Site icon IMLebanon

مع خروج مصارف عربيّة وأجنبيّة من لبنان…دبي تحلّ مكان بيروت كعاصمة ماليّة عربيّة


جوزف فرح

هل اقتنع المسؤولون في لبنان ان مركز لبنان المالي والمصرفي قد انتقل الى مدينة دبي الاماراتية في ظل الخروج المصرفي والمالي العربي والدولي المستمر من الاسواق المالية اللبنانية، وهل اصبحت هذه الاسواق غير مربحة بالنسبة للمصارف العربية والاجنبية لتضطر الى اقفال مكاتبها؟
رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور فرنسوا باسيل يؤكد على هذه النظرية معتبراً ان المسؤولين في دبي واعون على مصالح بلادهم اكثر من بعض السياسيين في لبنان، ويؤيد امين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح ما قاله باسيل من ناحية هذا الانتقال من الاستثمارات وحتى بالتفكير الاستراتيجي، ومثال على ذلك ان مركز دبي المالي العالمي يستقطب حوالى 450 مؤسسة مالية محلية وعربية ودولية من بنك ميد، بينما يعتبر نائب رئيس جمعية مصارف لبنان سعد الازهري الخروج المصرفي العربي والدولي ظاهرة نراها في كل بلدان العالم في ظل القوانين الجديدة وتطبيق معايير بازل ـ 2، معتبراً انها ليست سياسة عامة بل على سياسة معينة تعتمد على سياسة المصرف المعني ووجوده واستراتيجيته والجدوى الاقتصادية من هذه الوجود.
الدكتور فرنسوا باسيل اعتبر ان الخروج المصرفي العربي والدولي يعود الى الاستراتيجية التي تضعها هذه المصارف والجدوى من وجود فروع لها في بلد معين من حيث الربحية والاهمية واعادة النظر برأسمالها وملآتها حسب متطلبات بازل ـ 3 في مقابل قوة المصارف اللبنانية التي اصبحت تضاهي المصارف العربية والاجنبية من حيث موقعها ورأسمالها وعنصرها البشري وامكاناتها، وبالتالي فان هذه المصارف العربية اصبحت تفكر في كيفية العمل ومواجهة السيطرة اللبنانية، بعض المصارف فضّل الخروج بينما البعض الاخر اصرّ على البقاء.
اما بالنسبة لنائب رئيس الجمعية سعد ازهري فاعتبر ان الخروج العربي والاجنبي من لبنان يعود الى السياسة التي يتبعها كل مصرف والاستراتيجية التي يضعها حول الجدوى الاقتصادية خصوصا بالنسبة لحجم ارباحها، مؤكداً ان هناك مصارف عالمية انسحبت من تركيا والاردن والسعودية ومصارف عالمية اخرى دخلت الى هذه الاسواق وذلك حسب تفكير واستراتيجية كل مصرف خصوصاً بالنسبة للارباح التي تبقى دون الامال المعلقة عليها ومردود الاموال الخاصة الموضوعة ليست بالحجم العالمي.
امين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح يعزو الخروج العربي والدولي الى سببين:
السبب الاول تقني يعود الى السياسة التي يتبعها المصرف من اجل تعزيز ملآته ووضوح ميزانيته ودراسته للسوق الموجود فيها، والسبب الثاني هو وجود مخاطر في الدولة الموجود فيها.
وحول وجود اتحاد المصارف العربية في لبنان قال فتوح «نحن نحرص على هذا الوجود حيث ما زالت الاموال والودائع تتدفق الى لبنان بغض النظر اذا كانت مصارف لبنانية او عربية او اجنبية، واذا كان هناك من خروج مصرفي، فاننا نلاحظ دخول مصرفي عربي ايضاً مثل بنك الاستثمار الاماراتي الذي يحقق الارباح في لبنان.
واكد فتوح اهمية وجود اتحاد المصارف العربية في لبنان بفضل رؤساء الاتحاد الذين مروا عليه خلال السنوات الماضية وخصوصاً الرئيسين انور الخليل وجوزف طربية، حيث تعرض الاول لاغراءات لنقل مقر الاتحاد من بيروت الى العراق ومصر، وقيام الثاني بحملة تسويقية ناجحة ادت الى بناء مقر لائق لاتحاد المصارف العربية في لبنان، اضافة الى حكمته في التعاطي مع القطاع المصرفي العربي.
