حنان حمدان
في حال لم يطبّق قانون السير الجديد في لبنان، فستتحمل الحكومة المسؤولية عن ذلك بتملصها من إعطاء أولوية لحياة المواطنين، ولكن تطبيق هذا القانون على نحو تشكل فيه الغرامات الرادع الوحيد لمخالفات المواطنين، يطرح إشكالية أبعد من ذلك بكثير، لاسيما إذا أصبحت عائدات الغرامات مغانم لجهات تتحمل مسؤولية تطبيق هذا القانون ومحاكمة مخالفيه.
فمن أجل تأمين السلامة المرورية وسلامة المواطنين، وللحد من عدد الحوادث والقتلى على طرق لبنان، طُبق قانون السير الجديد، إلا أن حصص عائدات غراماته سيتم توزيعها على قوى الأمن الداخلي، القضاة والبلديات. وقد نصّت المادة 401 من قانون السير رقم 243/2012، على تخصيص 25 في المئة من كامل غرامات السير المحصّلة لصالح صندوق الإحتياط في قوى الأمن الداخلي، و20 في المئة من حاصل كامل غرامات السير لصالح البلديات. فيما تقتطع نسبة 30 في المئة من الغرامات المحصلة من الأحكام القضائية الصادرة وفقاً لاحكام هذا القانون، لصالح صندوق تعاضد القضاة، وتقتطع نسبة 25 في المئة من الغرامات ذاتها لصالح الصندوق الوطني للمساعدين القضائيين.
على ما يبدو، تم الضغط من أجل إبقاء القانون كما هو، وتم رفض إجراء تعديلات عليه من قبل الجهات المستفيدة، ولكي لا تتم عرقلة تطبيقه، لم يطرأ حينها أي تعديل على توزيع عائدات غرامات السير التي بقيت كما هي في القانون الجديد. ولكن بقاء توزيع النسب على ما هو عليه، لن يدوم طويلاً، وفق ما اظهرته الإقتراحات التي قدمت أخيراً لتعديل بعض المواد المتعلقة بالرسوم والضرائب، كاقتراح وزارة المالية إعادة توزيع نسب الغرامات، بحيث تذهب إلى تأمين تمويل بعض المشاريع ذات الأثر الإجتماعي، منها سلسلة الرتب والرواتب وصندوق المساعدة المنصوص عنه في قانون الإيجارات الجديد. واقتراح النائب سيرج طورسركسيان تخصيص جزء كبير من مخالفات السير لتغذية “السلسلة”، وإقتراح تحويل كل الأموال الى خزينة الدولة ومن ثم توزيع العائدات من خلال الموازنة، أو خفض سقف الغرامات. كما دعت اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في اجتماعها الاسبوع الفائت إلى “إلغاء توزيع رسوم المخالفات، وتحويلها بالكامل الى الخزينة وتوظيفها لتمويل تنفيذ قانون الإيجار التملكي”.
تعددت الإقتراحات في شأن المواد المتعلقة بالضرائب والرسوم، ولكن تلك الإقتراحات “لا تزال مجرد كلام، بعضه جدّي وبعضه الآخر شعبوي لا يمت إلى الواقع بأية صلة، ورسمياً لم يتم البحث في أي منها”، وفق ما أكده رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النائب محمد قباني في حديث لـ”المدن”.
يتم تقديم هذه الإقتراحات، في حين تشير بعض التوقعات إلى أن حجم عائدات المخالفات ستفوق المئة مليون دولار سنوياً. ما يطرح تساؤلات حول حجم الأموال التي سيحصّلها المستفيدون. ففي عملية حسابية، نجد أن تعويضات قاضي السير ستتضاعف في حال تم تطبيق توزيع النسب من دون تعديلها، خصوصاً أنه لم يتم تحديد أي سقف لها. وقد يبرر البعض أن قضاة السير هم من يتولون الحكم في المخالفات، وقوى الأمن هي المولجة بتطبيق القانون، ولكن هل هذا يعني أن لهؤلاء الحق في تقاسم تلك الغرامات؟ ومن ثم كيف تم تحديد تلك النسب؟ وماذا بالنسبة إلى تحسين الطرق وصيانتها؟
من ناحيته يرى وزير الأشغال العامة غازي زعيتر، في حديث لـ”المدن”، أنه لا يجب الوقوف عند تلك الأمور، ولا مشكلة في توزيع عائدات الغرامات للإدارات العامة، ما يهم هو أن الغرامات أتت في مكانها الصحيح، ووضعت من أجل سلامة المواطنين، لكننا كنا نتمنى تخصيص بعض الأموال من أجل إصلاح بيئة الطرق”.
ولكن هل يمكن تأمين السلامة المرورية من دون تأمين البنى الأولية والبديهية كوضع إشارات للإرشاد، صيانة الطرق، تخطيطها، إنارتها، وتأمين المرائب؟ يعتبر أمين سر جمعية يازا، كامل إبراهيم، في حديث لـ”المدن” أنه “لا بد من إيجاد خطة وطنية شاملة لتحسين واقع السير والسلامة المرورية في لبنان، والأهم كيفية توجيه الأموال من عائدات تطبيق القانون، وأن يُعمل على تمويل السياسات التي لها علاقة بالسلامة المرورية”.
في المحصلة، فإن توزيع عائدات الغرامات وفق النسب التي اعتمدت في القانون، تتنافى أصلاً مع مبدأ وحدة الموازنة العامة، الذي يفترض عدم تخصيص العائدات لأمور محددة بل تضمينها مع مداخيل الضرائب والرسوم في الميزانية العامة، ومن ثم توزيعها على الإدارات والمشاريع عبر هذه الميزانية. وهذا ما اعتبره الخبير الإقتصادي غالب أبومصلح، “مخالفاً للقوانين، وأسلوباً خاطئاً يساهم في إبتزاز الأفراد ويحفّز على ضبط أكبر قدر ممكن من المخالفات، في حين تتراجع يوماً بعد يوم ثقة المواطن بمسؤوليه”.