طوني رزق
في زمن غموض الاتجاهات الاقتصادية الكبرى وفي مقدمتها النمو الاقتصادي الاميركي، وبالتالي سياسة رفع أسعار الفائدة، تبقى تقلّبات الأسعار أسيرة لعبة كبار المستثمرين او اللاعبين الكبار في الأسواق المالية. فالذهب يتقلّب حول مستوى 1200 دولار للأونصة مع توقعات بهبوط كبير او تحوّل نهائي نحو الارتفاع.
وترتبط الفضة مباشرة بتحركات اسعار الذهب، وتبقى ايّ مراهنة على الارتفاع والهبوط في المرحلة الراهنة كلعبة الميسَر بالنسبة لصغار المستثمرين وفرصة لتعيد الصفقات للكبار منهم ويزداد المستثمرون حيرة نظراً الى ارتفاع الديون العامّة في مختلف الدول الغنية والفقيرة مع عجوزات في الموازنات العامة وفي الميزان التجاري، فضلاً عن تقلّبات أسعار العملات والتخوّف من انخفاضات دراماتيكية مناخية لأسعار الأسهم.
كل ذلك يدفع البعض للجوء الى شراء الذهب أو المَيل الى فِعل ذلك، وخصوصاً مع التأخير في رفع اسعار الفائدة الاميركية. وتبقى الدوافع متضاربة واحتمالات الربح والخسارة واردة في هذا الاتجاه.
حتى في اسواق العملات التي تسودها الشكوك الكثيرة والخطيرة بشأن هذه العملة أو تلك، وخصوصاً في ظلّ ما يسمّى بحرب العملات، حيث عمدت عشرات المصارف المركزية في العالم الى تخفيض اسعار الفائدة وضَخّ السيولة في الاسواق لإضعاف سعر صرف عملاتها.
وأصاب ذلك أبرز العملات التي عادة ما كان المستثمرون يلجأون للتوظيف فيها طلباً للأمان او تحقيقاً للأرباح. ومن هذه العملات يذكر الين الياباني الذي يعتبر ملاذاً آمناً كلاسيكياً. لكنه اصبح حاليّاً غير مُجد نظراً للانخفاضات الكبيرة التي سجّلها مقابل العملات الاخرى، وخصوصاً الدولار الاميركي. كلّ ذلك وسط توقّعات بالمزيد من الهبوط، إذ تراجع من نحو 90 يناً للدولار الى 120 يناً مع توقّع تراجعه الى 140.
كذلك الأمر بالنسبة لليورو، وهو عملة رئيسية استطاعت اكتساب ثقة العالم فأصبحت من العملات المعتمدة في تكوين الاحتياطيات الاجنبية من العملات الصعبة الى جانب الدولار الاميركي. غير انّ مستقبل اليورو يبقى معرضاً للمخاطر الكبيرة مع توقعات بإمكانية هبوطه الى 0,9 دولار من 1,13 دولار حالياً وأكثر من 1,40 دولار في العام الماضي.
ثمّ هناك الفرنك السويسري وهو عملة رئيسية تجتذب الكثيرين. غير انّ التحرّك المفاجىء الذي قام به البنك المركزي السويسري لإضعاف هذه العملة، بالإضافة الى اعتماد المصارف السويسرية أسعار الفائدة السلبية أضاعَت الكثير من جاذبيته والجدوى الاقتصادية للتوظيف بالفرنك السويسري.
حتى أسعار النفط المتحركة صعوداً وهبوطاً مع احتمالات لتغيّر اتجاهاتها بين حين وآخر باتت موضع شكوك كثيرة. وكان هبوط الأسعار كَبّد الخسائر الكبيرة للمستثمرين الصغار في أسهم الشركات النفطية بعد تراجع الاسعار من 90 دولاراً وما فوق الى 40 دولاراً ثم فوق الـ 60 دولاراً.
وحتى أسعار الأسهم في مختلف البورصات، وخصوصاً بعد الارتفاعات التاريخية التي تحققت في العام الماضي وما زالت، الأمر الذي دفع الكثيرين للتخوّف من انهيارات مفاجئة في هذه البورصة أو تلك، وتحديداً بعد سلسلة تكسير للأرقام القياسية المرتفعة الجديدة في مختلف البورصات الاميركية والاوروبية والآسيوية.
وفي حين ينطلق المستثمر الصغير والمتوسط من متابعة للتقارير الاقتصادية المؤثرة والسياسات النقدية والاقتصادية والمالية لمختلف الدول، وخصوصاً الكبيرة منها، نظراً للتأثير الكبير بشأن الاحتياطي الفدرالي الاميركي والبنك المركزي الاوروبي وبنك اليابان وغيرهم، فإنّ هذه الارقام الاقتصادية الجديدة تبقى في أيدي كبار المستثمرين أداة للتلاعب بالاسواق وتحقيق الأرباح على حساب صغار المستثمرين.
ويتكبّد هؤلاء خسائر أكبر عندما يتّخذون قرارات إفرادية في الشراء او البيع تِبعاً لتحرّكات الأسعار في الاسواق. وغالباً ما يبيعون بعد تراجع الأسعار ويعمدون الى الشراء بعد ارتفاع هذه الاسعار للحاق بالسوق عندما تتغير الاتجاهات.
ومن الجهة الاخرى، تبقى الارباح المحقّقة من خلال التوظيف في صناديق الاستثمار التي يديرها اختصاصيون محدودة عموماً كذلك الخسائر… من دون أن يعني ذلك انّ هذه الصناديق لا تتكبّد الخسائر الكبيرة بين الحين والآخر.
وعليه، يتوجّب على صغار المستثمرين توَخّي الحذر وتَلمّس التوظيفات المتوسطة والطويلة الأجل تجنّباً لتقلبات الاسعار على المدى القصير. وهذا ما يفعله عموماً المستثمرون الكبار في الاسهم المصرفية أو الشركات الكبرى ذات المصداقية الكبيرة، الأمر الذي تعكسه الدراسات التحليلية المالية لهذه الشركات.
حتى المراهنات على الدولار الاميركي كالعملة الأكثر أمانا والمرشحة للإفادة من أيّ رَفع للفائدة يتعرّض لوابل من التوقعات السلبية المرتبطة بمستقبل الدين العام الاميركي، كما تباطؤ النمو الاقتصادي ومؤخراً نتيجة تراجع أسعار النفط وإغلاق أعداد كبيرة من منصّات الانتاج والشركات الجديدة في هذا القطاع في الولايات المتحدة الاميركية.