وكان البنك الاهلي التجاري السعودي قد ابلغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نيته اقفال فروعه في لبنان بعدما باتت كلفة تشغيلها اعلى من انتاجيتها وان وجوده لم يعد مدرجاً ضمن استراتيجيته، كما ان بنك تشارتر خرج بعد ان اشتراه سيدرز بنك، ومؤخرآً خرج البنك الاهلي الاردني، الذي اشتراه فرنسبنك.
ومن المعروف ان هناك 13 مصرفاً يسيطر على 70 في المئة من السوق اللبنانية من اصل 70 مصرفاً، مما يؤدي الى تراجع ارباح المصارف الصغيرة والمتوسطة الحجم وبالتالي عدم حماسها للمنافسة وزيادة رساميلها، لان هناك فرقاً شاسعاً بين هذه المصارف والمصارف الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تبقى دون المردود لاموالها الخاصة. ومع ذلك فان هذه المصارف الـ11 تشكو عدم تحقيق الربحية بالنسبة للاموال الخاصة الموضوعة في هذا القطاع حيث تشكل 12 في المئة بينما في دول اخرى بانت تقارب الـ20 في المئة، اضافة الى حيرة القطاع المصرفي اللبناني في كيفية توظيف السيولة الزائدة لديه مع العلم انه يحقق الارباح بالتوظيف في سندات الخزينة وفي القروض للقطاع الخاص، مع العلم ان هذا القطاع يسير على «البيض» لانه يعرف انه يعمل في بلد ظروفه السياسية والامنية والاقتصادية على كف عفريت. ويطبق معايير وقوانين العالم لمكافحة تبييض الاموال والارهاب.
الجدير ذكره ان القطاع المصرفي اللبناني بات اليوم واقعة اساسية للاقتصاد، واثبت وبرهن مرة اخرى عن مناعة كبيرة في وجه التحديات الداخلية والخارجية وعن قدرة واضحة على التكيف مع اصعب الظروف السياسية والامنية والاقتصادية واكثرها تعقيداً، فالنتائج التي حققها القطاع المصرفي اللبناني وان لم تكن على مستوى تطلعات القيمين عليها، تبقى مقبولة وجيدة في ظل الاحداث التي شهدتها البلاد من اضطرابات امنية متنقلة ومن فراغ في سدة الرئاسة الاولى وتعثر كبير في عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية يضاف الى ذلك تلبد الاجواء الاقليمية المنعكسة سلباً على مختلف مجالات الاستثمار في لبنان، بما فيه الاستثمار المالي.
واعلن باسيل ان القطاع المصرفي المؤلف من 70 مصرفاً في نهاية العام 2014 يساهم بحوالى 6 في المئة في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، وهو يستخدم حوالى 24 الف موظف، بينهم 46% من الاناث و73% من حملة الشهادات الجامعية.
يبقى القول انه لا يمكن ان نعيش على امجادنا.. والسباق نحو المستقبل جار على قدم وساق، في الوقت الذي يأخذ السياسيون في لبنان وقتهم فيجمدون الاوضاع السياسية المؤثرة على التفاعل الاقتصادي والاجتماعي، كما ان الصناعة المصرفية تشهد متغيرات في العالم وبالتالي لا يمكن للبنان ان يقف على الاطلال ويندب حظه السياسي المتعثر، صحيح ان القطاع المصرفي اللبناني يتمتع بمميزات مهمة خولته ان يكون مقدمة القطاع المصرفي العربي، بدليل وجود اكثر من 12 مصرفاً ضمن قائمة الـ100 مصرف الاوائل، لكن هذا القطاع لا يمكن ان يعيش في جزيرة منعزلة، لذلك فهو يتكامل مع بقية القطاعات ويتفاعل معها، لكن من المؤكد ان دبي باتت تحتل مكانة بيروت ليس فقط كعاصمة مالية ومصرفية عربية تطل على العالم، بل اصبحت مركزاً سياحياً مهماً بدليل انه في العام المقبل يتجاوز عدد السياح الذين سيأتون الى الامارات العربية اكثرمن 15 مليون سائح بينما نحن ما نزال نتخبط بين المليون والمليوني سائح، كما انها اصبحت مركزاً مهماً للاستثمارات بينما تراجعت حركة الاستثمارات في لبنان.
وهل تسألون بعد لماذا دبي وليس لبنان؟