سوق بيض المائدة في لبنان ليست على ما يرام، والسبب يعود بحسب “النقابة اللبنانية للدواجن”، “لهجمة شرسة غير مسبوقة يتعرض لها الانتاج اللبناني، من بيض المائدة المهرب عبر الحدود اللبنانية مع سوريا، والذي يصل بأسعار إغراقية أدنى بخمسين بفي لمئة من كلفة انتاجه في لبنان”.
وبحسب الدكتور رضا الميس الرئيس السابق لـ”نقابة منتجي البيض” يُسجّل يومياً هذه الفترة دخول نحو 800 صندوق من البيض أي حوالي 10 آلاف كرتونة عبر منطقة حوش السيد علي قرب بلدة القصر اللبنانية في الهرمل. ويشرح الميس لـ”المدن” أنه “نظراً لتدني قيمة الليرة في سوريا انخفض سعر صندوق البيض المهرب الى الاسواق اللبنانية الى 18 دولاراً، ليعود ويرتفع مؤخرا الى 22 دولاراً، بينما كلفة انتاج كرتونة البيض في المزارع اللبنانية تصل إلى 30 دولاراً”.
وعليه صار المزارع اللبناني يتعرض للمضاربة من المهربين، وبتواطؤ غير معلن من التجار الذي يتولون بدورهم توزيع الإنتاج في السوق الإستهلاكية، ما جعل كميات كبيرة من البيض تتكدس في المزارع، من دون اي افق لتصريفها، خصوصا أن لبنان لا يملك إمكانية تصدير البيض الى الخارج بسبب قدرته التنافسية الضئيلة.
يختلف منتجو البيض اللبنانيون في المقابل حول هوية “عدو انتاجهم”. واذا كان البعض يؤكد أنه الإنتاج السوري الذي يتحكم بسعر البيض في سوق الجملة اللبنانية، يتحدث منتجون آخرون عن قيام التجار السوريين ببيع مساعدات البيض التي تصلهم من تركيا، فيما يقول رئيس النقابة اللبنانية للدواجن موسى فريجي إنّ “أيّاً من سوريا أو تركيا غير قادر على إغراق السوق اللبنانية بإنتاج كلفته أدنى من كلفة الانتاج في لبنان، كون هذه الكلفة متساوية في البلدان الثلاثة”، مرجحاً أن يكون سبب الأزمة “حلول البيض الأوكراني محل البيض اللبناني المصدّر إلى العراق، كون كلفته في أوكرانيا أدنى بنسبة 60 بالمئة من كلفته في لبنان. كما يستفيد الانتاج الأوكراني من حالة الفوضى القائمة في سوريا ليغرق أسواقها، وبالتالي يهرب الى أسواقنا مسبباً بتدني سعر مبيعه الى نصف قيمة الإنتاج”، مضيفاً: “لو باع المنتجون السوريون فعلاً صندوق البيض بـ18 دولاراً على مدى الأربعة الأشهر، فمعنى ذلك أنّهم باعوا مزارعهم وبيوتهم”.
ولكن أياً كان مصدر هذا البيض المهرب، تبقى المعضلة الوحيدة بالنسبة للمنتج اللبناني هي وصوله إلى لبنان ومزاحمته الإنتاج اللبناني، متجاوزاً المعوقات الجمركية التي يفترض أن تمنع دخوله عبر المعابر غير الشرعية أولًا ومن ثم تلاحق تداوله في الأسواق المحلية في حال دخل إليها. علماً بانّ مسؤولية إغراق السوق بالكميات المهربة لا تقع فقط على عاتق المهرب، وإنما أيضا على التاجر اللبناني الذي يشتري هذا البيض مع علمه المسبق بكونه مهرباً، ويقوم بتسويقه في السوق اللبنانية كغيره من الإنتاج اللبناني. وهو ما لفت اليه فريجي، معتبرا أنّه “يجب أن يكون هناك تعاونٌ بين التجار والمزارعين للوصول إلى نتيجة، مع مطالبة كل التجار العاملين في هذا المجال بأن يكونوا حريصين على عدم شراء اي شحنة بيض مشبوهة المصدر”.
