ناتاشا بيروتي
لم يشهد الاقتصاد اللبناني انتعاشاً في الثلاثة اشهر الاولى من العام2015 بل كان قاتماً بكل قطاعاته ومن المتوقع ان يستمر الوضع على ما هو عليه في الاشهر المقبلة.
كل ذلك يعود الى النمو الضعيف وتزايد مشكلات القطاعات الخدماتية، والسياحة والتجارة، وتزايد جمود القطاع العقاري، واحتواء الدين العام وعجز المالية العامة.
وخلال حديث لـ «الديار» مع الخبير الاقتصادي البرفسور اسكند كفوري اكد لنا ان التحديات الإقتصادية في لبنان، كثيرة ومتشعبة كما لم تكن في أي يوم من الأيام. ذلك إن كل القطاعات الإقتصادية تعاني حالياً الأسوأ مع إستثناءات نادرة. فإذا أخذنا القطاعات الفاعلة والأساسية، كالقطاع الصناعي على سبيل المثال، التي تشكل مساهمته في الناتج المحلي حوالى 11 بالمئة، هو في تراجع اليوم بسبب المنافسة القوية للبضائع المستوردة وعدم وجود سياسة إقتصادية، كما أن القوانين المعتمدة في لبنان، غير مساعدة ابداً، إضافة الى بنية تحتية ضعيفة للغاية، ووجود محاربة من الصناعات الأجنبية، عدم حماية للصناعة المحلية، عدم إهتمام الدولة بإيجاد أسواق لتصريف المنتجات الصناعية، إضافة الى اجتياح يد عاملة رخيصة غير لبنانية وغير خبيرة للمصانع، سوء التمويل الصناعي وعدم وجود قروض صناعية منظمة ومسهلة من الدولة، إضافة إلى مشكلة الكهرباء المزمنة في لبنان وارتفاع أسعارها، إرتفاع أسعار المحروقات وضعف الإستثمارات الخارجية بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المتردية في لبنان والمنطقة. اضافة الى إفتقار الصناعة إلى الإعفاءات الضريبية، وإلى المؤسسات الريفية التي تبقي الفلاحين في قراهم. ويضيف كفوري الرسوم الجمركية على المواد الأولية وعلى السلع الوسيطة المستخدمة في الصناعة. والتراجع في الصادرات الصناعية إلى الأسواق الخارجية بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان والمنطقة ومشكلة إنقطاع المسالك البرية الخارجية عبر الأراضي السورية.
} القطاع الزراعي }
أما القطاع الزراعي فيشير كفوري الى ان مساهمته لا تتجاوز الـ 6 بالمئة من الناتج المحلي. وبالرغم من تمتع لبنان بمناخ متوسطي معتدل ملائم، إلا أن محدودية الأراضي الزراعية وتراجع مساحاتها بعد زيادة العمران، وزيادة قضم الأراضي الزراعية دون توفر أي خطط علمية، أثر بشكل كبير على تطورها إضافة الى عدم وجود رعاية من الدولة لتطويرها واستمرار اعتماد الأساليب الزراعية القديمة ونضوب المياه الجوفية وتلوثها، وعدم وجود خطة لاستصلاح أراض زراعية جديدة وعدم وجود سياسة رشيدة لاستخدام الاسمدة والمبيدات. عدم وجود قروض زراعية ورعاية من تعاونيات مدعومة من الدولة. عدم وجود حماية جمركية وروزنامة زراعية دائمة، افتقار القطاع للإستثمارات الحكومية كما وافتقاره للاستخدام الرشيد للكيماويات، عدم توفر المساعدات التقنية والمادية. كل ذلك يؤثر بشكل سلبي على هذا القطاع خاصة وان لبنان يستورد ما يفوق الـ 75% من حاجاته الزراعية بالرغم من تمتع لبنان بكل المزايا التي تسمح له بان يؤمن إكتفاءً ذاتياً زراعيا، حتى وتصدير ما يفيض من منتجاته الزراعية.
