بعد قرون من هيمنة الأطلسي، ومن ثم صعود البلدان في منطقة المحيط الهادئ، من الممكن أن تهيمن البلدان الموجودة على حافة المحيط الهندي الآن على نمو الجيل المقبل.
من المفترض أن يشهد العقد المقبل في النهاية صعودا للهند، والصعود المتأخر منذ وقت طويل لشرق إفريقيا، بينما تعاني كل من الولايات المتحدة وأوروبا من ركود نسبي، ونمو الصين يبدأ في التلاشي.
قد تبدو تلك التنبؤات غريبة، لكنها ناتجة عن بحوث رائعة قام بها مركز التنمية الدولي في جامعة هارفارد، الذي يتمتع بسجل ناجح في تحديده الدول التي تتمركز في وضع النمو. استنادا إلى أحدث البيانات التجارية العالمية لعام 2013، يهدف المركز إلى تحديد العوامل الكامنة وراء نمو بعض الدول وعدم نمو بعضها الآخر.
كيف يقومون بذلك؟ بإمكان الموارد الطبيعية القيِمة أن تساعد لفترة من الوقت. لكن على المدى الطويل يرى ريكاردو هوسمان، الذي يترأس المركز، إن القوة الدافعة للنمو هي درجة التعقيد الاقتصادي.
نظريته تكمن في أن الدول “تراكم المعرفة الإنتاجية عن طريق تطوير قدرتها الخاصة بها لتحصل على منتجات أكثر، ومنتجات بدرجة تعقيد متزايدة”. وهذا يدعم نموها الاقتصادي. إذا كان بلدا معينا لديه أناس مهرة في مجال معين بحيث يمكن نقل تلك المهارات بسهولة إلى مجال آخر، فإنه يمتلك معرفة أكبر جماعيا – وهذا يسمح له بالتنافس بشكل أكثر فاعلية وأن ينمو بشكل أسرع من غيره من البلدان. ويحاول فريق هوسمان قياس هذه المعرفة الجماعية.
هذا يجعل الدول التي تركز على الزراعة أو استخراج الموارد – التي لا تملك مهارات يمكن نقلها بسهولة لمنتجات أو صناعات أخرى- في وضع غير موات على المدى الطويل.
في الواقع يمكن أن تصبح الموارد نقمة. ذلك أن الدول التي تنعم بالمواد يمكن أن تفقد الانضباط، وقدرتها على الابتكار، بينما تنمو وتتضخم بسبب عائداتها المكتسبة بسهولة. وتظهر أحدث البيانات أن البلدان التي تراجع تعقيدها الاقتصادي بأكبر قدر هي جميعها تقريبا معتمدة على الموارد – وتأتي أستراليا ضمن أدنى عشر دول، إضافة إلى أسماء دول متوقعة أكثر، مثل ليبيا وفنزويلا.
وتحتاج الدول التي لا تتوافر لديها موارد طبيعية للبيع – كاليابان وكوريا الجنوبية – أن تكون أكثر فطنة وأكثر ذكاء، والتنويع في صناعات جديدة وتطوير المهارات اللازمة للنمو.
فريق هوسمان، المسلح بهذه النظرية، يطور توقعات النمو بالنظر ليس إلى حجم الصادرات، وإنما إلى درجة التنويع والتعقيد في المنتجات التي تصدرها الدولة. على هذا الأساس، تظهر أحدث البيانات التجارية أن دولا كالهند وكينيا والفلبين تجني مكاسب قوية بسبب التنويع. وهذا يؤدي إلى التنبؤ بأن الدول التي تقود النمو خلال العقد المقبل ستتزاحم حول المحيط الهندي.
عند هذه المرحلة، سيشعر كثيرون بنفاد الصبر. لا بأس في التنبؤات الكبرى طويلة الأجل، لكنها لن تساعد في التنقل عبر مدى قصير شهد للتو مفاجأة انتخابية خارقة في المملكة المتحدة، ومبيعات مفاجئة في السندات بأسعار مبالغ فيها تاريخيا.
في حالة السندات الحكومية الألمانية، كانت التقلبات قصيرة الأجل مدهشة، إذ ارتفعت عائدات السندات لأجل عشر سنوات بمقدار 73 نقطة أساس خلال ثلاثة أسابيع، ومن ثم هبطت 25 نقطة أساس في الأربع والعشرين ساعة التي تلت ذلك – ما ألحق الخسائر في هذه العملية – لكنها بقيت أدنى من أي وقت مضى من هذا العام.
كذلك تنتظرنا فرص أخرى لكسب المال أو خسارته. بيانات البطالة الأمريكية عن نيسان (أبريل) كانت تبعث على الاطمئنان، لكنها كانت قوية فقط بما يكفي لأن تجعل بعض المحللين يشيرون إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يشرع في زيادة أسعار الفائدة في وقت قريب ربما يكون الشهر المقبل. هذه المفاجأة القوية، وإن كانت لا تزال غير مرجحة، من شأنها أن تشعل فتيل عمليات بيع مكثف في السندات.
شخص ما سيكسب المال من وراء تحركات قصيرة الأجل. بالتالي ما هو الداعي إلى إضاعة الوقت على التجريدات الأكاديمية لفريق من جامعة هارفارد؟ الجواب هو لأنه يعطي دلائل قوية على وجهة الأسواق على الأمد الطويل. فوضى سوق السندات مدفوعة بنذير خطر من آفاق النمو الاقتصادي – وفيما يتعلق بهذا الموضوع، فإن النتائج التي توصل إليها هاوسمان لا تبعث على الاطمئنان.
الأهم من ذلك، يتوقع البحث أن النمو السنوي سيكون فقط بنسبة 4.6 في المائة بالنسبة للصين على مدى العقد المقبل. هذا الرقم أدنى بكثير من الهدف شبه الرسمي البالغ 7 في المائة الذي وضعه الحزب الشيوعي، الذي بقي ثابتا على مدى أكثر من عقدين. بالنسبة لكثير من المحللين، أي شيء دون 6 في المائة من شأنه أن يكون “تباطؤا سريعا” في الاقتصاد. أمور كثيرة تتوقف على معدل النمو في الصين، وبالتالي فهذا أمر حيوي.
التوقعات الخاصة بالولايات المتحدة (2.4 في المائة) وأوروبا (التي تراوح بين 2.3 في المائة في إيطاليا إلى 3.7 في المائة في إسبانيا) وتشير إلى أن العوائد المنخفضة على السندات لها ما يبررها، حتى وإن كانت المستويات المنخفضة التي شهدناها في الفترة الأخيرة مفرطة في انخفاضها.
يكمن الأمل في صعود البلدان المطلة على المحيط الهندي. إذا استطاعت الهند التغلب على الصين، وحققت نسبة النمو البالغة 7.6 في المائة التي يتوقعها هاوسمان، واستطاعت بلدان شرق إفريقيا في النهاية أن تحرر إمكانات إفريقيا، فهذا من شأنه أن يخفف الكثير من الألم – وبصورة أقل أهمية، من شأنه أن يعزز الاقتصادات والأسواق في بقية أنحاء العالم.
على الأمد القصير، لا يمكن كسب المال من هذا البحث الذي يدور حول الأمد الطويل. لكن الذين يركزون على الأمد الطويل، يجدر بهم أن يأخذوا هذه الأفكار على محمل الجد الكبير.