خلال الأسبوع الماضي صدرت مجموعة من التقارير في بعض الصحف الغربية عن التكاليف المالية المحتملة لحملة “عاصفة الحزم” ومن بعدها حملة “إعادة الأمل” للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، بعض هذه التقارير قريبة من الواقع أما البقية فهي غير منطقية وذات أبعاد سياسية معروفة ولا تستند إلى وقائع حقيقية.
العقيد أحمد عسيري المستشار بمكتب سمو وزير الدفاع والمتحدث باسم التحالف وخلال مؤتمراته الصحفية اليومية خلال مرحلة “عاصفة الحزم” لم يعط جوابا مباشرا حول تكلفة الحرب، وهذا أمر طبيعي ومتوقع في مثل هذه الظروف، وقد كان جوابه دائما أن استقرار اليمن وحماية شعبه والمحافظة على حدود المملكة العربية السعودية لا يقدر بثمن، ولا شك أنه محق في ذلك إلا أن هذا الجواب لا يشبع نهم الصحفيين والمحللين حول التكلفة المتوقعة للحرب في اليمن.
بعض التقارير الغربية أشارت إلى أن تكلفة الحرب الجوية في المرحلة الأولى من الحرب -على افتراض استخدام 100 طائرة يوميا كما أعلن التحالف- قد تكون في حدود 230 مليون دولار شهريا متضمنا كلفة تشغيل الطائرات وإحلال الذخائر المستخدمة وقطع الغيار والتموين وخلافه، وهو رقم متوسط قريب للواقع إذا ما قورن بتكلفة الحرب الجوية التي شنتها الدول الغربية على نظام القذافي في ليبيا خلال العام 2011م، والتي استغرقت فترة زمنية تراوحت بين خمسة إلى ستة أشهر أو الحملة الجوية المستمرة منذ فترة ليست بالقصيرة من قبل التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في العراق، ولابد من الإشارة هنا إلى أن الفروقات في التكلفة تتباين بنسب معروفة للعسكريين حسب بعد أو قرب الأهداف المنتقاة من القواعد العسكرية لانطلاق المقاتلات ومدى احتياج الطائرات المقاتلة لإعادة تزويدها بالوقود في الجو، إلا أن بعض المحللين يرون أن التكلفة قد تزيد أو تنقص حسب قدرة القائمين على شوؤن الحرب اليومية في كيفية إدارة المعركة وتكاليفها.
أما بالنسبة للتكلفة التقديرية المتوقعة للتدخل على الأرض أو الحرب البرية في حالة حدوثها، وهو للتذكير احتمال لم يستبعده المتحدث باسم التحالف العقيد عسيري، فالتقارير الغربية نفسها تشير إلى أنها قد تتراوح بين 300 إلى 400 مليون دولار شهريا على افتراض استخدام قوات برية محدودة نسبيا لا تزيد عن 25 ألف جندي، وخلال فترة زمنية لا تزيد عن ستة أشهر مع الأخذ في عين الاعتبار منطقة الحرب البرية وطبيعة وتضاريس اليمن الجبلية سواء إنزال عن طريق البحر في عدن أو اكتساح بري لمواقع المتمردين الحوثيين شمال اليمن في صعدة، وهذه الأرقام تم استنتاجها بناءً على حروب سابقة للجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق أو تدخلات محدودة من بعض الدول الغربية كالتدخل الفرنسي في مالي عام 2013م، وكذلك عمليات حفظ الأمن والسلم التي تقوم بها الأمم المتحدة في كثير من الدول.
لا شك أن حماية حدود المملكة وحفظ أمنها واستقرار عمقها الاستراتيجي في اليمن لا يقدر بثمن ولا يمكن بأي حال من الأحوال التراخي في ذلك، وهي تتجاوز المال إلى بذل النفس، وقد ذكرت في مقال سابق أنها ليست المرة الأولى التي نمر بها في مثل هذه الظروف فنحن لنا تجارب كثيرة في حرب الخليج الأولى وحرب تحرير الكويت، وغيرها من الظروف الصعبة والقاسية في مراحل مختلفة مرت بها المملكة خلال عمرها الممتد لأكثر من 80 عاما، راكمت لدى الجيل المخضرم السابق خبرة طويلة وعميقة سيستفيد منها بالتأكيد فريق العمل الاقتصادي الحالي، كما أن الاحتياطيات الضخمة للمملكة العربية السعودية التي تتراوح بين 2.5 إلى 2.7 ترليون ريال سعودي وتراجع الدين السيادي للمملكة خلال الخمس سنوات الماضية إلى مستويات متدنية عوامل مهمة للوفاء بأي التزامات طارئة أو أحداث سياسية ذات أبعاد عسكرية قد تمر بها المملكة خلال هذه الفترة. أكاد أجزم أن القائمين على السياسة النقدية بشكل عام والسياسة المالية على وجه الخصوص (الميزانية العامة) في حال استنفار مستمر منذ بدء العاصفة، حالهم كحال العسكريين، فهم مطالبون بمعالجة نفقات الحرب وفي نفس الوقت مواصلة الاستقرار الاقتصادي والتنمية، وهنا يكمن التحدي.. وهم أهل لذلك.