كتب طوني أبي نجم
حكم المحكمة العسكرية في قضية النائب والوزير السابق ميشال سماحة لم يكن مفاجئاً بالمعنى السياسي على الإطلاق. من تفاجأ به هم رومنسيو قوى 14 آذار الذين يتصرفون كالنعامة ويصرّون على أن ثمة دولة في لبنان!
الحكم بالسجن 4 سنوات ونصف السنة على مستشار رئيس النظام السوري بشار الأسد ليس أول “إنجازات” المحكمة العسكرية. فهذه المحكمة “أبدعت” طوال الأعوام الماضية في سلسلة ملفات سببت صدمات متلاحقة لمفهوم الدولة في لبنان. من أكثر هذه الملفات نفوراً ملف محاكمة عنصر “حزب الله” مصطفى المقدم الذي سلّمه الحزب على أنه من أطلق النار على طوافة الجيش اللبناني، وأخلت المحكمة العسكرية سبيله بعد أشهر قليلة بكفالة 10 ملايين ليرة مع أنه قتل النقيب الشهيد سامر حنا، ولم يحضر بعد ذلك أي جلسة محاكمة، لا بل كان يسافر خارج لبنان بسهولة تامة!
ومن الملفات التي صدمت الرأي العام أيضا ملف محاكمة القيادي في “التيار الوطني الحر” يومها العميد فايز كرم بتهمة العمالة لإسرائيل حيث صدر الحكم 3 سنوات وتمّ تخفيفه الى سنتين، في حين أن من عمل كطباخ لدى “جيش لبنان الجنوبي” خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب حُكم بـ3 سنوات على الأقل!
المحكمة العسكرية شكلت طوال المرحلة الماضية ولا تزال استمراراً لنفوذ الجهاز الأمني السوري- اللبناني المشترك الذي كان يسيطر على مفاصل أساسية في أجهزة الدولة اللبنانية. فالمحكمة تتبع أساساً لوزارة الدفاع وليس لوزارة العدل، وبالتالي ارتباطها وثيق بالأجهزة الأمنية، وقضاتها في أكثريتهم هم من الضباط بدءًا من رئيسها. لا نقول هذا الأمر تشكيكاً بل لرسم الصورة كما هي على حقيقتها ليس أكثر. وتماماً كما تجنّبت قوى 14 آذار بعد “ثورة الأرز” أن تعالج ملف الأجهزة الأمنية لتنقيتها من شوائب مرحلة الاحتلال السوري، لم تقارب ملف المحكمة العسكرية سواء في الشكل حيث ألغت كل الدول المتحضرة كل المحاكم الخاصة، ومنعت المحاكم العسكرية من التعاطي في أمور لا تخصّ العسكريين حصرا في مشاكلهم العسكرية الداخلية. أما في لبنان فإن الصلاحيات الممنوحة للمحكمة العسكرية تجعل لبنان يشبه الأنظمة العسكرية التوتاليتارية، ولا تشبه أبداً النظام اللبناني المفترض أنه برلماني ديمقراطي. فكيف يمكن في أي نظام ديمقراطي أن يمثل أي مدني أمام محكمة عسكرية؟!
أضف الى ذلك أن المحكمة العسكرية في لبنان لعبت دوراً سياسياً بامتياز من خلال سلسلة محاكمات سياسية لا تُعدّ ولا تُحصى. فهذه المحكمة تولت المحاكمات الاعتباطية لطلاب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” بعد الاعتقالات السياسية والتعسفية في 4 و7 آب 2001. ونذكر تماماً كيف تم اعتقال النائب الحالي إيلي كيروز والزميل حبيب يونس والدكتور توفيق الهندي ورئيس مصلحة الطلاب في “القوات” يومها سلمان سماحة وعشرات الناشطين، وكان بينهم أيضا وزير الخارجية الحالي جبران باسيل. نذكر التحقيقات المركبة والمصوّرة مع الهندي في وزارة الدفاع، كما نذكر كيف كان يمثل مناضلو التيارات السيادية أمام المحكمة العسكرية بخلفية سياسية فاقعة.
واليوم تصرّ المحكمة العسكرية مجددا على تكريس نفسها جزءًا من محور الممانعة الممتد من حارة حريك الى طهران مرورا بسوريا- الأسد، مع استثناءات شخصية لقضاة برزوا فيها، ولا بدّ من تسجيل احترامنا لهم، كمثل تجربة الوزيرة أليس شبطيني حين كانت قاضية في المحكمة العسكرية تحديدا حين رفضت تمرير عدد من الأحكام وتعرّضت بسبب ذلك لحملات إعلامية من إعلام 8 آذار.
في جلسة خاصة مع القاضي الراحل نصري لحود الذي شغل منصب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية لسنوات طويلة، ولدى سؤاله عن طريقة محاكمة عناصر “جيش لبنان الجنوبي”، أجابني: “أنا ظبطها 3 سنين حبس عالماشي لكل واحد مش متورط بشي. هيك أحسنلن. بدك تعرف “حزب الله” شو كان بدو؟!”
فهل من يعرف اليوم ماذا يريد “حزب الله” من هذه المحكمة؟ وهل يعرف رمنسيو 14 آذار ماذا يريدون فعلا؟ وهل يقدرون على فعل ما يريدونه أم سيسلمون أمرهم ويستسلمون لقدرهم بعدما شرّعت المحكمة العسكرية اغتيالهم وتفجيرهم بأحكام مخففة؟!