر بأي حال من الأحوال عن تطلعات قواعد المعلمين والموظفين. الهيئة بررت التراجع، في بيان لها بعيد لقاء البطريرك بشارة الراعي ظهر أمس، بالقول إنّ «تعطيل المؤسسات الدستورية والتوقف عن التشريع، يجعل الإضراب موجهاً ضد الطلاب، وهذا ما لا نريده على الإطلاق، لذا أبلغنا البطريرك بأننا أجلنا الإضراب والتظاهر غداً (اليوم) الأربعاء إلى موعد آخر».
بعدما كانت الهيئة قد قررت إعلان هذا الموقف على باب البطريرك، استدركت، وسط استهجان القواعد، وأعلنته في بيان مقتضب في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس. ومع أن البيان المشترك حظي بمباركة الجميع، خرج منهم من يقول إنه وافق مرغماً عليه تجنباً لانشقاق الهيئة. إلاّ أن هذا التمسك بالوحدة النقابية لم يمنع إشاعة أجواء بأنّ هيئة التنسيق ستستمر بمكوناتها الأربعة إذا قررت رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي الانفصال، علماً بأنّ الرابطة لم تعلن يوماً أنّها ستنفصل، بل على العكس كررت مراراً أنها في قلب هيئة التنسيق، حتى لو كان بقاؤها في الهيئة يُوظّف حالياً من أجل وقف التحركات استجابة للإملاءات السياسية.
بالنسبة إلى مؤسس التيار النقابي المستقل النقابي حنا غريب، تكون الوحدة من أجل المطالب وليس على حسابها، وما يشاع عن الانفصال هو غبار لتغطية الانسحاب من الإضراب والتظاهر. ويتذكر هنا كيف أصرت هيئة التنسيق على تصعيد التحرك والانفصال عن الاتحاد العمالي العام يوم وقّع رئيسه غسان غصن الاتفاق الشهير مع الهيئات الاقتصادية على حساب حقوق العمال. برأيه، كل مكونات هيئة التنسيق توافق على المشروع المسخ ولا تلتزم المطلب الأساسي للهيئة، وهو المساواة بين كل القطاعات الوظيفية بإعطاء الجميع الـ121%. ويسأل: «إذا كانت الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي تريد التحرك الخاص، فمن الذي يمنعها من ذلك؟ فلتطرح خطتها هذه، ولتترك الخيارات كلها مفتوحة في هذا التحرك، التزاماً بالدفاع عن موقعنا الوظيفي، وتحسباً من خطر احتمال إمرار المشروع المسخ».
في الواقع، لم يسمع الأساتذة والموظفون خطاباً مطلبياً موحداً وتصوراً مشتركاً للمواجهة مع السلطة السياسية، فنقابة المعلمين في المدارس الخاصة تقول إنّها سجلت تحفظها على تأجيل الخطوات التصعيدية إلى وقت غير مسمى، يحدد في ضوء المستجدات في المؤسسات الدستورية، مطالبةً بتأجيل التحرك أسبوعاً واحداً فقط.
رابطة الموظفين في الإدارة العامة تمنت هي الأخرى، خلال الاجتماع، الاستمرار في الإضراب، ثم عادت أمس وأوصت قواعدها بالتصويت على إضراب تنفذه في كل الوزارات والإدارات والمحافظات بشكل منفصل عن باقي المكونات يومي الخميس في 14 الجاري و21 الجاري الذي بات الموعد السنوي ليوم كرامة الموظف، على أن يترافق ذلك مع اعتصام تحدد أماكنه في بيان لاحق.
في المقابل، مضت روابط التعليم الرسمي الثانوي والأساسي والمهني بقرار التراجع عن التحرك غير آبهة بالآراء التي كانت تصلها من الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين، ولا سيما في التعليم الثانوي، بضرورة مواصلة التحركات حتى الوصول إلى سلسلة عادلة لا تضرب الحقوق. وقد نفى أساتذة ثانويون أن يكون قرار إلغاء التظاهر قد احترم أصول العمل النقابي، فالرابطة، كما يقولون، لم تنتظر نتائج الجمعيات والمجالس التي دعت إليها والقرار اتخذ قبل ساعات قليلة من التئام مجلس المندوبين في بيروت، فيما لم ينعقد مجلس المندوبين في الجنوب، وقد كان الحضور خجولاً في محافظتي الشمال وجبل لبنان والبقاع.
ولم يخف أساتذة من التعليم الرسمي امتعاضهم من أن يكون السقف الذي ترفعه المكونات الأخرى، ولو كان كلامياً، أعلى من سقف روابطهم، ولا سيما أنهم كانوا يمثلون، ولا يزالون، كما يقولون، الثقل الأساسي لكل تحركات هيئة التنسيق، بل إن البعض راح يقول هازئاً: «سبب التراجع عن الإضراب هو أن رابطتي الثانوي والأساسي تريدان أن توجها رسالة واضحة لمعلمي المدارس الخاصة والموظفين مفادها: ما دمتم لا تريدون المشاركة بفعالية، فلا إضراب ولا تظاهر». هؤلاء حذروا من أن تتحول هيئة التنسيق إلى ما يشبه الاتحاد العمالي العام في القطاع العام.