IMLebanon

وحدة أوروبا على محكّ أزمة اليونان والعزف البريطاني المنفرد

EURO1
حيدر الحسيني
قبل 58 عاماً، بدأ عملياً تأسيس «الاتحاد الأوروبي« (EU) انطلاقاً من ضرورات تجارية بحتة، عندما طُبّقت أول وحدة جمركية اعتباراً من مطلع سنة 1958 باسم «المؤسسة الاقتصادية الأوروبية» (EEC)، التي عُرفت بريطانياً باسم «السوق المشتركة» وتطوّرت لاحقاً إلى شراكة بأبعاد متعددة شملت جوانب كثيرة، اقتصادية وسياسية وأمنية ودفاعية، وباتت تجمع تحت لوائها 28 بلداً.

ومن رَحِم الاتحاد، وُلدَت مطلع 1999 العملة الموحدة (اليورو) بعد مفاوضات طويلة ومعقدة، إيذاناً بانطلاق أوّل عملة يُفتَرض أن تنافس الدولار الأميركي على الساحة النقدية والتجارية العالمية.

لا شك في أن الاتحاد واليورو إنجازان تاريخيان أبصرا النور بعد سنوات مديدة من الحروب والصراعات والأخذ والرد. غير أن عوامل الضعف الكامنة فيهما، توهنان اليوم بلا شك المكانتين النقدية والسياسية لهذا الكيان، ومن أبرزها الهشاشة الاقتصادية والمالية التي تتّسم بها بعض الدول الأعضاء، وقد برزت هذه الحالة بأصعب صورها في اليونان خاصةً في ضوء الركود المسيطر على القارة، ومنها أيضاً تغريد بريطانيا خارج السرب النقدي وإبقائها على عملتها الإسترليني، ناهيك عن تنسيقها سياسياً مع الولايات المتحدة أكثر من ارتباطها بالقارة العجوز.

على شفا.. الاتفاق؟

في البُعد اليوناني، تبدو الأجواء المعقدة أكثر سيطرةً على المُناخ العام للمفاوضات حول اتفاق مع الدائنين بشأن برنامج جديد لتمويل اليونان، ليحل مكان البرنامج الإنقاذي الحالي الذي ينقضي أجله الشهر المقبل. ولا يبدو التفاؤل سيّد الموقف حيال ما سيؤول إليه الاجتماع المقرر اليوم الإثنين في بروكسل لوزراء مالية منطقة اليورو، حيث لا يُتوقّع أن يُنتج المجتمعون حلاً في ضوء تصلّب مواقف الطرفين.

من ناحية الاتحاد الاوروبي، حض النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانز ، أثينا ودائنيها على تحقيق تقدم في محادثاتهم اليوم. وقال لصحيفة «فيلت ام زونتاغ« الألمانية «ما نحتاجه الآن هو تقدم حقيقي.» وعندما سئل عما إذا كان هناك «خطة بديلة« في حال تخلف اليونان عن السداد فقال تيمرمانز «لا .لا توجد خطة بديلة لليونان. إذا عملت على خطة بديلة فإنك تتخلى بشكل أساسي عن الخطة الأصلية.» وأضاف إن كل الأطراف المعنية لابد وان تفعل كل شيء لنجاح المفاوضات مع اليونان.

اما من ناحية اليونان، وزير المالية، يانيس فاروفكيس، رغم جزمه، إعلامياً، بأن حكومته ستتوصل إلى اتفاق مع المقرضين، وصف اجتماع وزراء المالية اليوم بأنه «حيوي«، لكنه أقر بأنه لن يكون الخطوة الأخيرة لحل الأزمة، وأمل في تصريح إنشائي أن يكون الاجتماع «حلقة وصل مهمة نحو الفترة التي ستعقب اكتمال برنامج الاقراض الحالي.. ونحو حقبة ما بعد حزيران 2015، التي نثق بأنها ستشهد فترة من التعافي وعودة اليونان الي النمو ضمن منطقة اليورو«.

وفي تصريح متصلب قد لا يخدم تفاؤل وزير المالية (ما لم يكن منسّقاً معه في إطار المناورات الإعلامية)، أعلن الناطق باسم الحكومة اليونانية، غابرييل ساكيلاريديس، أن حكومة أثينا متمسكة بما سمّاه «الخطوط الحمراء« غير القابلة للتفاوض، والمتعلقة بالعمل ومعاشات التقاعد، وتتوقع من مقرضيها (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد) تقديم تنازلات للتوصل إلى اتفاق تسوية، متحدثاً في الوقت عينه عن «تنازلات متبادلة«، آملاً أيضاً أن يعترف الاجتماع بموقف اليونان ويسمح للمركزي الأوروبي بتخفيف القيود على السيولة كي تنحسر الأزمة، محذراً من أن مشروع القانون الشامل للإصلاحات الذي جرى التعهد للدائنين بإعداده مقابل المساعدات لن يُحال إلى البرلمان إلا بعد التوصل إلى اتفاق.

في المقابل، من جانبهم رفض المقرضون اتهامات من أثينا بان انقسامات في ما بينهم تحول دون التوصل لاتفاق لمنح اليونان المزيد من الاموال في مقابل اصلاحات، مع تأكيد التزامهم مساعدة اليونان على تحقيق النمو والاستقرار المالي، والعمل معاً بشكل وثيق لتحقيق تقدم ملموس في اجتماع بروكسل اليوم.

