Site icon IMLebanon

إمبراطورية أغنى رجل في أفريقيا

Aliko_Dangote-Richest-Man-Africa-Nigeria
يعيش أليكو دانغوتي؛ أغنى رجل في أفريقيا، في منزل فخم على جزيرة فكتوريا، لاغوس. لا يوجد الكثير ليتحدث عنه دانغوتي، سواء كانت الانتخابات الرئاسية في بلاده “ستكون صعبة للطرفين” أو التأخر في إدراج شركة الإسمنت خاصته في الخارج “ربما العام المقبل”. ولكنه يبدو فصيحاً حيال موضوع واحد، حيث يقول: “نيجيريا واحدة من أفضل الأسرار المحفوظة. لا يستثمر الكثير من الأجانب فيها لأنهم ينتظرون الوقت المناسب. ولكن لا يوجد هناك وقت مناسب”.
توفر نيجيريا فرصة جيدة لكسب ثروة طائلة؛ وأكبر دليل على ذلك أليكو الذي صنف في المركز الـ67 ضمن قائمة أصحاب المليارات في العالم وثروته تقدر بـ14.7 مليار دولار، وقد حصل على معظمها من 3 حصص رئيسية في شركات الإسمنت والسكر والطحين المطروحة للتداول العام. ولم يصل إلى ذلك لوحده، فقد انضم 13 نيجيرياً إلى قائمة (فوربس) لأغنى 50 شخصاً في أفريقيا عام 2014، من بينهم 3 أثرياء جدد.
ويسيطر أليكو وهؤلاء الأثرياء على اقتصاد نيجيريا؛ فالانخفاض في أسعار النفط الخام أدى إلى هبوط مؤشر أسهم الدولة الغنية بالنفط بنسبة %40 العام الماضي، لينخفض بذلك صافي ربح دانغوتي بشكل غر مفاجئ بما أن شركاته تشكل ثلث المؤشر القياسي للبورصة تقريباً “كانت خسارته هي الأكبر في العالم، فقد انخفض صافي ثروته بقيمة 10.3 مليارات دولار”. إلا أن الأسس كانت قوية؛ فالناتج المحلي الإجمالي للبلاد توسع بمعدل %5 في السنة من 2010 إلى 2013. (يصل اليوم إلى 500 مليار دولار، أو أكبر من نظيره في جنوب أفريقيا بمقدار الثلث). وحتى مع هبوط سعر النفط، يعتقد المتنبؤون أن النمو هذا العام سيفوق %5، وفي الحقيقة ووفقاً لتقرير (Citigroup)، يتوقع خبراء الاقتصاد أن نيجيريا ستتمتع بواحد من أسرع معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي السنوي عالمياً خلال السنوات المقبلة وحتى 2050.
وهناك أسباب أخرى للاهتمام الدولي في نيجيريا؛ ففي ظل ظهور الجماعات الإرهابية، التي أخلت باستقرار الشرق الأوسط وتهدد الآن أجزاء من أفريقيا، أصدر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مؤخراً قراراً تنفيذياً لحث رجال الأعمال الأمريكيين على تقوية العلاقات التجارية مع دول جنوب الصحراء الأفريقية “يتضمن المجلس شخصيات مهمة من (Wal-Mart) و(GE) و(McKinsey)”. وفي وقت سابق لذك وتحديداً في مايو/ آيار 2014، أرسل بيني بريتزكر إلى نيجيريا، لتكون هذه أول زيارة لوزير تجارة أمريكي منذ 20 عاماً. وقد وصل حجم الاستثمارات الأمريكية المباشرة في نيجيريا لنحو 8.2 مليار دولار عام 2012 وهي الأكبر في القارة، والإحصاءات متوفرة حتى هذه السنة فقط. وبلغ إجمالي التبادل التجاري بين الدولتين 9.8 مليارات دولار العام الماضي، حيث تبيع نيجيريا نفطاً أقل لأمريكا هذه الأيام؛ فقد صدرت نيجيريا لأمريكا نفط بقيمة 2 مليار دولار العام الماضي كونها عاشر أكبر مزود للنفط للولايات المتحدة، لذا فإن معظم التبادلات التجارية تتعلق بالبضائع الأخرى والخدمات.
