وسط تصاعد سطوة الميليشيات في العراق، اختلفت الملامح في مناطق بغداد، وخاصة في منطقة الكاظمية التي يتدفق عليها الزوار الشيعة لإحياء ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم التي تصادف الخميس، في معانيها وحضورها عن السنوات السابقة، حيث شوهد حضور لافت لمجاميع تابعة لـ”حزب الله” اللبناني والزوار الإيرانيين الذين يرتدون الوشاح الأسود وهو رمز للمجموعات القتالية الخاصة، كما برز حضور قوي لقادة الميليشيات الشيعية العراقية الذين تدفقوا على الكاظمية بشكل غير مسبوق.
وقال المواطن العراقي ستار عبد الجليل لصحيفة ”السياسة” الكويتية إن هذه المرة الأولى التي يتواجد فيها إيرانيون ولبنانيون من “حزب الله” بهذه الملابس التي تشير الى ميادين القتال، “هم ليسوا رجالاً كبار السن بل أعمارهم تزيد عن 20 عاماً وتقل عن 45 أو 50 عاماً وتدل ملامحهم على أنهم قيادات عسكرية ومقاتلون، كما أن هذه المجاميع من الإيرانيين و”حزب الله” خلت من النساء تماماً مقارنة بالسنوات السابقة التي كنا نشاهد فيها مجاميع من كبار السن والنساء وحتى الأطفال يأتون الى الكاظمية من لبنان وإيران”.
وذكرت مصادر سياسية شيعية أن قادة الميليشيات العراقية في منظمة “بدر” و”عصائب أهل الحق” و كتائب “حزب الله العراقي” و”جند السماء” تدفقوا على الكاظمية في سيارات دفع رباعي برفقة الحمايات التي يرتدي بعضها لباساً عسكرياً والبعض الآخر يرتدي لباساً مدنياً، كما نظم هؤلاء بعض المجالس للتحدث مع الناس عن طبيعة القتال ضد “داعش” في مدن مثل بيجي شمالاً والكرمة غرباً. وأكد المواطن محسن الربيعي لـ”السياسة” أنه سمع بعض الأفكار التي كان يروج لها قادة بعض الميليشيات بأن ما يجري هو استهداف للأئمة الشيعة وبأن الحرب التي يشاركون فيها هي للدفاع عن المراقد المقدسة وبأن “داعش” يريد ابادة الشيعة وتدمير هذه المراقد وبأنه يتلقى دعماً من السنة ودول عربية، “ولذلك كان واضحاً أن ما يجري هو شحن طائفي متزايد عن الأعوام الماضية التي كنا نحيي فيها ذكرى الكاظم”.
وأشارت تقارير من داخل الكاظمية الى أن قادة الميليشيات نجحوا بالفعل بالترويج لحملة تطوع جديدة في صفوف قوات “الحشد” الشيعية بسبب تزايد أعداد الضحايا في المعارك التي خاضتها هذه الميليشيات في تكريت ولا زالت تخوضها في منطقة الكرمة بمحافظة الأنبار، غرب بغداد، كما أن الحرب ضد “داعش”، في مناطق بيجي والنخيب والرمادي وفي حزام بغداد والموصل وكركوك، تتطلب أعداداً كبيرة من المتطوعين سيما أن كل المؤشرات تفيد بإطالة أمد القتال مع التنظيم.
وقال علي الشمري وهو ناشط اعلامي عراقي لـ”السياسة” انه بات من المؤكد أن قادة الميليشيات تستغل مناسبة احياء ذكرى مقتل الكاظم لتقوية موقفهم السياسي لأنهم يدركون أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يواجه ضغوطاً من دول التحالف الدولي ومن شركائه السنة والأكراد لإعادة النظر بكل عملية تشكيل قوات “الحشد” وإخضاعها لسلطة رئاسة الوزراء، وهو أمر لازال شكلياً لأن قادة الميليشيات عارضوا هذه الخطوة ولازالوا يتصرفون بعيداً عن صلاحيات العبادي.
ويبدو أن قادة الميليشيات، استناداً الى مصادر سياسية عدة، يسعون لكسب الشارع الشيعي مستثمرين هذه الأجواء العاطفية في منطقة الكاظمية، وهي عملية لم تستطع حكومة العبادي أن تتدخل لوقفها خشية حدوث احتكاكات تتسبب في مشكلات أمنية، كما أن معظم القوات الأمنية المعنية بحماية حشود الزوار داخل الكاظمية هي قوات متعاطفة للغاية مع قوات “الحشد” ولذلك كل مواكب قادة الميليشيات لا تفتش ولا تخضع للاستجواب.
وأعربت أوساط سياسية في بغداد عن خشيتها من أن تتعرض الكاظمية في عمقها الى هجمات وتفجيرات بتدبير من المخابرات الإيرانية وقادة الميليشيات الموالية لها، لأن وقوع أعمال ارهابية بهذا التوقيت سيؤجج الاحتقان الطائفي وهذا ضروري لتجنيد المزيد من الشباب الشيعي ومفيد لوقف تدخلات العبادي ومنعه من ربط تحركات قوات “الحشد” بمكتبه العسكري، كما أن هذا الاحتقان سيشجع على ارتكاب أعمال متهورة ضد النازحين السنة القادمين من الأنبار إلى بغداد، لأن هناك من يروج لطرد هؤلاء بحجة التهديد الأمني ووجود مندسين من “داعش” بينهم.