Site icon IMLebanon

الراي: منافسة بين “لبنانيْن” في واشنطن

في العاصمة الاميركية “لبنانان”، يتصل كل واحد منهما بجناح من جناحيْ السلطة داخل ادارة الرئيس باراك أوباما. وعلى الرغم من انعدام الاهمية الإستراتيجية للبنان بنظر الحكومة الاميركية، الا ان احد الفرعيْن اللبنانييْن يحظى بدعم رسمي وخطابي، فيما يحظى الآخر بدعم فعلي وغير علني.

لبنان الاول واضح، علني، ويتمتّع بدعم أوسع بين اللبنانيين من اصل اميركي ومن الجالية اللبنانية المقيمة في الولايات المتحدة. يقود هذا اللبنان ممثلو “حزب القوات اللبنانية”، الذي يتزعّمه في لبنان القطب المسيحي سمير جعجع، ويعملون بتنسيق مع مناصري تيار آل الحريري، الذين مازالوا يعانون من انعدام في التوازن منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في شباط 2005. كذلك، يساند هذا التيار “الاستقلالي” مجموعة من اللبنانيين – الاميركيين من غير الحزبيين، خصوصا من المقيمين في واشنطن ونيويورك.

ويحاول التيار اللبناني “الاستقلالي” الحفاظ على الزخم الذي اكتسبه تحالف “14” آذار داخل لبنان قبل 10 سنوات، وهو منذ ذلك الحين يقيم حفلا سنوياً في الكونغرس الاميركي يستعرض اثناءه علاقاته مع كبار المسؤولين فيه من الحزبيْن، وكذلك مع الادارات الاميركية المتعاقبة، التي لا تبخل على هؤلاء اللبنانيين ببيانات التأييد، التي كان آخرها رسالة من وزير الخارجية جون كيري الى ممثل “حزب القوات اللبناني” في الولايات المتحدة جو جبيلي، عبّر فيها المسؤول الاميركي عن اعتذاره لغيابه عن الاحتفال الاستقلالي السنوي لانشغالاته الاكثر الحاحاً، ولكنه أرسل عوضا عنه مساعدته آن باترسون.

كذلك، اظهرت رسالة كيري تأييدا فوق العادة لما اسماه رؤية رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري للبنان، ووعد الوزير الاميركي بالإبقاء على دعم بلاده للدولة اللبنانية والحكومة ومؤسساتها.

والى جانب المواقف العلانية، يعمل مؤيدو “14 آذار” في العاصمة الاميركية، بقيادة من القوّاتيين، على استصدار مشاريع في الكونغرس لرصد اعتمادات اميركية لدعم وتسليح الجيش اللبناني. وكان اللوبي المذكور نفسه حاول، في الكونغرس الاخير، الدفع قدماً بمشروع قانون، حظي بمساندة الحزبيْن في الكونغرس ونص على دعم الحكومة والجيش في لبنان، ودعا الى التضييق على المجموعات المسلحة غير الحكومية وفي طليعتها “حزب الله”.

لكن المشروع تعثر، حسبما اوردت صحيفة “الراي” الكويتية في حينه، بسبب “يد خفية” لم يَخف على احد انها يد ادارة الرئيس أوباما، التي تعمل على اسقاط اي مشاريع او سياسات تستهدف ايران او حلفاءها، بهدف استرضاء طهران ودفعها الى الموافقة على اتفاقية بخصوص برنامجها النووي.

وبالأسلوب نفسه الذي اسقطت فيه ادارة أوباما اي تحرك جدّي في واشنطن في وجه “حزب الله” وحلفائه، حافظ الفريق الرئاسي الاميركي على علاقات متينة بلبنان الثاني، لبنان المؤيد لـ “حزب الله” والرئيس السوري بشار الأسد وايران، او ما يعرف اختصارا بـ “تحالف الاقليات” في منطقة الشرق الاوسط.

وتحت ستار “الدفاع عن مسيحيي المشرق” يتحرك لبنان الثاني بزعامة شخصيات لبنانية – اميركية اشتهرت في تسعينات القرن الماضي بدعم نظام الأسد في سورية ولبنان، وانضم اليها بعد العام 2005 ناشطون محسوبون على “حزب التيار الوطني الحر” التابع للقطب المسيحي اللبناني الآخر ميشال عون.

لكن “الدفاع عن مسيحيي المشرق” لا ينحصر في لبنان، بل يتضمن الدفاع عن مسيحيي العراق، وعن الأسد، ويسعى القيّمون على هذا اللوبي الى اقناع الادارة الاميركية بضرورة الدفاع عن الأسد ونظامه، ووقف تدفق اللاجئين السوريين السنّة الى لبنان، وفتح ابواب لبنان واميركا امام اللاجئين المسيحيين السوريين والعراقيين.

كذلك، يضم لوبي “تحالف الاقليات” عددا من الشخصيات اللبنانية – الاميركية الطامحة شخصيا لمناصب في لبنان. تتراوح هذه المناصب بين منصب رئيس جمهورية، ومناصب وزارية ونيابية متنوعة، وهم يسعون غالباً لإقناع المسؤولين الاميركيين للتواسط مع نظرائهم اللبنانيين لتزكية وصولهم الى المناصب المنشودة.

هكذا، بينما كان مسؤولو الادارة الاميركية وزعماء في الكونغرس في مبارزة خطابية لدعم “لبنان مستقل ذي حكومة قادرة وجيش قوي”، كانت مجموعتان من المتموّلين اللبنانيين المقيمين في نيويورك تزوران واشنطن للمشاركة في منح “جائزة جبران خليل جبران” للممثلة الشهيرة من اصل لبناني سلمى حايك، تقديرا لفيلم كارتون انتجته أخيرا عن حياة جبران، الأديب اللبناني – الاميركي الراحل. واقيم التكريم في اوتيل “اومني شورهام” في العاصمة الاميركية.

في قاعات لوبي الاوتيل نفسه، جلس لبنانيون اميركيون مع ناشط من اصل لبناني معروف في اوساطهم، تقاضى من كل مجموعة مبلغ 50 ألف دولار، ووعدهم بالعمل لدى مسؤولي ادارة أوباما – التي تعج بمؤيّدين للأسد وايران – لإقناعها بتأييد الاسد وحماية مسيحيي المشرق والدفع باتجاه ايصال احدهم رئيسا للجمهورية في لبنان.

“لبنانان”، واحد يسعى لتقوية دولة لبنان وحكومته وجيشه، وآخر يسعى لحماية اقلياته بالتنسيق مع اقليات الدول المجاورة. اما الادارة الاميركية، فتؤيد لبنان الاول كلامياً، وتؤيد الثاني في الخفاء، لا لقلقها على الاقليات، بل بسبب حرصها على ضمان عدم تعكير المفاوضات مع ايران. اما المصلحة اللبنانية بعيدا عن الحسابات الاقليمية، فلا تُقلق المسؤولين الاميركيين كثيرا.