لم يكتفِ رئيس مجلس النواب نبيه بري في اليومين الماضيين بمتابعة الحوار المفتوح بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” ومواكبة تطوراته والسهر عليه ونزع العراقيل التي تعترض طريقه افساحاً لاستمرار مساحة التلاقي بين الطرفين، بل أراد الغوص ايضاً في مستنقع الخلافات الفلسطينية الداخلية، وما أكثرها، والتي تمتد من قطاع غزة ورام الله الى أزقة عين الحلوة ومخيمات الشتات الاخرى. وهو أمضى أربع ساعات أول من أمس في عين التينة يعاين اوضاع البيت الفلسطيني المهتز والمشرعة نوافذه على أكثر من أزمة وسط رزمة من التباينات حيال أكثر من ملف بين قطبي حجر الرحى، لينجح في النهاية في جمع وفدي “فتح” برئاسة عضو اللجنة المركزية عزام الاحمد ونائب رئيس المكتب السياسي في “حماس” موسى أبو مرزوق.
وتزامن وصول الرجلين الى بيروت في وقت واحد، وقد استغل بري هذا الامر وعمل على لقائهما في جلسة واحدة بعد جهد بذله في هذا الشأن. وكان الرجلان التقيا في أحد فنادق بيروت ولم يتمكنا من تذليل نقاط الخلاف بين القيادتين والتي ارتفع منسوبها في الاشهر الاخيرة، الامر الذي انعكس سلباً على حكومة رامي الحمد الله التي حملت عنوان “الوفاق الوطني” لكنها لم تستطع تنفيذ المخطط الذي وضعته. وبقيت المشادات الاعلامية والسياسية على وتيرتها بين غزة ورام الله. وتزامنت هذه الازمة مع انقطاع العلاقة بين “حماس” والقيادة السياسية في القاهرة بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى سدة الحكم واطاحة “الاخوان المسلمين” وزج الرئيس محمد مرسي خلف قضبان السجن.
وكان بري الذي يحرص على استقبال الفلسطينيين في وفد مشترك و”اجبار” قياداتهم في لبنان على هذا الامر، قد استقبل في البداية الاحمد. وبعد خروجه من عين التينة حضر أبو مرزوق وخاض بري معهما في المواد الخلافية التي تحكم العلاقة بين الطرفين والتي تمتد “شظاياها” وتشعباتها من عمق الاراضي المحتلة الى آخر دسكرة يقطنها اللاجئون بسبب انعدام فرص التوافق والتفاهم والتي يدفع ضريبتها أبناء شعبهما وسط حال من الرخاء والاطمئنان السياسيين التي يعيشها الاسرائيليون من جراء هذا المشهد وتمكّن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من فرض شروطه على الفلسطينيين ولا سيما بعد نجاحه في انتخابات الكنيست.
وبعد توصل بري إلى اقناع أبو مرزوق بـ”خريطة طريق” وفتح صفحة حوار جديدة مع “فتح”، جرى اتصال بالاحمد الذي عاد على جناح السرعة الى عين التينة، وشدد رئيس المجلس أمام أعضاء الوفدين على عدم السير في سياسة كيل الاتهامات المتبادلة والسعي الى الاتفاق على نقاط مشتركة يجري العمل عليها، وان لا تبقى في اطار الصالونات السياسية وتنفيذها للخروج من انفاق هذه الازمة.
واستغرب بري كيف يقدم نتنياهو على تشكيل حكومة وتحصين الخريطة السياسية الاسرائيلية وقت تغرق الحكومة الفلسطينية بالمشكلات، ولم ينقصه إلا القول للوفدين: “لماذا لا تتعلمون من العدو؟”.
ولم تخفِ السلطة الفلسطينية في رام الله الشكوى من انها لا تستطيع ان تمارس صلاحياتها كاملة في غزة وان “حماس” تتصدى لها وتقف في وجه ما تعمل على تنفيذه. وترى الحركة في المقابل ان الحكومة لا تقوم بدفع رواتب الموظفين الغزيين الذين لم يستطيعوا الحصول على مستحقاتهم المالية. وتعترض “فتح” على الحشو الذي تقدم عليه “حماس” في هيكلية الموظفين وتكبيد الخزينة خسائر مالية كبيرة.
وركزت المسودة التي قدمها بري بحسب معلومات لـ”النهار” على الآتي:
– العمل على تحقيق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وتنفيذ الاتفاقات السابقة التي أبرمت في هذا الشأن.
– تشكيل لجنة مستقلة وحيادية تتابع ملف الموظفين في غزة والضفة ايضاً بغية الانتهاء من هذا الملف.
– السعي الى اطلاق لجنة الاطار واعادة احيائها بغية ترتيب اوضاع منظمة التحرير الفلسطينية. وسبق للطرفين أن بحثا في هذا الموضوع أكثر من مرة في القاهرة منذ أيام الرئيس السابق حسني مبارك وصولاً الى الايام الاخيرة من عهد مرسي في الحكم.
ويأمل بري أن ينقل الطرفان مشروع هذا الاتفاق الى الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لـ”حماس” خالد مشعل.
وكانت رسالته النهائية الى الوفدين، الطلب منهما الذهاب الى مصر والافادة من موقعها والاجتماع في رحابها أو في أي دولة عربية أخرى للانطلاق في سياسة فلسطينية جديدة بدل هذا التنافر الحاصل في الحكومة.
ولم يقطع الطريق عليهما في حال سدت الآفاق أمام القيادتين في اي بلد عربي، إذ أعلن استعداده لاستضافتهما في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة أو أي فندق في بيروت إذا صدقت أقوال ما اعلنا عن تطبيقه للخروج من الازمات التي تعصف بالشارع الفلسطيني، من غزة الى رام الله مروراً بعين الحلوة وصولاً الى مخيم اليرموك الجريح في دمشق، وسط تفرج الاسرائيليين على هذا الانقسام الذي يخدم مشروعهم في التضييق على الفلسطينيين الذين يحاصرون أنفسهم هذه المرة بفعل شريط خلافاتهم.