كامل عبدالله الحرمي
استهلاك الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي في تزايد مضطرد على رغم انخفاض الإيرادات المالية نتيجة لانخفاض أسعار النفط بنسبة تزيد عن 50 في المئة، فيما يُرجَّح ان تنخفض الفوائض المالية بنحو 300 بليون دولار هذا العام. ولا يزال كم هائل من النفط والغاز والماء والكهرباء يُهدَر من دون ترشيد أو حساب.
والأرجح ان الإسراف لن يتوقف طالما بقيت أسعار الطاقة المباعة للمستهلك في هذه الدول الأدنى مقارنة بدول العالم كلها، فيما يسود رأي بأن رفع أسعار المشتقات النفطية للمستهلكين غير ممكن بحجة ان أسعار النفط في انخفاض فكيف نقنع المستهلك بزيادة الأسعار، وهذه الدول لم ترفع أسعار البيع عندما تجاوزت أسعار النفط العالمية 100 دولار للبرميل. وفيما تدعم الدول الخليجية المواطن في كل المجالات، ألا تستحق الدولة في الوقت ذاته دعماً من المواطن من خلال عدم الإسراف؟
تستهلك السعودية أكثر من 45 في المئة من إجمالي إنتاجها من النفط المكافئ من النفط والمشتقات النفطية والغازية البالغ 13 مليون برميل أي ما يعادل خمسة ملايين برميل من النفط المكافئ، في حين تستهلك الإمارات ما يعادل 55 في المئة من إجمالي إنتاجها من النفط المكافئ البالغ 4.5 مليون برميل يومياً، والكويت نحو 520 ألف برميل من أصل 2.9 مليون تمثل إجمالي الإنتاج اليومي من النفط المكافئ أي 17 في المئة. ويقل الاستهلاك في الكويت عنه في الإمارات والسعودية لأسباب كثيرة منها المساحة والكثافة السكانية الأعلى وعدد المركبات الذي يتجاوز مليوني مركبة في دبي فقط عدا الإمارات الأخرى. وتستهلك السعودية حالياً أكثر 900 ألف برميل من وقود السيارات يومياً فيما عدد المركبات في تزايد.
والأهم من كل هذا معدل استهلاك الكهرباء الذي يكلف كثيراً من المال والطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي حيث تستهلك الكويت نحو 54 ألف جيغاوات – ساعة مقارنة بالإمارات (100 ألف) والسعودية (260 ألفاً). وللمقارنة، تحل مصر عربياً بعد السعودية بـ 142 ألف جيغاوات – ساعة.
لم تبدأ دول الخليج مساعي جدية لإيجاد حلول ووسائل تعليمية وتثقيفية لخفض الاستهلاك والحد منه، علماً أن الزيادة السنوية لاستهلاك الطاقة تفوق خمسة في المئة. ولا تزال دول مجلس التعاون في بداية الطريق على صعيد تطوير مشاريع اقتصادية ستعتمد على استهلاك الطاقة ما يعني الحاجة إلى تدفقات مالية اكبر وأكثر لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
ولم تتخذ الدول الخليجية ما يكفي من الإجراءات الضرورية والوقائية حول كيفية التعامل مع زيادة الطلب المحلي على النفط وفي حال بقاء أسعار النفط عند المعدل الحالي خلال السنوات الثلاث المقبلة. ما هو المطلوب؟ وكيف التعامل مع تراجع الإيرادات المالية؟ وهل من توعية للرأي العام وحلول وآليات ومشاركة جماعية في خفض الاستهلاك ووقف الهدر المتنامي والمتزايد للطاقة؟
لا بد من تعزيز المشاركة الجماعية والتوعية على كيفية خفض المصاريف مثلما فعلت دول أخرى استفادت من كل دولار من انخفاض أسعار النفط فلم تسارع إلى خفض أسعار الوقود والكهرباء للمستهلكين، بل ان الحكومات احتفظت بنحو 15 في المئة من فارق التكاليف بزيادة الضرائب أو بفرض ضرائب جديدة تحت مسميات مختلفة. والمهم أن يتقاسم المواطن والدولة الفائدة المترتبة على تراجع التكاليف كي يتجنب المواطن الإسراف.
السؤال المهم هنا هو: كيف تملك هذه الدول آليات لفرض الضرائب ومن دون تراجع وبتقبل من الناس في آخر الأمر؟ وكيف تستطيع الحكومات تقديم الدور الإعلامي وتفعيله من تنوير مقنع للناس ومن شفافية لمساندة البرامج الحكومية في كسب عواطف الناس وتأييدهم ودعمهم؟
ثمة أمثلة مهمة في دول أخرى على نجاح الحكومات في كسب موافقة الناس وتأييدهم لوقف الهدر بأنفسهم والحفاظ على الموارد الوطنية للأجيال المقبلة. ويمثل انخفاض أسعار النفط عالمياً بأكثر من 50 في المئة وبالتالي انخفاض في المورد الأساسي من المال العام سبباً وجيهاً للبدء بترشيد طال انتظاره.