عدنا إلى عادة جلد المصرفيين. اعتقد الحي المالي في لندن أن الأسوأ قد انتهى في الوقت الذي عمل فيه انتعاش اقتصاد المملكة المتحدة على تخفيض الغضب الشعبي، لكن حملة الانتخابات العامة التي بلغت ذروتها في تصويت الخميس الماضي استمدت طاقتها من استياء طويل وعميق تجاه المهنة التي تسببت في الأزمة المالية.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت جوقة الانتقادات من السياسيين، ووسائل الإعلام، والجمهور تتساوى مع الأيام الأولى للحكومة الائتلافية. ولا يزال كثيرون في الحي المالي يكرهون التحدث بصراحة دفاعا عن أنفسهم، خوفا من أن يعلو الصوت أكثر.
لكن مع مناقشة مصارف مثل إتش إس بي سي وستاندرد تشارترد ما إذا كان ينبغي لها إبقاء مقارها الرئيسية في المملكة المتحدة، والمصارف الخارجية تدرس الانتقال إلى مراكز مالية أخرى، بات بعضهم مقتنعا بأن الانتقاد الأخير من مختلف أنحاء الطيف السياسي سوف يلحق أضرارا طويلة الأجل.
يقول أنتوني براون، الرئيس التنفيذي لاتحاد المصرفيين البريطانيين: “القطاع المصرفي هو إلى حد بعيد صناعة التصدير الرائدة في بريطانيا، وواحد من أكبر دافعي الضرائب، لكن السياسيين بحاجة إلى أن يتذكروا أن لديه قدرة كبيرة على الحركة على المستوى الدولي”.
الدورة السياسية : لماذا تشعر الصناعة أنها تتعرض للضغط؟
بالنسبة لكثيرين الفضيحة والقطاع المصرفي أصبحا شيئين مترادفين تقريبا بسبب سلسلة من التجاوزات القانونية – التلاعب في أسعار الفائدة وفي أسعار الصرف الأجنبي، والغش في بيع التأمين والاستثمارات، وغسل أموال المخدرات، وخرق العقوبات ـ والقائمة تطول.
وليس أمام المصارف سوى أن تلوم نفسها، وهناك حملة شديدة لمعاقبة المؤسسات التي من الواضح أنها كانت خاضعة لقليل من التنظيم في الفترة التي سبقت الأزمة.
مع ذلك، في الأسابيع الأخيرة كانت الانتهازية السياسية واضحة.
الفضيحة المحيطة بالمصرف السويسري الخاص التابع لمصرف إتش إس بي سي كانت تحوم منذ أعوام، لكن، عندما عادت للظهور في شباط (فبراير) اغتنمها السياسيون.
حزب المحافظين اتهم حكومة حزب العمال بترؤس نظام متراخ للرقابة المصرفية. وألقى حزب العمال الكثير من اللوم على رئيس مصرف إتش إس بي سي السابق، لورد ستيفن جرين، الذي انتقل من المصرف ليصبح وزيرا للتجارة في حكومة المحافظين.
استجواب مزدوج للمسؤولين التنفيذيين في مصرف إتش إس بي سي من قبل لجان برلمانية أثار الفضيحة. كما يبدو أيضا أنه زاد من حجم الخطابات السلبية، ليس فقط تجاه مصرف إتش إس بي سي والقطاع المصرفي، لكن أيضا تجاه الحي المالي بالكامل.
السير جيري جريمستون، رئيس مجلس إدارة مجموعة الضغط CityUK، يقول إن هذا الأمر غير عادل ويقوض الصناعة التي تعتبر قوة الاقتصاد البريطاني. “هناك رغبة سياسية للخلط بين سلوك معين من قبل بعض المصرفيين في مصارف معينة وبين صناعة الخدمات المالية ككل”.في الوقت نفسه، كثيرون في الصناعة يشعرون بالإحباط بسبب الاعتقاد أن الفضائح مستمرة، بينما في معظم الحالات ما هي إلا مخالفات تاريخية ظهرت بعد أعوام من وقوع الحدث.
