Site icon IMLebanon

“جيش الفتح”.. مقصلة “حزب الله” ونموذج للقيادات العسكرية والثوار

استطاع “جيش الفتح” السوري المعارض الذي تشكل منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، أن يبدّل في قواعد الاشتباك في شمال سوريا، ويفرض نفسه كتجمع عسكري معارض حقق إنجازات ميدانية تمثلت بالسيطرة على مدينتي إدلب وجسر الشغور الاستراتيجيتين، ما دفعه إلى واجهة الأحداث كتجمّع نموذجي، تمثلت به فصائل أخرى الأسبوع الحالي، وخصوصًا في منطقة القلمون بريف دمشق الشمالي.

ورفع تشكيل “جيش الفتح” حجم التنسيق بين الجناحين العسكري والسياسي في المعارضة السورية، إلى مستويات مرتفعة، لم تكن بارزة قبل هذا الوقت، وخصوصًا خلال العامين الماضيين مع تضاؤل إمكانيات الجيش السوري الحر، وبروز تنظيمات متشددة فرضت نفسها على الساحة السورية.

وانسحبت تلك التفاهمات على مناطق أخرى، حتى بات “جيش الفتح” بمثابة “نموذج للقيادات العسكرية والثوار في المناطق”، كما يقول قيادي معارض، ما “دفع الثوار للتماثل به، عبر تشكيل جيش الفتح في القلمون” بريف دمشق الشمالي، التي يستعد فيها المقاتلون المعارضون، ومقاتلو حزب الله اللبناني لجولة جديدة من القتال. ويرى معارضون أن “جيش الفتح” في القلمون الذي أعلن عن تشكيله قبل أيام، هو نسخة عن مثيله في الشمال.

ولم يكن اتحاد هذه الفصائل ممكنًا قبل هذه الفترة، رغم نداءات من قيادات المعارضة وقيادات أخرى للفصائل، داعية إياهم للتوحد ورفع مستويات التنسيق. ويرى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري خالد الناصر، أن هذا التوحد للفصائل “تعبير عن المرحلة الجديدة، والجو الإقليمي بعد عاصفة الحزم والتقارب الإقليمي والعربي، نظرًا إلى أن هؤلاء هم الداعمون الحقيقيون للثورة السورية، ولهم تأثير داخل الفصائل العسكرية والقوى السياسية”، مشددًا في تصريحات لـ”الشرق الأوسط” على أن هذا الجو الإقليمي الإيجابي “من الطبيعي أن ينعكس باتجاه توحيد الفصائل والقوى السياسية والعسكرية، ويعزز حضورها”.

ويكتسب هذا الجيش أهميته من تضافر الفرص، وحشد القوة للقتال في جبهة واحدة. يقول قائد المجلس العسكري السابق في حلب العقيد عبد الجبار العكيدي لصحيفة ”الشرق الأوسط”، إن قوته تتمثل في “التوحد، والتنظيم في غرف العمليات والقيادات العسكرية”، مشيرًا إلى أن الفصائل المنضوية تحت جناحه “استفادت من خبرات فصائل مقاتلة موازية لها، ووضعت كل الإمكانيات في تصرف غرفة عمليات مشتركة”.

وظهرت القوة بشكل بارز في معركة السيطرة على جسر الشغور، حيث اتحد ما يناهز 13 ألف مقاتل من مختلف الفصائل، للقتال على محور مدينة جسر الشغور، ما ساهم في السيطرة عليها سريعًا، كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي، فضلاً عن توفر الذخيرة والعتاد والسلاح النوعي، أهمها صواريخ “تاو” الأميركية المضادة للدروع، التي غنمتها “جبهة النصرة” من حركة “حزم” إثر السيطرة على مقارها في مناطق غرب حلب، وكانت “حزم” قد تلقتها كمساعدة من واشنطن العام الماضي. واستخدمت تلك الصواريخ ضد الدروع وناقلات الجند والذخيرة، ما ساهم في تحييد السلاح الثقيل للقوات الحكومية، وخصوصًا في مناطق سهل الغاب بريف حماه الغربي.

ويشكك معارضون في أن يكون “جيش الفتح” نواة لتشكيل عسكري – سياسي، رغم أنه يحوز تأييد ودعم الائتلاف الوطني للسوريين. ويقول العكيدي إنه “تشكيل عسكري على الأرض، لا يرقى بعد ليكون تحالفا عسكريا وسياسيا”، كما يشكك بأن يكون نواة لجيش سوري بديل، رغم أن “الفصائل التي انضمت تحت مظلته، حققت إنجازات ميدانية، لكنه يقتصر، حتى هذا الوقت، على الشمال السوري، ويحتذي بها مقاتلو القلمون، في حين يجب أن يكون الجيش البديل حاضنة لكل الثوار من كل المناطق، وهو ما نعول عليه في حال شاع نموذج التوحد في سائر أنحاء سوريا”.

