Site icon IMLebanon

في سوريا.. موظفون يسددون أقساطاً لمنازل مدمرة

SyriaEconMoney2
رولا عطار
توجه كثيرون من السوريين خلال سنوات ما قبل الأزمة نحو المصارف العامة والخاصة، للحصول على قروض تشغيلية أو سكنية، وفي هذه الحالة عادة ما يطلب المصرف من طالب القرض ضمانة عقارية، مقابل إقراضه مبلغاً من المال لمدة تتراوح بين 15 أو 20 سنة. وبالرغم من طول أمد الأزمة استمرت المصارف بمطالبة المقترضين بتسديد الأقساط المترتبة عليهم على الرغم من أن قسماً كبيراً من المقترضين فقد العقار الذي كان سبق له أن رهنه للمصرف. فمعظم الأبنية السكنية، لاسيما في المناطق الريفية، هجرها ملاكها أو تعرضت للتدمير الجزئي أو الكلي.

والنسبة الأكبر من المتضررين هي من الموظفين الحكوميين الذين استدانوا من المصارف العامة التي لا تزال تطالبهم بدفع الأقساط، حيث تقتطع قيمة القسط بشكل مباشر من رواتبهم، بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة. فمعظمهم خسر ممتلكاته واضطر لاستئجار سكن جديد بمبالغ كبيرة، بعد استغلال أصحاب العقارات لإرتفاع نسبة الطلب عليها. إلى جانب ذلك يعيش الموظفون الحكوميون حالة من الخوف والقلق، ففي حال تخلفهم عن سداد الأقساط لأشهر عديدة يتّم إيقاف رواتبهم من جانب المؤسسات التي يعملون فيها.

“وضعي يُشبه وضع أي موظف حكومي”، هكذا تبدأ ريم، الموظفة في مصرف “التوفير” حديثها. وتتابع: “قمت بطلب قرض من المصرف الذي اعمل فيه مقابل رهن العقار السكني الخاص بنا، حيث قدمنا في العام 2005 طلباً للحصول على قرض من مصرف التوفير بقيمة مليون ونصف المليون ليرة (حوالي 5200 دولار) وبضمانة منزلي في منطقة حرستا، إلا أنه في العام 2012 اضطررنا لمغادرته كون المنطقة تحولت إلى منطقة اشتباكات، وحالياً فقدنا المنزل لأن البناء تهدم. ومع ذلك لا يزال البنك يطالبني بتسديد قيمة القسط الشهري كاملاً، وهو 10500 ليرة (حوالي 36 دولاراً) تقتطع من الراتب، من دون مراعاة لظروفنا نحن الموظفين الذين اضطررنا لمغادرة منازلنا واستئجار غيرها”.
وتُضيف ريم، في حديث لـ”المدن”: “استباقاً لتحمّلنا عبء الأقساط الشهرية للقروض لمدة سبع سنوات مقبلة تقدمنا بشكوى للإدارة العامة في المصرف نطلب منها إعادة جدولة قروضنا لتخفيف قسط القرض لكن الإجابة تأتي دائماً، بأنه لا مجال لإعادة الجدولة أو توقيف القرض. كما توجهنا لمحافظة ريف دمشق حيث تصرف تعويضات للمتضررين من الأحداث وكان القرار في العام 2011 بأن يتم صرف مبلغ 300 ألف ليرة لكل متضرر، لكن في العام 2012 تم أيقاف صرف التعويضات بعدما قدمنا ضبط شرطة يفيد بأننا متضررون، لكن حتى تكتمل شروط هذا الضبط لا بد من إجراء كشف حسي على العقار للتأكد من حجم الأضرار، وهذا غير ممكن في الوقت الحالي لأن البيوت تقع في مناطق اشتباك”. وتخلص ريم الى ان “كل ما نريده هو تعويض مادي يساعدنا على العيش وتسديد إيجارات البيوت التي نسكنها لأنه لا يوجد أي تعويض آخر للعقار الذي فقدناه. وهذا حال حوالي 70 % من موظفي الدولة الذين سحبوا قروضاً من المؤسسات المالية التي يعملون فيها ورهنوا منازلهم”.

ماجدة هي واحدة من بين الآلاف أيضاً، ممن قاموا بسحب قروض من المصارف السورية بضمانة عقاراتهم في منطقة زملكا. تقول ماجدة لـ”المدن”: “لم نتوقف عن سداد الأقساط الشهرية منذ حصولنا على القرض إلى أن غادرنا المنزل بسبب اشتداد حدة العمليات العسكرية هناك. عندها تأخرنا عن تسديد القسط لمدة شهرين نتيجة حاجتنا للمبلغ لدفع إيجار بيت جديد وسط العاصمة، ليقوم البنك العقاري حينها بإضافة غرامات تأخير على مبلغ القسط الشهري”. وتضيف: “نحن مستمرون بدفع أقساط لبيوت مهجورة أو مهدمة ومرهونة للبنك في الوقت نفسه”.
وأخيراً بدأ المصرف العقاري، بملاحقة المقترضين المتعثرين وإحالتهم إلى القضاء حيث بلغ إجمالي عدد المقترضين المتعثرين من المصرف، والذين صدرت بحقهم قرارات بمنع السفر 160 مقترضاً. وهذا العدد ارتفع إلى أكثر من ذلك خلال فترة وجيزة بسبب متابعة إجراءات الملاحقة القضائية للمتعثرين من جانب المصرف، وإحالة ملفاتهم إلى المحاكم المصرفية التي تصدر بدورها قرارات منع السفر.
من جهتها تقول نادية، الموظفة في المصرف التجاري السوري: “لم نتوصل عبر الشكاوى التي قدمناها إلى أي حل في حين أن المصارف وضعت الحلول أمام أصحاب القروض الإستثمارية والصناعية الكبار، إذ سمحت لهم بإعادة جدولة قروضهم وإعفوا من الفوائد وغرامات التأخير. مع أننا كموظفين لنا الأحقية في أن نحصل على تأجيل للأقساط أو على الأقل إلغاء الفائدة التي تبلغ 200 ألف ليرة لكل مليون ليرة سورية”.

وفي إطار تحصيل ديون المصارف من المقترضين، قدر مصرف التسليف الشعبي مجموع الديون المتعثرة بنحو مليار ليرة، موزعة على قروضٍ بمبالغ صغيرة. كما يعمل على استكمال 66 طلباً لجدولة الديون المتعثرة من إجمالي 98 طلباً. وفي حال تعثر أي مقترض عن سداد القرض فإن البنك يقوم بملاحقة الكفلاء، وهذه الحالة تتم أحياناً بالتواطؤ بين المحاسبين في الإدارات وبعض الموظفين المتقاعدين حيث يتوقف المحاسب عن إعلام مؤسسة التأمينات الاجتماعية بأسماء المتقاعدين، لتقوم بخصم القسط من الراتب التقاعدي.
وهذه الممارسات تتزايد في الادارات العامة، في وقت لم يقل أحد للمواطن السوري كيف يستفيد من عقارٍ دُمّر!