} القطاع السياحي }
وبالنسبة للقطاع السياحي يؤكد انه بالرغم من ان لبنان بلد سياحي بامتياز ولديه شبكة غير سيئة من الخدمات السياحية كما والأماكن السياحية والأثرية والتاريخية، وتميزه بمناخه وتضاريسه وطبيعته الخلابة من بحر وجبال وأنهار، تضعه في موقع متقدم عن الدول العربية المحيطة به، إضافة ألى أن غالبية المواطنين اللبنانيين يحسنون التكلم بلغات أجنبية عديدة تسهّل على السائح الأجنبي الحركة والتأقلم، فان لهذا القطاع مشاكل مزمنة وهي شهدت في الفترة الأخيرة إزدياداً ملحوظاً، ولا سيما إنخفاض عدد السياح العرب والأجانب، وكذلك في عدد السياح اللبنانيين المقيمين في الخارج، وذلك مرة أخرى بسبب الأوضاع الأمنية في الدول المجاورة. وقد تأثر لبنان بذلك بشكل كبير. كما والمنافسة المستجدة للعمال الأجانب ودخولهم بقوة إلى قطاع المطاعم والمؤسسات السياحية. وبالرغم من التطور الكبير في قطاع الخدمات السياحية في العقود الأخيرة في لبنان ولكن حتى هذا القطاع أصيب بأضرار كبيرة نتيجة المشاكل الأمنية وعدم الإستقرار. فقد تراجع إشغال الفنادق في لبنان بدرجة كبيرة.
وبالتطرق إلى الأزمة الكهربائية في لبنان، فيقول كفوري: حدث ولا حرج، فمنذ أكثر من أربعة عقود يعاني لبنان انقطاعاً دائماً في التيار الكهربائي، وهذه حالة فريدة من نوعها في العالم وحتى في الدول المتخلفة منه، ما يؤثر كثيرا على كل القطاعات الإقتصادية. فكما هو معروف فإن الكهرباء هي عصب الإقتصاد ومحوره، فلا زراعة ولا صناعة ولا سياحة ولا شيء من دون كهرباء دائمة ورخيصة. فالكهرباء في لبنان هي من الأغلى إضافة إلى إضطرار اللبناني لاستخدام كهرباء رديفة (إشتراكات المولدات) الغالية الثمن والتي تضاعف من فاتورة الإستهلاك إن كان على القطاعات الإقتصادية كافة أو على المواطن العادي والبسيط.ورغم زيادة الإنفاق العام على الكهرباء في السنوات الأخيرة، فان وضع الكهرباء في تدهور كبير، كما وتراجعت معدلات التغذية وهناك عجز كبير في مؤسسة كهرباء لبنان، وأعطال مستمرة وتناقص في قدرات معامل الإنتاج الكهربائية بسبب قدمها وعدم تحديثها. إهتراء خطوط النقل والتوزيع، والفساد في الإدارة، التعديات على الشبكات والسرقات والأضرار التي أصابت الشبكة، كما وزيادة الطلب على الإستهلاك مع زيادة عدد السكان في لبنان إثر تدفق أكثر من مليوني لاجىء سوري. ورغم إنفاق أموال طائلة على هذا القطاع، إلا ان النتائج جاءت مخيبة للآمال، كما هناك سياسة متعمدة تهدف إلى تفقير هذا القطاع من أجل تخصيصه وتمليكه للقطاع الخاص.
} قطاع المياه }
قطاع المياه هو من أهم القطاعات في لبنان بسبب حاجة اللبنانيين الماسة للمياه وعدم وجود بديل آخر لها. ومشكلة المياه مشابهة بشكل أو بآخر لمشكلة الكهرباء في لبنان.فلا وجود لخطة مستدامة لترشيد إستخدام المياه، كما لا وجود لخطط لبناء سدود جديدة تمنع من تسرب المياه من الجبال وهدرها من خلال عودتها إلى البحر، عدم تطوير الشبكات القديمة التالفة إضافة إلى ازدياد الإستهلاك مع زيادة عدد السكان في لبنان إلى أكثر من 5 ملايين نسمة ووجود اللاجئين السوريين باعداد كبيرة. عدم ترشيد الإستخدام. فلبنان الذي يعتبر موطن المياه وتعتبر المياه ثروته النفطية وهو الدولة العربية الثالثة في كمية المياه، يعاني من شح في المياه، فإذا كانت مياه لبنان هي ثروته النفطية فالأجدى به المحافظة عليها والحد من إهدارها ووضع الخطط الكفيلة بزيادة كمياتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي للمواطنين.