لا يمكن التوصل الى أرقام موازنة مجملة بالحد الأدنى، لجهة تعزيز الإيرادات، في ظل وضع اقتصادي صعب، نتيحة الظروف السياسية والأمنية في المنطقة التي يتأثر فيها لبنان، كما يزداد الأمر صعوبة في ظل تراجع معظم المؤشرات الأساسية، التي تؤثر في النمو الاقتصادي. بمعنى أدق لا يمكن تحسن العائدات، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي في غياب الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والسياسي، وهو أمر يزداد صعوبة .
وفي نظرة شاملة للقطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدماتية، تظهر حجم التراجعات بنسب متفاوتة.
في كلام مختصر يمكن التوقف عند بعض المؤشرات، التي من شأنها أن تزيد صعوبة تمويل احتياجات الموازنة العامة المقدر بحوالي 5.3 إلى 6 مليارات دولار خلال العام 2015، في حال ضم السلسلة أو عدم ضم كلفة السلسلة المقدرة بحوالي 1400 مليارليرة، لا سيما ان الارقام الإنفاقية ستتخطى 23 الف مليار ليرة، وبعجز يتخطى 34 في المئة، وينعكس على قدرة لبنان وتصنيف ديونه، على الرغم من أن حساب الخزينة والمؤسسات العامة لدى مصرف لبنان يملك حوالي 8000 مليار ليرة، وهو رقم يكفي لنفقات أشهر عدة، بما فيها اسعار المحروقات لكهرباء لبنان، التي تقدر بحوالي 3500 إلى 4000 مليار ليرة سنوياً، نظراً للعجز الكبير في المؤسسة.
الصادرات الصناعية والزراعية
فالصادرات الصناعية والزراعية تراجعت بين 3.5 و14 في المئة نتيجة الظروف عند الحدود، والتطورات الامنية في سوريا. آخر هذه المشكلات الشاحنات العالقة في السعودية وخسائر هذا القطاع . فقد بلغت الصادرات الزراعية حوالي 53 مليون دولار من دون تحسن يذكر، كما بلغت الصادرات الصناعية حوالي 692 مليون دولار بتراجع حوالي 5 في المئة بدل أن تنمو 10 في المئة سنوياً.
رخص البناء والمبيعات العقارية
رخص البناء تراجعت 19.8 في المئة خلال الفصل الأول من السنة، مقارنة بالعام 2014. كما تراجعت المبيعات العقارية 21 في المئة، من حوالي 2055 مليون دولار في الفصل الاول من العام 2014 الى حوالي 1623 مليون دولار في الفصل الاول من العام الحالي، بتراجع حوالي 500 مليون دولار. هذا التراجع يعكس شلل القطاع العقاري الذي كان الانشط برغم الأزمات.
وحده الدين العام حقق نمواً وزيادة ملحوظين، ولم يتراجع خلال الفترة، حيث سجل الدين العام حوالي 69.3 مليار دولار، بزيادة قدرها حوالي 5.7 مليارات دولار وما نسبته 6.6 في المئة على صعيد سنوي.
حركة المرفأ تراجعت حوالي 16.5 في المئة، من حيث عدد السفن، وحوالي 15.5 في المئة بالنسبة لحركة البضائع.
عجز ميزان المدفوعات
ميزان المدفوعات سجل عجزاً قدره حوالي 850 مليون دولار. كذلك حركة الرساميل الوافدة تراجعت حوالي 2.2 مليار دولار من حوالي 4.9 مليارات دولار في الفصل الأول من العام 2014 إلى حوالي 2.5 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2015. وهذا التراجع مرده إلى تراجع الاستثمارات الخارجية التي خسرت حوالي 64 في المئة خلال السنة الأخيرة. وهذا مؤشر على عدم الاستقرار وتخوف المستثمرين بمن في ذلك المستثمر اللبناني.
تراجع نمو النشاط المصرفي
يبقى المؤشر الأبرز تراجع نمو النشاط المصرفي، الذي يشكل المصدر الأساسي لتمويل احتياجات الموازنة العامة، من خلال الاستفادة من نمو الودائع التي تراجعت بشكل كبير خلال العام الحالي، مقارنة مع السنوات السابقة. فقد اظهرت نتائج الميزانية المجمعة لمصرف لبنان أن الميزانية المجمعة بلغت في نهاية الفصل الأول حوالي 177 ملياردولار، بزيادة حوالي 0.7 في المئة في ثلاثة أشهر، وهي كانت زادت حوالي 7 في المئة خلال العام الماضي. كما تراجع نمو الودائع بشكل ملحوظ وبلغ حوالي 0.6 في المئة في ثلاثة أشهر لتبلغ حوالي 145.5 مليار دولار. وانعكس ذلك على نمو التسليفات المصرفية للقطاع الخاص، حيث سجلت زيادة بحوالي 0.5 في المئة، لتبلغ 51.1 ملياردولار. هذا مع العلم أن مصرف لبنان ضخ اموالاً خلال السنتين الأخيرتين لتشجيع التسليفات المدعومة الفوائد، لتحريك الاقتصاد، ومع ذلك حصل هذا التراجع في تنمية التسليفات.
الصفقات المصرفية الكبرى تحسن البورصة
مع كل هذا التراجع في القطاعات، حافظت بورصة بيروت على ضعف تداولاتها التي تحسنت من جراء الصفقات الكبرى وعمليات الاستبدال على الأسهم المصرفية والاسهم الاساسية.
