ماري هاشم
في خضمّ الحديث عن كيفية إيجاد الآليات السحرية لمعالجة النتوءات التي تشوب اقتصادنا اللبناني، والبحث عن موارد ملائمة تلبي مصاريف سلسلة الرتب والرواتب، والتعويض عن غياب مشاريع الموازنة على مدى عشر سنوات والسعي الحثيث، برغم المطبات السياسية، إلى إقرار مشروع موازنة العام 2015 في ظل التجاذبات القائمة حول أحقية ضمّ السلسلة إليه أو عدمه، تبرز بين الحين والآخر مشكلات مالية واقتصادية في أهم الدول الغربية والأوروبية كاليونان ومصير استمرارها في الإتحاد الأوروبي، وكذلك إيطاليا وفرنسا، الأمر الذي دفع الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة إلى السؤال عما إذا كان العالم تعلم من الأزمة المالية العالمية في العام 2008 «لتجنّب حصول كوارث مستقبلية كبيرة؟ وهل تعلم الاقتصاديون منها لوضع سياسات تفي بالغرض أي تجنب العالم مغامرات جديدة ترفع من مستوى البطالة وتقتل النمو وتكبّر الفجوات بين الفقراء والأغنياء؟»، لافتاً إلى أن «من أسباب نجاح الولايات المتحدة الاقتصادي عبر العصور وحتى منذ أزمة 2008، أنها تعترف بأخطائها وتتعلم منها وتتمتع بالمرونة الكافية للتغيير من دون عقد. وما زالت أميركا قائدة الإبداع والتجدد والابتكار في العالم، لذا تعافت من الأزمة بينما تبقى أوروبا تعاني منها ليس فقط في اليونان وإنما أيضاً في ايطاليا وفرنسا وغيرها».
وإذ سأل أن «الجميع يعترف بأن أزمة «الركود الكبير» كانت قاسية وسبّبت عدداً كبيراً من المشكلات لجميع الدول، هل تعلمنا منها؟ ما هي الدروس المقتبسة منعاً للتكرار أو أقله تخفيفاً للخسائر إذا ما تكررت التجربة السيئة؟، قال حبيقة لـ«الديار»: هناك توافق بين الاقتصاديين العالميين على الدروس الآتية:
– أولاً: تغيير التركيز في العلوم الاقتصادية من الإصرار على التوازنات، إلى معالجة الخلل الذي يشكّل طبيعة العالم الحالي. يرتكز «علم الاقتصاد» اليوم على تحقيق التوازنات والرجوع اليها عند تركها، وهذا جيد، إلا أنه لا يحصل دائماً. من الضروري التركيز في العلوم الاقتصادية الحديثة على معالجة الخلل لأن التوازن جيد، لكنه صدفة وموقت في أفضل الحالات.
– ثانياً: سياسات تخفيف الإستدانة السريع والمترافق مع سياسات التقشف المالية تعمّق المشكلات ولا تضع لها حلولاً. فرض سياسات التقشف من قبل صندوق النقد والمجموعة الأوروبية على العديد من الدول المتأزمة وليس اليونان فقط عمق الأزمة اليونانية وأحدث تغييراً كبيراً في العلاقات. إن اعتماد هذه السياسات لم يعمّق الأزمة فقط، بل جعل النهوض منها أصعب وأكلف.
– ثالثاً: على سلطات الرقابة القيام بأعمالها وليس التفرّج. هناك واقع مزعج وهو أن أجهزة الرقابة لم تكن سريعة وجدية وقاسية خصوصاً قبل تفاقم الأزمة أي في 2006 وما بعد. تجنّب الأزمات هو واجبها، ولا تقع المسؤولية عليها وحدها، بل على السياسيين الذي تركوها.
– رابعاً: اعتماد مبادئ الثواب والعقاب، خصوصاً من قبل الادارات الخاصة والعامة. تم غض النظر عن العديد من الشوائب منها بعض التزوير والإختلاسات. وتمت معاقبة بعض الأشخاص وليس جميعهم، وكأنها «فشة خلق» أو «كبش محرقة» أو كانت هناك ضرورة لمعاقبة بعض المسؤولين المرتكبين. تعلمنا أن للتزوير والسرقة نتائج اقتصادية سلبية ضربت الثقة بالاقتصاد العالمي.
-خامساً: السماح بانتشار الأدوات المالية والنقدية المعقدة والخطرة، ساهم في ضرب المنافسة وزيادة المخاطر العامة. ليس في استطاعة كل المؤسسات والمصارف تركيب هذه الأدوات وبالتالي حدث الخلل المالي لمصلحة مؤسسات معينة أتقنت التبادل في هذه الأدوات. واكتشف العالم هذه الأدوات بعد حصول الكوارث وتفاجأ بها.
– سادساً: نظام المنافع والربح في المصارف والشركات الذي شجع المسؤولين على المخاطرة، خصوصاً أن الخسائر تحدث بعد أن يكون المسؤول غادر أو انتقل الى مكان آخر أو تقاعد. كما أن أنظمة الإفلاسات أي الفصل السابع أو الحادي عشر أو غيرهما في الدول الأساسية تحمي المتهوّرين ولا تعاقبهم ولا تميّز بينهم وبين أخطائهم، بل تعطيهم الوقت الكافي للإصلاح، أي عملياً تشجعهم على المخاطرة المسبقة المتهوّرة وغير المدروسة.