والجدير ذكره أنّ معضلة تهريب البيض السوري إلى لبنان ليست جديدة. بل تمتد لزمن وجود الجيش السوري في لبنان، حيث كان التهريب يتم أحياناً بتواطؤ من حرس الحدود السوري (الهجانة) الذين كانوا مكلفين بحراسة المعابر غير الشرعية في منطقة الهرمل، حيث لا تفصل الاراضي اللبنانية عن تلك السورية في تلك المنطقة سوى سواقي مياه ضيقة يمكن اجتيازها بسهولة.
فماذا يعني إغراق السوق اللبنانية بالكميات المذكورة من البيض المهرب، وماذا عن إنعكاساته على المستهلك؟
يشرح الميس لـ”المدن” أنّ “صناديق البيض الثمانمئة التي تدخل إلى لبنان عن طريق التهريب يومياً، تساوي ربع كمية إنتاج المزارع اللبنانية، التي تنتج مجتمعة نحو 4 آلاف صندوق، هي حاجة الإستهلاك المحلي، وبالتالي فإن أي كمية إضافية تتسبب بإغراق الأسواق”.
أمّا الإنعكاس المباشر لهذا التهريب فهو على صغار المزارعين تحديداً، وعددهم نحو 300، “لأن المزارع التي تنتج كميات استهلاكية كبيرة تميز نفسها بختمها ولديها زبائنها في مختلف الاسواق الاستهلاكية، كما انها لا تحتاج الى شركات التوزيع او تجار لتصريف انتاجها، فيما صغار المزارعين هم من يقعون تحت سيف التاجر والمهرب اللذين يتحكمان بالسعر في السوق المحلية”، وفقه.
في المقابل فإن المستهلك اللبناني أو حتى السوري المقيم في لبنان لا يستفيدان مباشرة من عملية إغراق الأسواق اللبنانية بالبيض المهرب، كون كرتونة البيض التي تباع في السوبرماركت تحافظ على سعرها الذي يتراوح بين 6 و8 الاف ليرة، ولا تكون استفادة المستهلك إلا في الأسواق الشعبية حيث يكثر الطلب على البيض وتتعرض كمياته للمضاربة. واذا كانت هناك شكوك تحوم حول نوعية وسلامة البيض المهرب، فإنه لا يمكن للمستهلك التمييز بين البيض المنتج محلياً وذلك المهرب خصوصاً أن المهربين عمدوا منذ فترة الى تعبئة البيض السوري في الكرتونة المستخدمة محليا.
وما يجعل الوضع أكثر سوءاً هو استسلام الجمارك اللبنانية للأمر الواقع، إذ يشير الميس إلى أنّه عندما “راجعنا رئيس منطقة الجمارك في البقاع أبلغنا أنّ لا قدرة للجهاز على حراسة حدود يصل طولها إلى 60 كيلومتراً”، بينما وقف التهريب بحسب الميس يكون بقمعه، “ويكفي تحرير ضبط في مهرب أو اثنين ليخاف الآخرون”.
وإذا كان فريجي يجزم في المقابل، نتيجة لتحريات قامت بها النقابة، بأن التهريب يتم عبر الحدود البقاعية كون الحدود الشمالية مضبوطة من قبل السلطات الأمنية السورية، فإن طلب مساعدة “حزب الله” الذي يبسط سيطرته عند حدود الهرمل، “ليس ضمن حسابات نقابة الدواجن، فالأولويات لدى الحزب مختلفة، وبالتالي على النقابة إستصراخ ضمائر التجار الذين يشترون البيض المهرب إضافة إلى حث السلطات الجمركية على القيام بواجبها، وإذا لم نصل الى النتائج المرجوة خلال أيام سنطالب بلقاء مع رئيس الحكومة ووزير المال وصولاً إلى تصعيد التحركات”، كما يقول فريجي.