ويلتقي الناصر مع العكيدي في هذا الجانب، إذ يرى أن التعويل عليه ليكون جيشًا بديلاً “لا يزال سابقًا لأوانه، نظرًا لأن مشروع سوريا المستقبل يتضمن دمج كل المكونات وبينها الجيش السوري النظامي، والأقسام التي لم تتلطخ أيديها بالدماء”، لكنه يشدد على أن “توحيد القوى يعتبر خطوة تمكّن من الاتجاه نحو هذا الأمر”.

وترسم مشاركة تنظيمات متشددة في جيش الفتح، مجموعة من الهواجس، من شأنها أن تعيق تحوله إلى مظلة جامعة للقوات السورية المعارضة، بحسب مصدر معارض، في إشارة إلى “جبهة النصرة” التي تصنفها واشنطن على لائحة المنظمات الإرهابية، غير أن قيادات معارضة لا ترى التشدد إلا في تنظيم داعش، كما يقول العكيدي لـ”الشرق الأوسط”، مشيرًا إلى “نجاح تجربة التنسيق في غرفة عمليات مشتركة لقتال عدو مشترك بينهم”. ويرى أيضا أن القتال السابق بين “النصرة” ضد فصائل معتدلة، مثل “حزم” أو “جبهة ثوار سوريا”، على أنها “سياق طبيعي ويمكن أن يحصل بين جميع الفصائل العسكرية التي توجد في مواقع مشتركة”، رافضًا اعتبارها “عائقًا أمام التوحد لقتال عدو مشترك”.

وفيما يواصل المقاتلون في “جيش الفتح” عملياتهم ضد القوات الحكومية في الشمال، يتطلع المعارضون إلى نتائج أكبر تترتب على توحيد الفصائل على المدى القريب، بينها “السيطرة على كامل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وإقصاؤه عن السلطة”، كما يقول العكيدي، مشيرًا إلى أن “المعركة الأساسية لنا هي معركة دمشق”.

وحتى الوصول إلى تلك المرحلة، يؤكد الناصر لـ”الشرق الأوسط” أن “الرهان اليوم هو على الصمود والاستمرارية، إذ دخلنا العام الخامس للثورة ولم نتراجع رغم كل الصعوبات”، فضلاً عن الرهان على “استمرار الثورة والتلاحم بين قوى الثورة، بجناحيها العسكري والسياسي”.

الى ذلك، أعلن “جيش الفتح” في تغريدات عبر حسابه الرسمي على “تويتر” أن عناصره تمكنوا من قتل العشرات من “حزب الله” في منطقة القلمون في ريف دمشق، وقال إن مقاتليه شنوا هجوما على مواقع تمركز مسلحي “حزب الله”، وتمكنوا من إخراجهم من عدة نقاط على طول الحدود السورية اللبنانية خلال الساعات الماضية.

ومن جهتها، أفادت إحدى وكالة الاجنبية نقلا عن تلفزيون “المنار” التابع لحزب الله أن مقاتلي الحزب هاجموا اجتماعا لقادة “جبهة النصرة” ومسلحين آخرين في سوريا مما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم بينهم القائد المحلي لجبهة النصرة.

وقال التلفزيون في وقت لاحق إن الجيش السوري وحلفاءه، في إشارة إلى حزب الله، استولوا على جزء من تل إستراتيجي في منطقة خربة النحلة الحدودية في شرق لبنان التي تشرف على منطقة القلمون الجبلية السورية حيث تتحصن قوات المعارضة.

واعلنت قناة الجزيرة أن قوات المعارضة استبقت معركة “حزب الله” في القلمون بالهجوم، مضيفةً أن المعارك التي جرت في هذه المناطق الجبلية رفعت عدد قتلى حزب الله في هذه المنطقة والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.

وتابعت: “جاءت هذه الاشتباكات في وقت يواصل فيه “حزب الله” تعبئة مقاتليه، وهو أمر قابلته قوات المعارضة في تنسيق هجماتها في الجبال الممتدة على طول الحدود بين سوريا ولبنان”.

وأكدت أن المعارك الأخيرة أفقدت “حزب الله” عنصر المفاجأة، وبدت خلالها المعارضة أكثر تصميما باتجاه تحرير بلدات القلمون.