أكدت مصادر في المعارضة السورية لصحيفة “الوطن” السعودية أن مواقع جبهة النصرة وجيش الفتح التي تفاخر “حزب الله” خلال الأيام الماضية بالسيطرة عليها غير مترابطة كما يبدو من الصور التي تم بثها، وليس من خطوط إمداد تصلها، ما يعني أنها مواقع متفرقة في الجرود ولا تتمتع بأهمية استراتيجية، إضافة إلى أنها في منخفضات خلف التلال والجبال ومجرد السيطرة عليها بالنار من المرتفعات المحيطة يعني تلقائيا سقوطها عسكرياً وانتفاء الفائدة من الدفاع عنها أو المقاومة للاحتفاظ بها”.
وأشارت المصادر إلى أن “حزب الله” لم يعرض جثثاً لمقاتلين، وكذلك لم تظهر آثار وجود قتلى بين المسلحين الذين كانوا فيها، فضلا عن التضخيم الإعلامي بأنها معسكرات ومخيمات تضم قيادات ميدانية، لافتة إلى أن “الحزب المذهبي يبحث عن انتصارات كاذبة، يرفع بها الروح المعنوية المتردية لجنوده، لاسيما بعد سقوط أربعة عناصر في أول مواجهة حقيقية مع المسلحين”.
من جهتها، أكدت مصادر واسعة الاطلاع لصحيفة “السفير” ان إحكام “حزب الله” السيطرة على تلة موسى المفصلية التي ترتفع قرابة 2850 مترا عن سطح البحر تعني ان معركة القلمون الإجمالية حُسمت الى حد كبير واقتربت من نهايتها، وان ما تبقى هو تنظيف بعض البؤر المتفرقة، وتثبيت المواقع الجديدة للمقاومة والجيش السوري وتحصينها.
وأشارت المصادر الى ان العملية الواسعة في جرود القلمون حققت الهدف الأساسي منها، والذي كانت قد حددته قيادة “حزب الله” مسبقا، بأن المطلوب تحصين أمن الداخل اللبناني وتحسين مواقع المقاومة والجيش السوري في السلسلة الشرقية، لافتة الى ان معادلة “التحصين والتحسين” باتت شبه منجزة وان المقاومة تمكنت من حماية نفسها وأهلها، كما كانت تخطط.
ويمكن القول ان ما جرى امس في جرود القلمون، يحمل الدلالات الآتية:
– تأكيد جهوزية الحزب العسكرية وقدرته على الحسم في التوقيت المناسب، برغم صعوبة المنطقة الجردية وتضاريسها المعقدة.
– الادارة المحترفة للمواجهة واستخدام التكتيكات المناسبة التي تتلاءم مع طبيعة المكان والعدو، ما سمح للمقاومة بانتزاع تلة موسى بأقل الخسائر، قياسا الى أهميتها الاستراتيجية، وهي أعلى قمة شرقي طريق المصنع الدولية بين بيروت ودمشق، وتقع ضمن الاراضي السورية، لكنها قريبة حوالي كيلومتر واحد من الحدود اللبنانية.
-إعادة تصحيح موازين القوى بعد نجاح الفصائل المسلحة مؤخرا في تحقيق تقدم على الارض في شمال سوريا، خصوصا في إدلب وجسر الشغور.
– تأمين مظلة أمنية للمناطق اللبنانية المجاورة لجرود القلمون وصولا الى العمق اللبناني، وحماية ظهر مدينة دمشق.
– السيطرة النارية على مساحات واسعة من الأرض، في الاتجاهين اللبناني والسوري، وتمزيق شرايين الامداد للمجموعات الارهابية، والتحكم بالمعابر التي تشكل خطرا على لبنان، وكان يتم عبرها تهريب السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة.
– تضييق مساحة انتشار المجموعات الارهابية وتقليص قدرتها على الحركة، وبالتالي حصر خيارات المسلحين الذين سيجدون أنفسهم متأرجحين بين احتمال الفرار الى جرود عرسال أو الى الرقة في الداخل السوري، وبين الاستسلام أو الموت (ناهيك عن ظاهرة تصادم “داعش” و “النصرة” بالتزامن مع بدء المعركة).
– إعطاء إشارة الى إمكانية تغيير المعادلة الميدانية المستجدة في مدينة إدلب وجسر الشغور، اللذين قد تلفحهما “عاصفة الجرود”، وما ترتب عليها من قوة دفع وزخم.
– توجيه رسالة الى اسرائيل مفادها ان المقاومة في أفضل أوضاعها وان الحرب في سوريا لم تستنزفها بل عززت خبرتها وقوتها.
وبهذا المعنى، ربما تنطوي عمليات “حزب الله” في جرود القلمون، على محاكاة لسيناريو مماثل قد يكون مسرحه الجليل الاعلى المحتل في أية حرب مقبلة، إذا وقعت.
