IMLebanon

مستقبل الغذاء في جنوب المتوسط

FoodPrice1
لوران توماس 
تستضيف برشلونة أمس واليوم لقاءً دولياً يتناول دعم القطاع الخاص للأمن الغذائي في بلدان جنوب البحر المتوسط وشرقه، ينظمه كل من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والاتحاد من أجل المتوسط. ويحضر اللقاء مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى ومنظمات دولية وممثلون عن القطاع الخاص بما في ذلك المنظمات المهنية والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، بهدف وضع اقتراحات من أجل تحسين الأمن الغذائي والإنتاج والتجارة الزراعية في دول المنطقة من خلال توفير دعم أفضل للمزارعين والشركات الغذائية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.
ان الأمن الغذائي أمر ضروري من اجل ضمان السلام والاستقرار في بلدان جنوب المتوسط وشرقه. وتثبت أدلة وافية كثيرة ان ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية ونقص الغذاء ساهما في اضطرابات اجتماعية عانى منها عدد من بلدان المنطقة وتعدّ جزءاً لا يتجزأ من مطالب سياسية أكبر. وكانت انطلاقة «الربيع العربي» في المناطق الريفية المهمشة والمحرومة قبل ان تنتقل التحركات إلى المدن. ويعتبر انعدام الأمن الغذائي وارتفاع معدلات البطالة خصوصاً بين الشباب من نتائج سياسات اعتمدت في السابق وأهملت الاستثمار في المجال الزراعي والتنمية الريفية.
اليوم، يمكن للزارعة وسلسلة القيمة الزراعية والغذائية ككل ان يشكلا جزءاً من الحل، إذ يوفران مصدراً رئيساً للدخل ولفرص العمل ولكن بشرط توفير بيئة ملائمة وحوافز مناسبة. ان سبب طرح وجهة النظر هذه بسيط جداً. ويتوقع ان يزداد عدد سكان منطقة جنوب المتوسط وشرقه من 280 مليون شخص حالياً، إلى 350 مليوناً في 2030 وإلى 400 مليون عام 2050. وسيزداد الطلب على الغذاء ذي الجودة العالية مع ازدياد الدخل وتحسّن مستوى التعليم في المجتمعات الحضرية. وستستمر الأسواق الغذائية المحلية بالتوسع ما سيوجد مزيداً من الفرص الاقتصادية والتجارية في كل مراحل الإنتاج والتسويق والتصنيع في السلسلة الغذائية.
تواجه بلدان في جنوب المتوسط وشرقه تحدياً يتعلق بالأمن الغذائي والتغذية بسبب الفقر، وارتفاع معدلات سوء التغذية والسمنة. فالفقر، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ 2008، يهدد الأمن الغذائي والتغذية للفئات الأضعف، وقد يؤدي إلى عدم استقرار اجتماعي وسياسي. ففي مصر يعاني 31 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة من تأخر في النمو، بينما في الأردن وتونس والمغرب، تبلغ هذه المعدلات ثمانية و10 و15 في المئة. ووصلت معدلات السمنة في كل الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية إلى مستويات مقلقة، مع تضاعف معدل السمنة بين الأطفال في عشر سنوات.
وتعاني بلدان المنطقة، باستثناء تركيا، عجزاً كبيراً ومتزايداً في موازنة التجارة الزراعية الغذائية، علماً أن مصر والجزائر من بين أكبر مستوردي الحبوب في العالم. ويجعل العجز هذه الدول عرضة للتقلبات في أسعار السلع الغذائية العالمية. وفي حين ان لبعض هذه الدول ميزة نسبية لإنتاج الحبوب، قد تكون لديها ميزة نسبية أعلى لإنتاج الفاكهة والخضروات والسلع المصنعة. لذلك قد يعزز إدماج التجارة البينية مع نظم أكثر فاعلية للاستيراد، الأمن الغذائي على المستويين الوطني والإقليمي.
ويجب ان يوجه الاستخدام الفاعل للموارد الطبيعية والتربة والمياه، الاستثمارات في الزراعة المحلية. فعلى مدى السنين الـ 40 الماضية انخفضت موارد المياه العذبة الشحيحة للفرد في المنطقة بمقدار الثلثين، ويتوقع ان تنخفض أكثر من 50 في المئة بحلول 2050. وتستهلك المنطقة 85 في المئة من إجمالي المياه العذبة المتوافرة. وتشكل المناطق القاحلة جزءاً كبيراً من المنطقة، وتعتبر نسبة 45 في المئة منها أراضي متدهورة. وتعدّ الاستثمارات من اجل الحد من الفاقد والهدر الغذائي وتحسين إدارة استخدام المياه في سياق تغير المناخ، ضرورية لتحقيق الأمن الغذائي والاستدامة البيئية.
وفي بلدان منطقة شرق المتوسط وجنوبه، تستقطب الزراعة 25 في المئة من نسبة القوى العاملة، ويقطن نصف السكان في المناطق الريفية. وتقل أعمار أكثر من 60 في المئة من السكان عن 30 عاماً، وتتجاوز نسبة البطالة بين الشباب 25 في المئة. ولدى نظم الغذاء والزراعة المحلية فرصة كبيرة للتطور والنمو وتوفير فرص عمل للشباب بإدارة المزارع العائلية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتملك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حصة الأسد من إيجاد فرص العمل، ولا تخفى روح المبادرة من السكان على احد.
على البلدان ان تعزز السياسات المناسبة وتقدم الحوافز الملائمة إلى القطاع الخاص لدعم قدرتها للوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا والأسواق. وسيزيد القطاع الخاص استثماراته، وبالتالي يعزز النمو ويزيد فرص العمل. ومن أجل زيادة فرص العمل للشباب، من المهم جعل الحياة الريفية أكثر استقطاباً، ولذلك لا بد من تحسين الإنتاجية لزيادة مستوى الدخل، ومن خلال زيادة الاستثمار العام في البنى التحتية والخدمات الاجتماعية.