أكد خبير في أسواق العملات من بنك ” كريدي اغريكول بريفت بنك ” في سياق مداخلة أجراها خلال اجتماع مائدة إعلامية مستديرة نظمها البنك في مكاتبه بدبي، أن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تشهد نمواً ملحوظاً في حجم تعاملاتها باليوان الصيني لتلبية احتياجات التعاملات التجارية والاستثمارية المتنامية بين الصين ودول المجلس وسائر دول منطقة الشرق الأوسط.
وقال ديفيس هول، الرئيس العالمي لدائرة استشارات العملات الأجنبية والمعادن الثمينة للبنك في سياق مداخلته: “بصفتها أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، يرى المراقبون أن الصين سوف تلعب دوراً متزايد الأهمية في اقتصاد المنطقة بصورة عامة، لاسيما الأنشطة المتعلقة بتجارة السلع الأساسية والاستثمار في المشاريع المشتركة للبنى التحتية بصفة خاصة. كما تستخدم الصين المنطقة بصورة عامة ودولة الإمارات العربية المتحدة بصفة خاصة كمركز إقليمي استراتيجي للتعامل مع دول أفريقيا والشرق الأوسط. وفي ضوء هذه الخلفية، يمكننا القول إن الصين تتحول بصورة متنامية إلى صاحبة مصلحة رئيسية في اقتصاد منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وبغية تعزيز تنسيق التعاملات العابرة للحدود، سوف يؤدي تبنّي الشركات المحلية والاقليمية للتعامل باليوان الصيني إلى تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين الصين ودول المجلس بشكل أكبر”.
يذكر أن الصين أصبحت خلال العقود القليلة الماضية أحد أكبر مستهلكي السلع الصناعية في العالم وبلغت نسبة استهلاكها من تلك السلع 46% من الاستهلاك العالمي. ويتزامن هذا التطور مع قرب تصويت أعضاء صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2015 على إمكانية اعتماد اليوان الصيني بصفة عملة احتياط دولية. وإذا وافق صندوق النقد الدولي على اعتماد اليوان الصيني عملة احتياط دولية، فقد تتفوق أسعار صرفه على أسعار صرف عملات دول مجلس التعاون الخليجي بمرور الزمن كما قد تقلِّص بشكل مستمر المكانة التي لطالما تمتع بها الدولار الأمريكي على مدى العقود القليلة الماضية بصفته ملاذاً آمناً وعملة احتياط دولية مفضلة.
وتابع ديفيس هول: “سوف يستقطب التدويل الحتمي والتدريجي لليوان الصيني بشكل مستمر شتَّى أنواع المستثمرين إلى هذا البديل الموازي لعملات الاحتياط الدولية. وتعترف العديد من الدول بوجود هذا الاحتمال وراحت تقيم منصات التعامل الضرورية للاستفادة بشكل كامل من العلاقات التجارية القائمة والمستقبلية على حد سواء. ومن الملفت للنظر في هذا السياق، أن قطر أنشأت أول مركز أوفشور لِمُقاصَّة اليوان الصيني في المنطقة، لتسهيل تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي”.
وتستخدم دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد اقتصاداتها على عائدات صادراتها من المنتجات الهيدروكربونية حالياً الدولار الأمريكي بنسبة أكبر من استخدامها لليوان الصيني، نظراً لارتباط أسعار صرف عملات تلك الدول بأسعار صرف الدولار الأمريكي بصفته عملة الاحتياط الدولية المعتمدة لتجارة النفط. كما يؤدي هذا الربط بين عائدات تلك الدول من تصدير النفط والغاز وبين الدولار الأمريكي إلى احتفاظها بمعظم احتياطياتها من العملات الأجنبية بالدولار الأمريكي. ومن أبرز الجوانب الأخرى لهذا الموضوع، أن اليوان الصيني ليس عملة قابلة للصرف بالكامل بعد، ما قد يحد من جاذبيته كعملة احتياط دولية في نظر البنوك المركزية.
وأوضح ديفيس هول بقوله: “لكن الموقف الراهن قد يتطور بالتزامن مع النمو السريع لحجم التجارة النفطية وغير النفطية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. ومع التوجهات الأخيرة لأسعار النفط، يمكننا القول إن تطور أسعار سلعة واحدة لم يؤثر ابداً بشكل مباشر في أسواق العملات الأجنبية بالقدر الذي نشاهده حالياً. وأحدثت الآثار الصّادمة لقرار منظمة أوبك حماية حصتها السوقية والمحافظة على مستويات إنتاجها المرتفعة في شهر نوفمبر الماضي، موجات صادمة غيَّرت معادلات أسعار الصرف بشكل ملحوظ في أسواق العملات الأجنبية. وأدى هذا الاستقطاب المتمحور حول النفط إلى إخراج أسواق العملات الأجنبية من سباتها الشتوي واستعادتها لنشاطها في تسعير العملات. وتمثلت الآثار الجانبية غير المرغوب بها لهذا التطور في استعادة أسعار صرف الدولار الأمريكي لقوتها قاطِرةً معها أسعار صرف العملات الخليجية”.
وأدَّى هذا الوضع الحرِج والتأثير المضاد للتضخم لسيناريو “أسعار النفط المنخفضة والدولار الأمريكي القوي” إلى إعادة خلط تامة للأوراق. وبرز في هذا السياق رابحون وخاسرون نتيجة تخفيف البنوك المركزية منذ مطلع العام الحالي تدريجياً للقيود التي كانت تفرضها سياساتها النقدية.
وأضاف ديفيس هول قائلاً: “يفرض سيناريو أسعار النفط المنخفضة والدولار الصاعد ضغوطاً كبيرة على منظمة أوبك وهي تستعد للاجتماع في يونيو المقبل. وحيث أن معظم اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي التي تربط عملاتها بالدولار فسوف يتوجب على أوبك أن تدرس قرارها الاستراتيجي الخاص بمستوى إنتاجها بعناية بالغة نظراً لأهميته الحاسمة لدول المنطقة. كما يتوجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الانفراج المحتمل مع إيران والذي قد يعصف أيضاً بأسعار النفط نظراً لتأثيره في المعادلة الهشَّة الراهنة للعرض والطلب”.
ويضاف إلى هذا السيناريو عنصر آخر مهم لارتباط أسعار صرف عملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار الأمريكي ويتمثل في اعتماد بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي لسياسة تطبيع أسعار الفائدة قريباً لمجابهة الارتفاع المستمر في أسعار صرف الدولار الأمريكي. إذ إنه للمرة الأولى منذ عام 1989، تفوق أداء الدولار الأمريكي وعملات الدول المرتبطة به أمثال عملات دول مجلس التعاون الخليجي على أداء العملات البديلة لجميع دول مجموعة العشرين (جي 20). وبرزت مؤخراً عواقب ملموسة لهذه المرحلة من ارتفاع أسعار صرف الدولار الأمريكي، والتي سوف تؤثر في توقيت ونطاق القرارات التي سوف يتخذها اجتماع لجنة الأسواق المفتوحة في بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي وحتمية دخوله مرحلة “تطبيع” أسعار الفائدة.