فقد سجلت تداولات البورصة خلال الأشهر الاربعة الاولى من 2015 تحسناَ ملحوظاً، مقارنة مع ىالفترة ذاتها من العام 2014 ، وبلغت حوالي 86.4 في المئة من حيث العدد وحوالي 89.7 في المئة من حيث القيمة، وذلك نتيجة العمليات الكبرى والاستبدالات على أسهم مصرفية، كان أبرزها عمليات على أسهم «بنك عودة» وبعض الأسهم الأخرى المصرفية، مما حسن عمليات التداول بالقيمة والعدد. فقد بلغت تداولات البورصة حتى نهاية نيسان 2015 ما مجوعه 35 مليوناً و 838 الفاً و533 سهماً، قيمتها حوالي 260 مليونا و342 الفاً و611 دولارا، مقارنة بحوالي 19 مليوناً و226 الف سهم للفترة ذاتها من العام الماضي، قيمتها حوالي 137 مليونا و218 الف دولار. وتعني هذه الارقام أن الزيادة من حيث القيمة بلغت حوالي 123 مليون دولار، بما نسبته حوالي 89.7 في المئة، مقابل زيادة من حيث العدد بلغت حوالي 86.4 في المئة، وهذه معدلات كبيرة، نتيجة عمليات الاستبدال في الأسهم المصرفية وتغير بعض المساهمين الذين يحملون هذه الأسهم.
فقد بلغت قيمة العمليات المباشرة خلال شهر شباط وحده ما مجموعه حوالي 129.3 مليون دولار، وهي كانت في معظمها على أسهم وشهادات ايداع «بنك عودة» بما قيمته حوالي 121.4 مليون دولار للأسهم وحوالي 595 الف دولار لشهادات الإيداع. كذلك عمليات على أسهم «بنك بيروت» بما قيمته حوالي 7.3 ملايين دولار وهذه العمليات عززت حركة شباط، وانعكست على حجم التبادل خلال الشهرين الماضيين.
بالنسبة للقيمة السوقية للأسهم المتداولة في البورصة، فقد بلغت في نهاية نيسان 2015 حوالي 11 ملياراً و562 مليون دولار، مقابل حوالي 11 ملياراً و53 مليون دولار للقيمة في نهاية الفترة ذاتها من العام 2014، أي بتحسن نسبته 4.61 في المئة. وهذا يعود لإدراج بعض الأسهم وتحسن اسعار بعض الأسهم المصرفية على وقع النتائج المحققة وتوزيع انصبة الأرباح من قبل بعض المصارف.
أما بالنسبة الى تطور الأسعار، فإن الارتفاعات الكبرى حصلت على شهادات إيداع بنك عودة التي ارتفعت اسعارها من 6.2 دولارات للشهادة إلى حوالي 6.61 دولارات. كذلك سجلت بعض التحسن على أسهم «عودة» العادية بنسبة 2.48 في المئة. تلتها شهادات إيداع «بلوم بنك» التي ارتفعت حوالي 4.89 في المئة، وأقفلت في نهاية نيسان على سعر 9.65 دولارا ت، مقابل حوالي 9.20 دولارات لنهاية نيسان 2014 كما ارتفعت الاسهم العادية حوالي 4.8 في المئة. كذلك تحركت الأسهم الأخرى جزئياً، لا سيما الأسهم التفضيلية لبنك عودة التي ارتفعت حوالي 3 في المئة، بينما استقرت الأسهم الأخرى.
اما أسهم سوليدير فقد تراجعت خلال الفترة، وهي الأسهم الأكثر تأثراً بالظروف السياسية الداخلية اللبنانية وغيرها، حيث تراجع سهما سوليدير «أ» و «ب» بنسبة 13.5 و13.7 على التوالي، بعد أن عادت إلى التحسن مع انطلاقة الشهر الثالث من السنة الحالية.
وشهدت أسهم المصارف الأخرى بعض التحسن الجزئي، لا سيما أسهم بنك بيبلوس التي تحسنت 4.14 في المئة، في حين تراجعت الأسهم التفضيلية ولو جزئياً، في حين استقرت بعض الأسهم مع تحرك جزئي مثل أسهم بنك بيروت التي شهدت بعض التحسن في الأسهم التفضيلية وتراجع في الأسهم الأخرى بشكل متفاوت. كذلك الأسهم الأقل تداولاً مثل أسهم «بنك بيمو» و «البنك اللبناني للتجارة» التي تراجعت بنسبة حوالي 8 في المئة للأسهم العادية وحوالي 0.9 في المئة للأسهم التفضيلية.
أما بالنسبة للأسهم الأخرى، فقد تحسنت بعض الأسهم الخاصة بالترابة البيضاء وهولسيم ليبان حوالي 4.9 في المئة خلال اربعة أشهر، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2014. كما ارتفع سهم الاسمنت الأبيض حوالي 7.1 في المئة.
في الخلاصة، أن كل المؤشرات تقريباً تدل على تراجع، مع استثناءات قليلة لا تشكل مقومات اقتصادية لمواجهة الأزمات، وبالتالي هذا أمر يزيد صعوبات تمويل احتياجات الخزينة والموازنة، على الرغم من وجود بعض الاحتياطات في حساب الخزينة لدى مصرف لبنان لشراء بعض الوقت، ولكن لا يؤمن الاستقرار ضد أية خضات وتوترات مقبلة.