وليد خدوري
تتجه أسواق النفط الى الاستقرار عند معدلات سعرية معقولة أكثر، بعد التدهور السريع منذ منتصف العام الماضي. وتشير المعدلات السعرية خلال الأسابيع الماضية الى احتمال ان تتراوح الأسعار ضمن نطاق 50 -70 دولاراً للبرميل، بعد تحسن معدلات الطلب وانخفاض انتاج النفط الصخري والنفط المحصور في أميركا الشمالية. لكن، على رغم انحسار الانتاج في الولايات المتحدة نتيجة تدهور الأسعار، يبقى هناك تحدٍّ مهم أمام منظمة «أوبك» قبيل اجتماع مجلس وزرائها في اوائل حزيران (يونيو) المقبل. اذ ان من غير المعروف حتى الآن ما هو الموقف الروسي من خفض الانتاج. ويحاول كل من الجزائر وفنزويلا اقناع روسيا بقيادة الدول غير الأعضاء في «أوبك» لخفض الانتاج . إضافة الى ذلك، طلبت روسيا لقاء مع مسؤولين في المنظمة في فيينا قبيل الاجتماع، لبحث موضوع خفض الانتاج. وينتظر ان تتوضح الأمور أكثر عندئذ، حول اتفاق محتمل بين الاقطار الأعضاء في «أوبك» والدول غير الأعضاء. وفي حال التوصل الى اتفاق مع روسيا، ستتغير أحوال السوق، ويصبح احتمال تحسن الأسعار أكثر إلحاحاً.
يكمن السبب الرئيس وراء تدهور الأسعار خلال الشهور الماضية، في اصرار السعودية، ومعها بقية أقطار «أوبك»، على ضرورة تحمل كل الدول المنتجة خفض الانتاج مجتمعة. وان كان هناك اختلاف في وجهات النظر، فإن قرار المنظمة اتخذ بالاجماع.
معنى ذلك ان مجلس وزاء المنظمة اتخذ قراراً استراتيجياً مغايراً لسياسات «أوبك» السابقة. كما ان فحوى قرار «أوبك» هو الا تتحمل المنظمة لوحدها مسؤولية استقرار الأسواق، كما كان الأمر سابقاً، اذ يجب ان تتحمل الدول غير الأعضاء مسؤوليتها أيضاً من خلال خفض الانتاج، خصوصاً مع وجود تخمة في الإمدادات وانخفاضاً في الطلب، كما كان الأمر قبل حزيران 2014. إضافة الى ان قرار المنظمة كان موجهاً في الأساس لكل من الولايات المتحدة وروسيا اللتين تعتبران الدولتين الأكثر انتاجاً في العالم، لذا يتوجب عليهما تحمل المسؤولية مع اقطار «أوبك»، بخاصة السعودية.
في باديء الأمر، وفي اجتماع ثنائي بين المسؤولين الروس ووزير النفط السعودي في فيينا قبيل الاجتماع الوزاري الأخير للمنظمة، أبلغ الروس النعيمي رفضهم خفض الانتاج. من ثم، جاء قرار المنظمة بعدم خفض الانتاج من جانب واحد، وانهارت الأسعار. كما شكلت المحادثات مع روسيا خطوة مهمة، اذ ان الغالبية العظمى من الشركات النفطي العاملة في روسيا تقع تحت نفوذ الحكومة، ومن ثم يمكن التأثير عليها من قبل موسكو. اما في الولايات المتحدة، فان كل الشركات المنتجة للنفط الصخري مملوكة من قبل القطاع الخاص، ومن الصعب التفاوض معها جميعاً، ناهيك عن التأثير الحكومي عليها. لذا كان الاجتماع مع الوفد الروسي حاسماً بالنسبة للمنظمة، ما يفسر المحاولات المستمرة خلال الأشهر الماضية من قبل كل من الجزائر وفنزويلا لإقناع روسيا باتخاذ موقف جديد.