إن الإبقاء على نجاح نيجيريا أمر مهم، فالبلاد هي الأكثر اكتظاظاً في أفريقيا، حيث يزيد عدد سكانها عن 170 مليون نسمة، وسيتضخم العدد ليصل إلى 210 ملايين نسمة بحلول عام 2020. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد السكان (440 مليوناً إلى 400 مليون). إلا أن أغلبية السكان يتقاضون أقل من 1.25 دولار في اليوم، وحوالي النصف غير متعلمين والغالبية العظمى أعمارهم صغيرة “متوسط العمر 18.3 سنة”. كما أن %50 من الريفيين لا يحصلون على ماء صالح للشرب، ومن الصعب تخيل أن الحكومة تتعامل مع كل هذه الأمور حتى مع انتعاش أسعار النفط. وتحتل نيجيريا باستمرار المراتب الدنيا من قائمة أكثر البلدان فساداً في العالم، وفقاً لـ(منظمة الشفافية الدولية)، كما أنها عاجزة عن القضاء على (بوكو حرام)، الجماعة الإرهابية التي تثير الذعر في شمال شرق البلاد.
وجميع هذه القضايا تزيد أهمية أليكو دانغوتي؛ الرجل الثري والمستعد لأداء الأعمال، كلاعب أساسي على الساحة العالمية. ويقول الملياردير ديفيد روبنشتاين، مؤسسس مشارك لـ(Carlyle Group): “أي شخص له تجارة في أفريقيا يعرف دانغوتي”.
ويقع مسقط رأس دانغوتي (كانو) على بعد 150 ميلاً جنوب الصحراء الأفريقية، وهي ثاني أكبر مدينة في نيجيريا. وقد كانت (كانو) مركزاً للتجارة منذ تأسيسها في القرن الـ10، وذلك بفضل موقعها الاستراتيجي على حافة الصحراء الشاسعة. ومن البضائع التي كانت تسيطر على التجارة بالمدينة العطور المصرية والبخور والأحبار والمرايا ومن ثم البضائع الجلدية. وقد أصبحت قوافل الجمال مربحة لدرجة تكفي لخوض الحرب عليها؛ حيث اندلعت الحروب مع الممالك المجاورة. وعندما احتلت بريطانيا البلاد في أواخر القرن الـ19، كانت (كانو) المركز التجاري الأكثر أهمية في غرب أفريقيا.
وقد أنشأ سانوسي دانتاتا، جد دانغوتي، تجارة مزدهرة تحت الحكم البريطاني، فقد كان يتاجر في بضائع مثل حبوب الشوفان والأرز وكان واحداً من أغنى مواطنين مدينة (كانو). أصر دانتاتا على تربية حفيده شخصياً؛ وهذا تقليد شائع في ثقافة شمالي نيجيريا، وقد غرس فيه عقلية رجل الأعمال في سن صغيرة. وفي سن الـ8، حول دانغوتي مصروفه إلى رأس مال لمشروع ناشئ يحصل منه على أرباح. ويقول: “عندما تتربى على يد أب أو جد ريادي أعمال فستختار هذا الطموح. فهو يجعلك أكثر نشاطاً؛ فستعتقد بإمكانية كل شيء”.
وقد كانت البلاد في طور النمو، فعدم الاستقرار الذي تلا الاحتلال؛ والانقلابات المتكررة والحرب الأهلية في الستينيات من القرن الماضي تلاشى تأثيرها مع ازدهار النفط في السبعينيات من القرن الماضي. وخلال ذلك العقد، نما الاقتصاد %18 سنوياً، مع وجود العديد من المكاسب التي كانت توزع على النخبة. وبالرغم من ازدياد الإيرادات، ظل (البنك الدولي) يعد نيجيريا؛ مع دول مثل بنغلاديش وأثيوبيا وتشاد ومالي، من الدول ذات الدخول المنخفضة، وأنها مرشحة للحصول على المساعدات الدولية.
طلب دانغوتي، وهو مسلم تخرج من جامعة الأزهر في القاهرة ودرس الأعمال، من جده بعد التخرج أن يسمح له للانتقال إلى لاغوس. أخذ أليكو قرضاً من عمه بقيمة 500 ألف دولار، وأسس نفسه ليصبح تاجراً للأرز والسكر والإسمنت في عمر 21 سنة. لقد كان يملك ما يكفي من المال، إضافة إلى كونه موهوباً بالفطرة في مجال التجارة؛ استورد السكر من البرازيل والأرز من تايلاند وباعهما محلياً بربح إجمالي ضخم. وفي ذروة أعماله، يقول إنه كان يكسب 10 آلاف دولار في اليوم، “كانت الأمور جيدة، فقد أتاحت لنا كسب كمية كبيرة من النقود”. كما أنه استفاد أيضاً من علاقته بالسياسيين، فوفقاً لبرقية وزارة الخارجية الأمريكية التي سربها موقع (ويكيليكس) تبين أن دانغوتي “تمتع بحقوق حصرية لاستيراد السكر والإسمنت والأرز، وأنه استخدم مثل هذه الميزة ليضاعف الأعمال ويضعف المنافسين”. إلا أن دانغوتي ينكر هذا الأمر بشدة.