ويدرك معظم رؤساء المصارف أن الصناعة يمكن أن تفعل المزيد لإقناع المتشككين أنها تغيرت. يقول رئيس أحد المصارف في المملكة المتحدة: “نحن بحاجة إلى تكثيف العمل وإظهار قيمة القطاع المالي. وبشكل خاص، نحن بحاجة إلى العمل بجد (…) لبناء الثقة”.
الاتحاد الأوروبي
إذا كان هناك سؤال واحد يثير قلق الحي المالي والشركات الكبيرة في المملكة المتحدة، فهو تعهد حزب المحافظين بإجراء استفتاء على عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية عام 2017 – هذا من الحزب المؤيد للأعمال تقليديا. وظهر رئيس الوزراء على شبكة بي بي سي الأسبوع الماضي، لتعزيز موقفه، قائلا إنه لن يقوم بتشكيل حكومة ويتولى قيادة البلاد ما لم يحصل على حرية مطلقة لإجراء الاستفتاء.
خالد سعيد، الشريك المنتدب في شركة الاستثمارات الخاصة، كابيتال جينريشن بارتنزر، يقول: “لا تستطيع أن تكون مناهضا للاتحاد الأوروبي ومؤيدا للأعمال. كما لا يمكنك أن تكون مناهضا للمصارف ومؤيدا للأعمال. هذه أمور متناقضة”.
سياسة حزب المحافظين فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، التي تأثرت بالضغط المناهض للهجرة من الطرف اليميني في الحزب، تثير قلق أهل المال لسببين. ل المال لسببين. الأول، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من شأنه إلغاء سهولة الوصول إلى السوق الموحدة. والثاني، أنه يجعل من الصعب أكثر استقطاب أفضل الموظفين من أنحاء القارة كافة.
مصدر قلق كبير آخر يتمثل في الضريبة المتزايد – الضريبة على ميزانيات المصارف العمومية. تم رفع مقدار الضريبة التي جرى تطبيقها على نحو 30 مصرفا، على الموجودات البريطانية للمصارف الخارجية والموجودات العالمية لمصارف بريطانية، تسع مرات منذ إدخالها قبل أربعة أعوام. وبعد الزيادة الأخيرة في ميزانية آذار (مارس) إلى 0.21 في المائة، من المتوقع أن تجمع 3.7 مليار جنيه.
يقول أحد المصرفيين الذي كان يعمل بشكل وثيق مع الحكومة: “إذا تحدثت مع موظفي الخدمة المدنية في وزارة المالية، سيخبرونك أنه في الأيام الخوالي، إذا كانت هناك ثغرة في أرقام الميزانية، كان يتم سدها من خلال فرض الرسوم على السجائر والممتلكات. لكنهم الآن يستخدمون فرض الضرائب على المصارف”.
كانت الزيادات السابقة مبررة بسبب رغبة وزير المالية في جمع مبلغ معين – 2.5 مليار جنيه – وهو هدف أصبح من المستحيل تحقيقه مع تقلص الميزانيات العمومية للمصارف.
يقول أحد كبار الشخصيات في الصناعة: “شعر الجميع بالصدمة. هناك شعور بين المساهمين أن هذا كان عملا متهورا”. وآخر يصف إجراء الميزانية بأنه “غير مسؤول”.
معهد الدراسات المالية الاستشاري وصف استخدام مبلغ مستهدف من الإيرادات بأنه “ليس طريقة جيدة لوضع السياسة الضريبية”، مسلطا الضوء على “خطر الاعتماد على هذا مصدرا للنقود”.
وإلى جانب علامة الاستفهام بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي، تعتبر الضريبة مادة رئيسية في مناقشات إتش إس بي سي وستاندرد تشارترد حول ما إذا كان ينبغي لهما نقل مقريهما الرئيسيين إلى آسيا.
تعهد حزب العمال بزيادة الضريبة أكثر من ذلك. في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز” الأسبوع الماضي، لم يشرح وزير مالية حكومة الظل، إد بولز، كيف يتناسب هذا مع قناعته بأن حكومة حزب العمال ستكون عازمة على عدم دفع المصارف خارج بريطانيا عبر السياسات “الجائرة”.