لكن هذا النفي لا يُلغي وجود وجهات نظر متباينة بين الدائنين تتلخص بنقطتين أساسيتين:

ـ الأولى، أن الاتحاد الأوروبي لا يتفق مع إصرار صندوق النقد على أن يكون إصلاح نظام التقاعد أول شرط يُطلَب من اليونان تنفيذه للحصول على دفعة قرض، لأن بروكسل ترى الأولوية في إصلاح نظام الضرائب.

ـ والثانية، أن صندوق النقد الدولي يدعو لشطب جزء من ديون اليونان التي تتجاوز نسبتها حالياً 175 في المئة من الناتج المحلي المجمل، وهو ما يرفضه بشدة الأوروبيون تتصدّرهم ألمانيا.

وفي موقف ضاغط بوضوح على أثينا، رأى مفوض الشؤون الاقتصادية والمالية الأوروبي، بيار موسكوفيتشي، أن إصلاح الاقتصاد اليوناني لا يسير بسرعة كافية، معتبراً أن تحقيق تقدم في اجتماع اليوم يكون «من خلال اتخاذ الحكومة اليونانية قراراً بتبنّي سلسلة إصلاحات تجعل الاقتصاد اليوناني أكثر صلابة«.

وفي السياق عينه، قال المسؤول الكبير في منطقة اليورو، طوماس فيزر، إن اجتماع بروكسل يناقش مسائل تتعلق بالموازنة والضريبة على القيمة المضافة وإصلاح سوق العمل و»من العدل القول إننا لم نبلغ هذه المرحلة بعد«، مؤكداً أنه «لن يكون هناك اتفاق الاثنين (اليوم).. لكن لا يزال أمامنا شهر كامل للتوصل إليه».

وفي دلالة اُخرى على تعقيد مجريات التفاوض، جاء تصريح رئيس مجموعة اليورو، يورين ديسلبلوم، الذي قال إن موقف المنطقة من مفاوضات الديون اليونانية لم يتغير، وإن على أثينا الالتزام ببرنامج الإنقاذ الحالي قبل النظر في أي تخفيف لأعباء الدين.

بريطانيا.. جنوح وتفكُّك

ليس بُغض المجموعة الأوروبية للفريق اليساري الحاكم في اليونان اليوم من المظاهر الوحيدة لإضعاف الوحدة الأوروبية، حيث أن المملكة المتحدة التي انخرطت أمنياً وعسكرياً إلى أبعد الحدود مع زميلاتها الأوروبيات، إلا أنها لم تتلاحم معها في قبول نهائي وشامل لتأشيرة «شنغن» الموحدة، ونأت بنفسها عن اعتماد العملة الموحدة، وهو ما جعل تماسك الكيان الأوروبي أقلّ قدرة على الصمود في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية.

وإذا كانت المملكة المتحدة، ككيان سيادي وسياسي، موحّد قد رفضت دوماً الذوبان في الكيان الأوروبي الأوسع نطاقاً، وازدادت قناعةً بعد سقوط أوروبا في حُفرة الركود منذ عام 2008، اذا بها هي اليوم تزيد صورة أوروبا المُمكن توحيدها أكثر ضعفاً مع تزايد الحديث عن احتمال انفراط عقد المملكة في المستقبل القريب، خاصةً في ضوء ما آلت إليه نتائج الانتخابات قبل أيام من فوز كاسح للقوميين المطالبين بالاستقلال في اسكتلندا وارتفاع أسهم التشكيك في بقائها داخل الاتحاد الأوروبي.

ويقول المحللون إن طموحات القوميين في أدنبرة وكارديف يصاحبها تعالي الأصوات بمنح مزيد من السلطات لإيرلندا الشمالية والمدن البريطانية الكُبرى، مثل مانشيستر وليفربول، فيما من المتوقع أن ينظم رئيس الوزراء المُعاد انتخابه دايفيد كاميرون استفتاء قبل نهاية عام 2017 لتقرير مستقبل المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي، الذي انضمت إليه بريطانيا اقتصادياً وتجارياً عام 1973 قبل تحوّله إلى كيان سياسي لاحقاً.

.. وبعد

وفيما تُرخي الأزمة اليونانية والتطورات البريطانية مزيداً من الظلال القاتمة حيال الوحدة الأوروبية، لا تزال منطقة اليورو تتخبط اقتصادياً مع توالي صدور المؤشرات السلبية التي لا تشير إلى انفراج اقتصادي قريب، وكان أحدثها الأسبوع الماضي مؤشر مجموعة «سنتيكس« البحثية، الذي أظهر أن الثقة ازدادت ضعفاً في أيار الجاري، في ضوء استمزاج لمعنويات المستثمرين والمحللين، بالرغم من أن المفوضية الأوروبية لطالما عملت على تبييض صورة أوضاعها، وفي هذا الإطار، أعلنت في توقعاتها لفصل الربيع أن منطقة اليورو تشهد هذه السنة تحسناً بفضل سلسلة من العوامل الخارجية، حيث من المفترض أن يبلغ النمو 1,5 في المئة، بصعود طفيف عن 1,3 في المئة عن توقعات شباط الفائت.