IMLebanon

آفاق النمو العربي غير مشجعة هذا العام

ArabMonetaryFund
عامر ذياب التميمي

تبدو الآفاق الاقتصادية في العالم العربي لهذا العام غير مشجعة إذ يُتوقع لانخفاض أسعار النفط أن يبطئ معدل النمو الاقتصادي ومشاريع التنمية في بلدان عربية عدة. أما الأحداث السياسية والأوضاع الأمنية في اليمن وسورية والعراق وليبيا فقد تدفع إلى أوضاع اقتصادية ومعيشية غير مواتية في هذه البلدان. ولا تزال مصر وتونس، على رغم تحسن الأوضاع الأمنية نسبياً وتقدم العملية السياسية إلى حد ما، تواجهان مشاكل أمنية، فيما تأثرت المداخيل بالمعطيات السائدة منذ بداية «الربيع العربي».
يتوقع صندوق النقد العربي أن يكون معدل النمو خلال العام الحالي ثلاثة في المئة لبلدان العالم العربي كلها. ويشير التقرير الذي أصدره الصندوق أخيراً إلى أن أسعار النفط تراجعت بنسبة 60 في المئة منذ حزيران (يونيو) 2014. وعلى رغم تحسن الأسعار قليلاً في الأسابيع الأخيرة، فهي لا تزال دون 60 دولاراً للبرميل. ومعلوم أن إيرادات البلدان النفطية تؤمّن عوناً وتمويلاً تنموياً للعديد من البلدان العربية غير النفطية. وتساهم اقتصادات البلدان العربية المصدرة للنفط بـ 78 في المئة من الناتج الإجمالي للبلدان العربية ككل.
وبعد انخفاض أسعار النفط أبدت الإدارات الاقتصادية في بلدان الخليج العربي عزمها خفض الإنفاق الجاري والاستثماري ما سيعني تراجعاً في مداخيل العديد من الشركات ومؤسسات الأعمال وتأثيراً في القطاعات الاقتصادية غير النفطية في هذه البلدان. أما البلدان العربية المستوردة للنفط فقد تستفيد من تراجع أسعار النفط خفضاً في فاتورة استيراد النفط، لكن ذلك لن يساعد في شكل كبير في زيادة الإنفاق الرأسمالي ولن يرفع معدل النمو الاقتصادي لديها هذا العام إلى أكثر من 3.7 في المئة مقارنة بـ 2.8 في المئة في 2014.
وستبدو التحديات الأساسية التي تواجه البلدان العربية كلها أكبر وأصعب خصوصاً في ما يتعلق بتطوير الأعمال وإنجاز المشاريع وإيجاد فرص عمل. وهكذا سترتفع معدلات البطالة التي تقدر بنسب عالية، خصوصاً في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية، حيث تزيد النسبة على 15 في المئة. ويبقى معدل البطالة هاجساً أساسياً للإدارات العربية كلها نظراً إلى تواضع التطوير في الاقتصادات العربية واستمرار العراقيل المؤسسية والهيكلية التي تحول دون تدفق الاستثمارات الجديدة القادرة على إيجاد الأعمال ومن ثم إيجاد فرص عمل. ويحظى كثر من المتدفقين إلى سوق العمل بوظائف «متكررة» في المؤسسات الحكومية لا تهدف إلى إيجاد قيم مضافة.
ويورد تقرير صندوق النقد العربي أن العجز في موازنات البلدان العربية سترتفع هذا العام من واحد إلى سبعة في المئة من الناتج الإجمالي. وإذا لم تتعامل البلدان المصدرة للنفط بحزم مع الإنفاق الجاري وتحد من نموه، بعدما كان متسارعاً خلال السنوات الماضية، سيدفعها العجز إلى الاستدانة من الأسواق المالية المحلية أو الأجنبية، كما حدث في النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين. وقد يزيد اللجوء إلى الاستدانة عن طريق سندات خزانة الضغط على أسعار الفوائد المصرفية ويرفع تكاليف التمويل بالنسبة إلى قطاعات الأعمال التقليدية.
إذاً المطلوب من مختلف الحكومات العربية مراجعة برامج الإنفاق خصوصاً الجاري والعمل لإصلاح السياسات المالية. وعند التطرق إلى السياسات المالية يتضح أن برامج الدعم السلعي ودعم المحروقات ومخصصات الأعباء الاجتماعية تتطلب ترشيداً جدياً. ولا بد من تبني أنظمة ضريبية تؤدي إلى رفع المداخيل السيادية للحكومات، وقد تشمل هذه الأنظمة تطويراً للجباية الضريبية في البلدان التي تعتمد أنظمة ضريبية قديمة، وتفعيل الضرائب على الأرباح الرأسمالية وضرائب القيمة المضافة أو المبيعات في البلدان الخليجية. وغني عن البيان أن تطبيق الأنظمة الضريبية في بلدان لا تملك تراثاً ضريبياً أو تجني الضرائب من دون فاعلية، يعد من التحديات الأساسية التي تواجه الإصلاح المالي والاقتصادي. بيد أن هذا التحدي يستحق المواجهة ويتطلب تحقيق إنجازات لأهميته في تعزيز الموارد المناسبة للخزائن العامة في البلدان العربية كلها.
قد لا تحــدث تطـــورات قياسية خلال العـــام الحالي لأنها تتطلــب عادة زمناً أطول. لكن العـــام سيكون صعباً على الصعيد الاقتصادي. وإذا كانت البلدان الخليجية قادرة على مواجهة التزاماتها المحلية، نظراً لامتلاكها أموالاً وإمكانيات لتحقيق مـداخيل من استثماراتها الخارجية، فهي لن تتمكن من تأمين العون والتمويل اللازمين للبلدان العربية الأخرى. وإذا أخذنا مثالاً العراق وهو بلد مصدر للنفط، بواقع ثلاثة ملايين برميل يومياً، تبدو الأوضاع الاقتصادية حرجة نظراً إلى ضخامة الالتزامات وتزايد أعباء الإنفاق على الحرب ضد الإرهاب. وربما تتعطل مشاريع حيوية كثيرة مثل مشاريع البنية التحتية والمرافق والكهرباء والمياه والرعاية الصحية والتعليم.
كذلك يمكن أن تواجه الحكومة المصرية مشاكل في إنجاز مشاريع أساسية ومصاعب في تمويل الشركات في قطاع الصناعات التحويلية، بما يعطل القدرة على توظيف الملايين من المصريين العاطلين من العمل الداخلين الجدد إلى سوق العمل. ولا تقل المشاكل صعوبة في تونس والجزائر والمغرب، وهناك أوضاع يمكن وصفها بالكارثية في سورية واليمن وليبيا، تتطلب استقراراً أمنياً وتوافقاً سياسياً حتى تبدأ معالجة القضايا الاقتصادية وإعادة البناء.