جديون راشمان
العلاقة بين حكومة اليونان وبقية منطقة اليورو تشبه على نحو متزايد زواجاً سيئاً. كلا الجانبين سئم رؤية الآخر، والثقة المتبادلة تحطمت، والجهود تستمر لتسوية الأمور، لكن لا شيء يبدو ناجحاً.
الحل التقليدي لمثل هذه المعضلة في الزواج الحقيقي هو حل معروف جيداً: الطلاق. تسويات الطلاق عادةً ما تعني أن كلا الطرفين سيُعاني مادياً. لكن كليهما سيمضي في حياته قُدماً على أي حال، لأنهما مستعدان لدفع ثمن باهظ مقابل الخروج من علاقة سيئة. وصلنا الآن إلى تلك اللحظة مع اليونان ومنطقة اليورو. العلاقة مُحطمة. لذلك فقد حان الوقت لكلا الجانبين للقيام ببداية جديدة.
أولئك الذين يخشون من عواقب خروج اليونان من منطقة اليورو يُشيرون إلى أن استعارة الزواج يمكن أن تكون مُضلّلة بشكل خطير. هناك عمليات معروفة وثابتة حول فصل اتحاد بين شخصين. لكن هناك سوابق أقل لفصل اتحاد عملة. المخاطر التي تنطوي على ذلك تم ذكرها ببراعة في مقالة صدرت أخيرا كتبتها زميلتي جيليان تيت، سلطت الضوء على هذا الخطر بالإشارة إلى أن خروج اليونان قد يؤدي إلى انهيار مالي عالمي، على غرار ذلك الناجم عن انهيار ليمان براذرز عام 2008، بسبب المخاطر القانونية والمالية غير القابلة للقياس التي يتضمنها ذلك.
مع ذلك، المفاوضون الألمان وبعض العناصر من الحكومة اليونانية يعطون الانطباع بأنهم يعتقدون أن مخاطر خروج اليونان يمكن احتواؤها. إذا كانوا يعتقدون ذلك، فينبغي لهم أخذ نفس عميق والمضي بالأمر. في هذه المرحلة قد يكون ذلك أفضل لكلا الجانبين.
بالنسبة لليونان مغادرة منطقة اليورو يمكن أن تفتح آفاقاً اقتصادية وسياسية جديدة. فقد يسمح للبلاد بأن تتخلّف عن سداد بعض ديونها الضخمة (أو إعادة هيكلتها أكثر من قبل، إذا أردتَ استخدام تعبير مُهذب بهذا الشأن). كما ستعمل أيضاً على تمكين اليونان من تخفيض قيمة عملتها والهرب من نظام سعر الصرف الثابت الذي أسهم في تدمير القدرة التنافسية اليونانية.
بالطبع، ستكون هناك أيضاً آثار اقتصادية على المدى القصير. تجربة بلاد مثل الأرجنتين تُشير إلى أنه سيكون هناك سحب أموال من المصارف وفرض ضوابط على رأس المال لبعض الوقت. وأسعار بعض الواردات الرئيسية، مثل المواد الغذائية والطاقة، يمكن أن ترتفع أيضاً. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى رحلة أخرى إلى التطرف السياسي.
لكن على المدى الطويل يمكن أن تكون هناك منافع سياسية بالنسبة لليونان من الخروج من منطقة اليورو. من الواضح أن عديدا من اليونانيين يشعرون بالإهانة والترهيب من منطقة اليورو. لذلك المغادرة قد تكون بمثابة تحرير نفسي يسمح للبلاد مرة أخرى بالشعور أن بإمكانها اتخاذ القرارات بنفسها – مهما كانت الظروف صعبة. بدروه، هذا الشعور الجديد بالمسؤولية ربما يُساعد على إصلاح بعض العيوب في الدولة اليونانية التي أغضبت بقية منطقة اليورو بشدة. وإصلاح انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة الذي أتاح الفرصة لازدهار الفساد والتهرب الضريبي، بشكل خاص.
بعض المؤرخين يقتفون أصل هذا الموقف إلى حقيقة أن اليونانيين عاشوا تحت حكم العثمانيين لقرون، الأمر الذي خلق مسافة وعدم ثقة بين الحكومة والمواطنين. يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي، في بعض النواحي، أحيا مجددا ذلك الشعور بأن القواعد يضعها أجانب، في عاصمة بعيدة، وبالتالي يمكن الخروج عليها. واليونان التي تستعيد بعض سيادتها قد تشرع أيضاً في شكل من أشكال السياسة أكثر صحة.
كذلك يمكن أن تكون آثار خروج اليونان مفيدة بالنسبة لبقية منطقة اليورو. فعمليات الإنقاذ المتتالية لليونان أوجدت سخرية وغضبا في جميع أنحاء منطقة اليورو وعززت ظهور الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي. لذلك خروج اليونان من شأنه إعادة تأسيس الفكرة أن قواعد منطقة اليورو تعني شيئاً بالفعل. كما يمكن أن تشجع بلادا مثل إيطاليا وفرنسا على الضغط من أجل المضي قُدماً ببعض الإصلاحات الهيكلية التي فشلت اليونان في تنفيذها.
من ناحية أخرى، بعض أولئك الذين يعارضون خروج اليونان يفعلون ذلك لأنهم يخشون أن الخروج ربما ينجح، وليس لأنهم يخشون أن يفشل. فهم يشعرون بالقلق من أنه في حال نجحت اليونان وحدها، فإن دولا أخرى ربما تحاول أن تحذو حذوها – ولا سيما، إيطاليا، حيث معظم الأحزاب المُعارضة الكبيرة الآن تعارض العملة الموحدة. مع ذلك، هذا الاعتراض لا يكون قوياً إلا إذا كان لديك إيمان راسخ بالعملة الموّحدة باعتبارها غاية في حد ذاتها.
في الواقع، ينبغي أن يُنظر إلى اليورو على أنه أداة لتحقيق أهداف أكبر – أوروبا مزدهرة وسلمية أكثر. في حالة اليونان، من الواضح أن اليورو فشل في خلق الازدهار – وهذا أقل ما يُقال عن بلاد فقدت 25 في المائة من إنتاجها منذ عام 2008.
كذلك فشل اليورو في تحقيق الهدف السياسي الأوسع الذي كان من المفترض أن يخدمه، وهو تعزيز الوحدة الأوروبية. على العكس من ذلك، البلدان التي كانت تتفاهم جيداً مع بعضها بعضا، مثل اليونان وألمانيا، الآن تكره بعضها بعضا. الصور النمطية القديمة للألمان المستبدّين وسكان جنوب أوروبا الكسولين عادت لتنتشر مرة أخرى وتفسد السياسة الأوروبية.
مجرد تسوية التحالف بين اليونان ومنطقة اليورو لبضعة أشهر أخرى لن يصلح تلك المشكلات. لكن إذا تمكنت اليونان من إثبات أن هناك طريقة ناجحة للخروج من منطقة اليورو، فإنها ستوفر أنموذجا لفصل اتحاد عملة قام على أسس غير سليمة، أو تقليصه إلى حجم أكثر قابلية للإدارة. هذه سابقة ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يُرحّب بها، لا أن يخشاها.