الغرامات والعقوبات
تكاليف التعويضات وغرامات التنظيم بمليارات الجنيهات تعد نقطة حساسة، لكن نظرا لخطورة الفضائح الماضية، فإن عددا قليلا من المصرفيين سوف يشكون علنا.
مع ذلك، كثيرون يعبرون عن استيائهم في القطاع الخاص، ولا سيما بشأن خطة التعويض المستمرة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بالغش في بيع تأمين التأمين على الدفعات ومستوى الغرامات المفروضة على ما يجادل البعض أنها تجاوزات بسيطة نسبيا.
وتعهد كاميرون الأسبوع الماضي بأن الغرامات البالغة 200 مليون جنيه المستخرجة من دويتشه بانك سيتم استخدامها لتمويل برنامج من أجل تدريب 50 ألف متدرب، أضاف بعدا سياسيا جديدا إلى الغرامات. وكان قد تم توجيه بضعة ملايين الجنيهات من العقوبات في السابق إلى الجمعيات الخيرية، لكن المخطط الجديد أكبر وشائك أكثر. قال كاميرون: “هذا الأمر يتعلق بأخذ الأموال من أولئك الذين يمثلون الماضي الفاشل لحزب العمال؛ وإعطائها إلى أولئك الذين من خلال عملهم الجاد وجهودهم يمكنهم تمثيل مستقبل أكثر إشراقا لحزب المحافظين”. كثير من المصرفيين ينتقدون تهكمية هذه الفكرة. لكن عددا قليلا منهم يرى الجانب الإيجابي. يقول أحد مستشاري المصارف: “استخدام غرامات ليبور من أجل أعمال الخير يجعل المصارف جزءا من قصة إيجابية. وهذا أمر نادر الحدوث”. وأزعجت الرسوم المصرفية أجزاء من الحي المالي، لكن السياسات الضريبية الملائمة للأعمال التجارية الخاصة بالمحافظين تعتبر تحلية لائقة، ولا سيما مقارنة بتلك الخاصة بالأحزاب الرئيسية الأخرى. ويريد حزب الديمقراطيين الأحرار رفع الضريبة على الشركات من 20 إلى 28 في المائة للمصارف، رغم أن ذلك بالنسبة لكثيرين قد يكون عبئا من الرسوم. وبتطبيقها على أرباح مصرف إتش إس بي سي لعام 2014، مثلا، ربما يعادل هذا رسوم ضريبية إضافية بمقدار 27 مليون دولار، مقارنة بتكلفة الرسوم المقدرة بـ 1.1 مليار دولار.
لكن ما يسبب الخوف في الحي المالي هو السياسات الضريبية لحزب العمال. فضلا عن إلغاء حالة عدم الإقامة لضريبة الدخل، التي تخفض المسؤوليات لآلاف عمال الحي المالي الذين معظمهم من المولودين في الخارج، وعد ميليباند بـ “ضريبة قصور” على الممتلكات التي تبلغ قيمتها أكثر من مليوني جنيه استرليني – المملوكة بشكل غير متناسب من قبل العاملين في الحي المالي. من ثم، هناك الضرائب المقررة على مكافآت المصرفيين – وهذه سياسة يخشى بعض مديري الأصول الذين هم في المتوسط أفضل أجرا من المصرفيين، أنها ربما تطولهم.
هذا يمكن أن يتفاقم باقتراح زيادة المكافأة التي استعيدت من السنوات السبع الحالية، ما يعني أن المصرفيين المذنبين بسوء السلوك قد يترتب عليهم إرجاع المكافآت التي تلقوها قبل عشر سنوات.
يقول أحد المختصين الماليين المخضرمين الذي قدم النصح للحكومة البريطانية: “من وجهة نظر الحي المالي، هذا التحالف كان متحضرا نسبيا”. لكن إذا كان هؤلاء هم الأخيار – مع رسوم مصرفية باهظة وفرض تعويضات بشكل غير مقيد – إذن ماذا يحدث مع الأشرار؟
“شهد الحي المالي مسارا مذهلا على مدى 15 عاما. يفكر الناس الآن في أنه تقريبا (…) سيتخذ الحي المالي مسارا نازلا”.