خالد مجاعص
من كان ليصدّق أنّ الشانفيل الذي خسر مباراته الأولى في الفاينل فور أمام الرياضي بفارق كبير جدّاً، سيحوّل تلك السلسلة من النصف النهائيّ إلى معركة طاحنة لم ولن ترحم في جولاتها أيّاً من أبطالها. فبعدما جدّد الشانفيل مساء أمس الجمعة فوزه على الرياضي، وأسقطه للمرّة الأولى هذا الموسم في عقر دارٍه وداخل قلعته في المنارة بنتيجة 75-71، ها هو يخلط أوراق البطولة، ومعها يقلب المعادلات ويسقط مقولةَ أنّ مارد المنارة في وادٍ والآخرون في وادٍ آخر.
نعم، قدّم الشانفيل مساء الجمعة درساً في كرة السلّة حتّى إلى مراقبي اللعبة، وهو أنّه ليس فقط بالأسماء الرنّانة والميزانيّات الضخمة تأتي الانتصارت. فأبناء ديك المحدي قلّصوا من المنارة نتيجة السلسلة إلى 2-3 بتسجيلهم الفوز على الرياضي، بعدما كانت الأخطاء التحكيميّة حرمتهم من الفوز في المباراة السابقة (المباراة الثالثة من السلسلة التي أقيمت في ديك المحدي يوم الأربعاء الماضي).
فما هي الأسباب التي أدّت إلى فوز الشانفيل مرّة جديدة على الرياضي؟ وكيف سقط فريق المنارة للمرّة الأولى منذ بداية الموسم داخل قلعته وبين جمهوره؟ للإجابة على تلك الأسئلة، علينا التوقّف مع النقاط التالية:
– من ناحية الفريق المتنيّ، أظهر الشانفيل منذ المباراة الثانية عن روحٍ قتاليّة رائعة واستبسال كبير للاعبيه على كلّ كرة.
– كذلك، فإنّ مدرّب الشانفيل غسّان سركيس وجد وفي الوقت الحاسم من الموسم، التجانس الكامل داخل تشكيلته. فقد وجد الشانفيل الـrotation المؤلّفة من سبعة لاعبين وهم: روني فهد، كارل سركيس، نديم سعيد، باسل بوجة، نديم حاوي، إضافة إلى لاعبيه الأجنبيّين نيكولوس وديشوون سيمز. وبهذا، يكون الشانفيل قد وجد فريقاً متجانساً قوامه سبعة لاعبين يعرفون مهامهم على أرض الملعب، ويطبّقون خططهم الجماعيّة بطريقة رائعة.
– أظهر فريق الشانفيل في مبارياته الثلاث الأخيرة عن قوّة دفاعيّة ضاغطة أحكم من خلالها السيطرة على مفاتيح الرياضي الهجوميّة، التي لولا تألّق فوق العادة لفرعونه اللبنانيّ اسماعيل أحمد وعملاقه الأميركيّ إليجيا هولمان، لكانت السلسلة محسومة لمصلحة فريق الشانفيل.
– يبقى أيضاً من ناحية الشانفيل أنّ رهانه على روني فهد جاء في محلّه، فالنجم اللبنانيّ الذي كان حاسماً في السابق في المشاركة الفعّالة في قيادة منتخب لبنان في مناسبتين إلى نهائيّات بطولة العالم في كرة السلّة، عاد هو نفسه روني فهد الذي في إمكانه بسرعة البرق قلب معادلات أيّ مباراة مهما علا شأن الخصم فيها. فالفهد الذي لم يجد أيّ فريق يخوض معه غمار البطولة، أعاد في البلاي أوفس عقارب الساعة إلى الوراء، فارضاً نفسه كأحد الأفضل في البطولة اللبنانيّة.
– من ناحية فريق الرياضي، وعلى الرغم من تفوّقه الواضح على خصمه، خصوصاً الهجوميّة مع 18 لمصلحة الرياضي، مقابل 8 للشانفيل، إلّا أنّه في المقابل كشف عن نقاط ضعف أو عدم تجانس في ركائز عدّة أبرزها:
– غياب التجانس في شكل واضح حيث أنّ المدرّب سلوبودان سوبوديتش وصل إلى الحسابات التي كان يخشاها، وحاول من خلالها إيصالها إلى إدارته أنّ كثرة الأسماء الرنّانة والنجوم ليست في الضرورة الحلّ الأنجح. فعلى المقولة اللبنانيّة “كثرة الطبّاخين نزعت الطبخة”، انكشفت إلى العلن أنّ كثرة النجوم في المنارة تحوّلت من ميزة إلى مشكلة.
– ضربة المعلّم الذي حقّقها نادي الرياضي بتعاقده مع التايغر اللبنانيّ فادي الخطيب بعد نهاية مشواره الصينيّ أظهرت علامات استفهام في الفاينل فور حول مهامه الحقيقيّة في الفريق الأصفر ومدى تجانسها مع طريقة لعب تشكيلة الرياضي. ففادي الخطيب الذي يعشق استحواذ الكرة وأخذ المباراة على عاتقه، وعدم اعتياده طوال السنوات الطويلة أن يجلس ولو لدقائق على مقاعد الاحتياط، ها هو في تلك السلسلة يشعر بأنّه ليس هو قائد الفريق أو على الأقلّ القائد الوحيد على أرض الملعب.
– أرقام فادي الخطيب في المباراة الأخيرة، تظهر عدم تجانسه مع الفريق، حيث جاءت نسبة صفر من ستّة عن الثلاثيّات وخمسة من عشرين عن بقيّة المسافات في نسب تطرح علامات استفهام كبيرة حول مستوى الخطيب في هذه المرحلة مقارنة بالمستوى الرائع الذي قدّمه في البطولة الصينيّة.
– تنوّع تشكيلة الرياضي في شكل واضح خلال مجريات الفاينل فور أضعفت الطاقات الدفاعيّة الرائعة للرياضي (خصوصاً الثلاثيّ جان عبد النور، أحمد ابراهيم وعلي محمود)، حيث أنّ القوّة الدفاعيّة الهائلة لهذا الثلاثي لا تكون هي نفسها مع وجود الثلاثيّ وائل عرقجي الرائع إنّما يفتقد إلى خبرة الثعلب علي محمود، وفادي الخطيب وجيريمايا مايسي الذي ظهر واضحاً بأنّه بعيد عن مستوى الأسلوب الدفاعيّ المطلوب من سوبوديتش.
يبقى في الختام، أنّ معركة الليلة في ديك المحدي قد لا تكون الأخيرة في السلسلة المجنونة بين الرياضي والشانفيل، حيث أنّ على الفريق المتنيّ الذي برهن أنّه فريق عنيد ولا يستسلم، وأنّه عن حقّ فريق يحسب له ألف حساب أن يفرض نفسه في شكل أفضل على الريباوند، خصوصاً في منع الرياضي من استحواذ الريباوند الهجوميّة، لكي يجدّد انتصاره على عملاق المنارة، بينما على الفريق الأصفر للفوز، العودة إلى الأسلوب الدفاعيّ الضاغط، والدفع باللاعبين المقاتلين، وليس بالضرورة على الأسماء الرنّانة، إذا كانت غير موفّقة. ويبقى أنّ الفائز إلى اليوم في تلك السلسلة هو جماهير كرة السلّة التي أيقنت أن هذا النصف النهائيّ قد يكون النهائيّ الحقيقيّ لبطولة لبنان لهذا الموسم.