اما بالنسبة للولايات المتحدة وكندا، فقد اضطرت شركات انتاج النفط الصخري والنفط المحصور، الى خفض الانتاج بسبب انهيار الأسعار، حيث ان كلفة الانتاج عالية، ما يعزز المخاوف من تحمل خسائر باهظة. وكان التجاوب مختلفاً بين شركة وأخرى، وحقل وآخر. وتشير المعلومات ان تطوير 845 بئراً خلال العام الحالي تم تأجيله، مقارنة بتطوير1571 بئراً نفطية خلال عامي 2013-2014. ونتج عن تأخير التطوير هذا، تقليص انتاج نحو 373 ألف برميل نفط يومياً ونحو 528 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي. وطبعاً، فإن تأخير التطوير هذا لن يحجب هذه الامدادات مستقبلاً، اذ ان من المتوقع تطوير هذه الآبار في حال تحسن الأسواق والأسعار. وهذا يعني بدوره، انتاج هذه الإمدادات عند ارتفاع الأسعار، اي تحقيق أرباح أكبر.
وفي كندا، حيث ينتج السجيل القاري (النفط الرملي) في ولاية «البرتا» ، فقد تم تأجيل انتاج 1.2 مليون برميل يومياً منه، ما يشكل نحو 63 في المئة من الطاقة الانتاجية للنفط القاري التي كان مخططاً لها للأعوام 2017-2018. لكن في الوقت ذاته، لا يتوقع تأجيل تطوير طاقة انتاجية اضافية، اذا استقر مستوى الأسعار فوق 50 دولاراً للبرميل. ويذكر ان معدل انتاج السجيل القاري الكندي هو نحو 2.2 مليون برميل يومياً، بينما تبلغ الطاقة الانتاجية نحو 2.7 مليون برميل، وتتراوح كلفة الانتاج ما بين 30 و70 دولاراً للبرميل.
هذا يعني ان معدلاً سعرياً يتراوح ما بين 50 و70 دولاراً للبرميل، أو أعلى من ذلك مستقبلاً، سيؤدي عاجلاً أم آجلاً الى عودة الانتاجية العالية للنفط المحصور. كما ان الأسواق مقبلة في المدى المتوسط والبعيد على تحديين مهمين. فانتاج النفط المحصور لا يتعدى أميركا الشمالية حالياً، بمعنى ان هذا النفط يستهلك في هاتين الدولتين، ما قلص الصادرات الى الولايات المتحدة في شكل خاص، وخلق التخمة التي ضغطت على الأسواق. لكن هناك محاولات عدة في الولايات المتحدة لتصدير النفط الى الأسواق العالمية، وفي حال الشروع في ذلك، ستبدأ منازلة ثانية ما بين النفط التقليدي وغير التقليدي. كما هناك منازلة ثالثة متوقعة على المدى البعيد، عندما تبدأ دول أخرى انتاج النفط المحصور. ومعروف ان هناك احتياطات ضخمة من هذا النفط في الكثير من الدول.
وبرزت ن خلال العقود الأخيرة تحديات عدة لصناعة النفط التقليدية. الا ان النفط المحصور يشكل تحدياً من نوع جديد. فهو يعتبر سنداً وتحدياً للنفط التقليدي في آن واحد. لأنه من ناحية يؤدي الى اطالة عصر النفط، لكنه من ناحية أخرى يشكل منافسة جدية للنفط التقليدي، بخاصة في الحصص السوقية لكل منهما. هذا يعني ضرورة مبادرة «أوبك» الى اعطاء الاهتمام اللازم والواقعي لهذا المصدر الطاقوي الجديد، وعدم محاولة تغاضيه، كما حصل في السنوات الأخيرة. فتجارب انتاج النفط غير التقليدي تجارياً كانت قد بدأت منذ عقد من الزمن على الأقل. لكن لم تتم مناقشة هذا التحدي جدياً، او الاعتراف بأهميته على الأسواق الا في العام الماضي. هذا يعني ضرورة تبني سياسات جديدة من قبل المنظمة، ومن قبل الأقطار الاعضاء.