في وقت أغلق فيه المعدن الأصفر (الذهب)، دون مستويات الـ1200 دولار للأونصة في ختام تعاملات الأسبوع، بات كثير من المستثمرين يخشون استمرار نزيف الأسعار، وهو الأمر الذي سيفقد المعدن الأصفر ميزة «الملاذ الآمن»، كما يطلق عليه الكثيرون.
وأشار مختصون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن ما يحدث حاليًا في سوق الذهب العالمية هو نتيجة للمضاربات العنيفة، إلا أنهم قللوا من تأثير هذه المضاربات على حركة البيع في السوق السعودية، خصوصًا أن الفترة الموسمية لمبيعات الذهب بدأت تقترب، في ظل اقتراب موعد الإجازة السنوية التي تكثر فيها مناسبات الأفراح من جهة، وفي ظل اقتراب عيدي الفطر والأضحى من جهة أخرى.
وتوقع المختصون تراجع سوق الذهب على المدى البعيد، في ظل توقعات ببروز منافسات جديدة كالألماس والأحجار الكريمة، فضلا عن عدم قدرة العالم على الاستغناء عن حاجته للبترول ومنتجاته، مشيرين إلى قدرة السعودية على تحقيق التوازن في الإنتاج وتحديد السعر العادل.
وفي هذا السياق، قال يوسف المسعري وهو محلل ومراقب لحركة سوق الذهب: «مع أن أسعار البترول في حالة تذبذب انخفاضا وارتفاعا، ولكن انخفاض أسعاره في الفترة الأخيرة، حفز الجهات التي لا تمتلك نفطا بالتوجه لاحتياطاتهم من الذهب كملاذ آني، للاستثمار به في سوق النفط قبيل ارتفاع أسعاره».
ولفت المسعري إلى أن هذا الواقع صنعته جهات تتلاعب في الأسواق العالمية، أرادت أن تكسب فارق السعر ولو على المدى القصير جدا، قبل أن تعود إليه قبيل ارتفاع سعر البترول هو الآخر، مؤكدا أن البترول هو الهدف الرئيسي لدول العالم بشكل عام أكثر من الذهب.
وأوضح أن هذا الوضع غير المستقر نوعا ما، أبرز حالة من اضطراب السوق العالمية التي تلعب على حبلي الذهب والنفط كقطبين متنافرين، ومحافظ ملاذية بالتبادل بين الفينة والأخرى، مشيرا إلى أن السوق السعودية ليس لها دور في ذلك، كما أنها لا تتأثر على مستوى سوق الذهب.
وأكد المسعري أن وضع السعودية كمنتج رئيسي للبترول وكلاعب رئيسي في خلق السعر العادل على مستوى السوق العالمية، سيظل هو المعزز الأول والأخير لوضعيات السوق العالمية، غير أنه في نفس الوقت يعضد من وضع المملكة الاقتصادي، كون أن النفط يظل هو السلعة الأهم والأكثر طلبا لأكبر مدى من الزمن على خلاف الذهب.
وتوقع تراجع سوق الذهب وانخفاض أسعاره مع مرور الأيام، في ظل بروز منتجات يرى أنها أكثر منه أهمية مثل الألماس والأحجار الكريمة والنفائس الأخرى النادرة، التي قد تزدهر سوقها مستقبلا، متوقعًا هبوط سوق الذهب على المدى البعيد، ودخول منتجات معدنية أخرى ستكون هي الملاذ الأكثر آمانًا منه.
ولفت المسعري إلى أن الذهب كان يقف عند نقطة دعم قوية على 1200 إلى 1250 دولارا للأونصة، وقال: «إذا تعدى الذهب هذه النقطة ومن ثم أخذ مسارا نحو الارتفاع، فإنه سيحفز العاملين في سوقه للنشاط في بيعه فيما يعرف بتبديل المحافظ»، مشيرا إلى أنه على مدى شهر كامل شهدت الأسواق العالمية تذبذبا في أسعار النفط والذهب بشكل عكسي.
من جهته، أكد حسين الخليفة مستثمر سعودي في سوق الذهب، أن هناك تبادل أدوار في الأسعار بين البترول والذهب في الأسواق العالمية، غير أنه من الصعوبة بمكان توقع ما سيؤول إليه الحال لكليهما في ظل توافر أسباب جيوسياسية، مشيرا إلى أنها هي التي تحدد متى يدخل المستثمر في لعبة المضاربة ليتحول من الذهب إلى البترول أو العكس.
وعلى مستوى سوق الذهب في السعودية، يرى خليفة أنه لا يتأثر كثيرا بالمضاربات في الأسواق العالمية، نسبة لأن المنتج الرئيسي والأهم في السعودية برأيه هو البترول الذي يُعد السلعة الأهم في نفس الوقت لدى المستهلك على مستوى العالمي.
ولفت خليفة خلال حديثه إلى أن السعودية لها القدرة على معالجة السعر العادل للبترول سواء من خلال زيادة الإنتاج أو تشريعات أخرى مساندة، وقال: «وعليه فإنه ليس هنالك أهمية كثيرة لتذبذب أسعار الذهب على مستويات نمو الاقتصاد في السعودية».
وقال خليفة «على الرغم من التضارب في الأسعار بين سلعتي الذهب والبترول، غير أن سوق الذهب في السعودية يتمتع بملاءة جيدة ويحتفظ بأسعار توازن بين العرض والطلب».
ونوّه خليفة إلى أن الذهب الرجيع والمستخدم حرك سعر الجرام بين 127 و129 ريالا (33.8 و34.4 دولار)، مضيفًا «حركة السوق عالميا تتحكم فيها عوامل أهمها ارتباط سعر الدولار بسعر الذهب وبالتالي التأثير في أسعار ونمو سوق الذهب».
في الإطار نفسه اتفق المحلل الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات والاستشارات في جازان غرب السعودية، مع ما ذهب إليه المسعري بأن هناك جهات دخلت السوق وهي تمتلك محافظ كبيرة، تضارب في السوق وتلعب على حبل انخفاض وارتفاع سعري الذهب والبترول بشكل عكسي.
ولفت باعشن إلى أن تلك الجهات التي تتلاعب وتضارب في السواق العالمية، تحاول انتهاز فرصة انخفاض سعر البترول، الأمر الذي يحفزها لبيع أكبر حصة لها من الذهب وهو في حالة تصاعدية، للدخول به في سوق النفط لصناعة أكبر احتياطات نفطية، كونها جهات لا تمتلك النفط ولا تنتجه.
وتوقع باعشن بروز منتجات أخرى غير الذهب تتحكم في الأسواق العالمية، أولها النفط والصناعات ذات الصلة، متوقعا انخفاض سعر الذهب إلى أقل من آخر سعر هبط إليه، معزيا ذلك لتكدس احتياطات ذهب كبيرة على مستوى العالم، في ظل توقعات وجود منتجات أخرى مثل البتروكيماويات والمنتجات النفطية بشكل عام، ومعادن أخرى نفيسة محله تجعل من الذهب سلعة ثانوية مع مرور الزمن.
وتأتي هذه التطورات بعد أن كسر المعدن الأصفر «الذهب»، مستويات 1200 دولار للأونصة هبوطًا خلال تعاملات الأسبوع الأخير، إذ أغلق في نهاية تعاملات يوم أول من أمس الجمعة عند مستويات 1187 دولارًا للأونصة، وسط بوادر انخفاض أسعار الذهب، في حال استمرار تحسن أسعار النفط.