IMLebanon

بزنس المزارع..العولمة الليبرالية في القطاع الزراعي

BusinessDansLePre
تُشكّل «المنافسة في العصر الليبرالي المعولم السائد اليوم » أحد الأسس الأكثر فاعلية. المنافسة في الأسواق، وعلى الأسواق، قبل كل شيء والتي طالت مختلف النواحي والنشاطات متجاوزة بذلك مجالها التقليدي الرئيسي المتمثّل في الصناعة. وفي المحصّلة المنافسة في سبيل كسب أكبر قدر ممكن من الأرباح في عالم «البزنس» المسيطر اليوم.

«البزنس في المزارع»، هو عنوان كتاب «اوريلي تروفي» الباحثة الاقتصادية الفرنسية المتخصصة في المسائل المتعلّقة بعالم الزراعة عامّة وبالصناعات الغذائية ــ الزراعية بشكل خاص. وهي تقدّم فيه نوعا من «المرافعة» من أجل حماية المنتجات الزراعية من قوانين السوق التي تذهب في اتجاه خدمة الصناعيين «الكبار» على حساب المنتجين «الصغار».

الفكرة الأساسية التي تدور حولها تحليلات هذا الكتاب يمكن أن تلخّصها الجملة التالية: «ينبغي منع المنافسة من اجتياح عالم زراعتنا»، كما تكتب المؤلّفة. وهي تقوم أوّلا بطرح عدد من الأسئلة مثل: ما هو مستقبل الزراعة؟

وهل تتحوّل المزارع إلى مصانع التي تتمثّل مادتها الأوليّة الأساسية من آلاف الأبقار وغيرها من الحيوانات ذات الأغراض الصناعية؟ وهل تذهب الأسواق نحو إنهاء أيّة عمليات ضبط في عملها؟ وهل..وهل..؟

وتعتمد المؤلفة في تحليلاتها على شرح مجموعة من المسائل «الميدانية» التي يعرفها القطاع الزراعي الأوروبي بشكل عام. ذلك مثل مسألة «نظام حصص منتجات الحليب»، حيث اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا بإلغاء هذا النظام. وما يعني بالنسبة للمؤلفة «زيادة في عدم ضبط آليات عمل الأسواق في هذا القطاع».

والإشارة أن هذه الأسواق في قطاع منتجات الحليب كانت قد عرفت خلال السنوات الماضية قدرا كبيرا من الاستقرار بفضل تبنّي نهج «السعر الأدنى المضمون» بالنسبة للمنتجين، وكذلك بفضل تحديد «سقف أعلى من الإنتاج بالنسبة لكل بلد أوروبي».

تشرح المؤلفة أيضا أنه لم يتم الانتقال «كثيرا» حتى الآن، في بلد مثل فرنسا، من نمط «الاستثمار العائلي:» لانتاج الكثير من المنتجات الزراعية الغذائية إلى صيغة «المزارع ــ المصانع». ذلك أن «توظيف اليد العاملة » لا يزال متواضعا جدا. لكن مثل ذلك الانتقال يجد في السياق الحالي مناخا ملائما.

وتحديد القول انه في اللحظة التي يغدو فيها «العمل المأجور أكبر وأهمّ من العمل العائلي سيتم التخلي عن النموذج السائد اليوم». ومن النتائج التي تؤكّد المؤلفة على أنها تشكّل بالوقت نفسه «تحديا» حقيقيا بالنسبة لمستقبل الزراعة هناك «شبح التمويل» الذي يمكن أن تدخل من خلاله المجموعات المالية العالمية الكبرى والبنوك وغيرها إلى القطاع الزراعي و«الهيمنة على قسم من الثروة الزراعية».

وتعيد المؤلفة جذور صعود رأس المال «الحر» إلى نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي. نقرأ: «في عام 1979، عام ولادتي وصلت مرغريت تاتشر إلى الحكم في بريطانيا ثم تبعها رينالد ريغان في الولايات المتحدة الأميركية وقد قاما معا بتبديل قواعد الاقتصاد المالي وشجّعا وصول العالم المالي إلى السلطة».

يبقى الرهان «الحيوي» بالنسبة للقطاع الزراعي في أوروبا، كما تصوغه المؤلفة، هو أن يتم امتلاك «أدوات ضبط الأسواق» بحيث يستطيع المنتجون تأمين دخل مستقرّ وثابت. ذلك أن عدم تأمين الاستقرار يعني القبول بسيادة «منطق المدى القصير» الذي لا يسمح بصياغة مشاريع مستقبلية حقيقية.

هذا دون إهمال رهان آخر يتمثّل في «التجديد» إلى جانب تبنّي مبدأ «المساعدات التي تتغير تبعا للأسعار وتبعا لدخل المزارعين وليس تبعا للمساحة»، أي تبنّي الأسلوب المطبّق اليوم في الولايات المتحدة الأميركية.

والإشارة في هذا السياق الختامي أن أوروبا هي وحدها في العالم الغربي التي لا تزال «تتابع إزالة الضوابط إلى الحد الأقصى في قطاعها الزراعي». هذا في الوقت الذي فهم فيه «الآخرون» أن «آليات الأسواق الحرّة ليست صالحة بالنسبة للقطاع الزراعي».