في سياق متصل، اكدت مصادر ميدانية معنية لصحيفة ”الأخبار” أن “نسبة نجاح عمليات حزب الله والجيش السوري في القلمون والكلفة البشرية المنخفضة نسبياً التي تتكلّفها القوات المهاجمة فاقت التوقّعات”. وتؤكد استمرار المعارك “حتى تطهير باقي الجرود المحيطة بجرد عرسال”، مؤكّدة أن “مقاتلي حزب الله والجيش السوري لن يتقدّموا إلى جرود عرسال اللبنانية”.
وأكد مصدر معني بالمعركة لـ”الأخبار” أن “التقدّم الميداني في الأيام الأخيرة هو ضربة قاسية للسعودية وتركيا والدول الداعمة للإرهابيين، تحت مسميات جيش الفتح وغيره”، مشيراً إلى أن “الدور الذي كانت تضطلع به المجموعات المسلحة للضغط على قرى البقاع الحاضنة لحزب الله انتهى، وكذلك الوصول إلى الزبداني وتهديد طريق دمشق بيروت انتهى أيضاً”.
غير أن المصدر يجزم بأن “القضاء نهائياً على المسلحين في الجرود اللبنانية وحماية عرسال ورأس بعلبك والقاع، أو حصار المسلحين لدفعهم إلى ترك الجرود نحو البادية، لا يتمّ من دون تنسيق جدّي وفعلي بين الجيش اللبناني والسوري”. ويلفت المصدر إلى أن “القرار السياسي الذي منع الجيش اللبناني من المشاركة في المعركة والتقدّم باتجاه الأراضي اللبنانية المحتلة، رفع من نسبة الخطورة على القرى اللبنانية الحدودية في الشرق الشمالي، وأن المسألة باتت الآن في عهدة تيار المستقبل لحلّ أزمة الجماعات التكفيرية التي تحتل جزءاً من الأراضي اللبنانية، وتهدّد بلدة عرسال تحديداً”.
وبينما ذكرت مصادر المقاومة أنه سقط العشرات من المسلحين قتلى في المعارك، جرى الحديث عن أسر عدد من قيادات “النصرة” في المنطقة. وفي المقابل، أعلن استشهاد أربعة من عناصر “حزب الله” خلال المواجهات.
بدورها، تؤكّد مصادر أمنية لبنانية أن “الجيش اللبناني رفع من جهوزيته لمواجهة أي عمليات تسلل أو اعتداءات على القرى اللبنانية ومواقعه على الحدود”، لافتةً إلى أن “داعش بقواه الحالية لا يستطيع هزيمة النصرة، وهو يسعى إلى جلب إمدادات من البادية لقلب المشهد والسيطرة على الجرود”.
وتفيد مصادر أمنية رسمية بأن المناخ السائد في داخل عرسال اليوم هو على غير ما كان عليه في وقت سابق، وأن الأهالي يعبّرون عن تذمرهم من المسلحين، ويظهرون خشية من انتقالهم إلى داخل البلدة، ما يؤدي إلى اشتداد النزاعات أو إلى صدام مع القوى الأمنية الرسمية.
الى ذلك، اعلنت مصادر قيادية في “حزب الله” في حديث لصحيفة “الراي” الكويتية ان “مسرح العمليات في القلمون السورية وعلى الحدود اللبنانية – السورية تقطّع الى ثلاث مناطق: الشرق، الجنوب والغرب وذلك وفق خطة منهجية تغطي في المرحلة الاولى منطقة بعرض 15 كيلومتراً وطول 70 كيلومتراً وتطال قلب منطقة جرود القلمون، بالتزامن مع الخط الخلفي لمنطقة الدفاع التي تتمركز فيها مجموع قوى جيش الفتح المؤلف من جبهة النصرة والقوى المسلحة الاخرى، لتنتهي بشمل حافة منطقة التماس مرحلة اخيرة من المعركة المرتقبة”.
وأوضحت المصادر ان “هذا السيناريو يصح إستخدامه في السيطرة على “اصبع الجليل”، حيث تستهدف الجبهة الداخلية خلف خطوط الدفاع، بحيث يتم قصف كافة المراكز والثكنات والحشود وتمتد الى خط التماس المباشر من خلال استهداف المستوطنات الاسرائيلية والمواقع العسكرية مباشرة، وتنظر قيادة حزب الله لكل الاجراءات المتبعة في معركة القلمون وكيفية انتشار القوى وادائها لاستخلاص العبر وتحسين الاداء وتطوير احتياجات القوى المشاركة ونوعيتها، اذ يشارك في هذه الحرب آلاف عدة من المقاتلين من المناطق اللبنانية المختلفة مدعومين بسلاح الهندسة والسلاح الالكتروني والتنصت، دعماً للقوى البرية المتقدمة تحت غطاء جوي تؤمنه منظومات مختلفة منها البانتسير (الذي اسقط الطائرة الاميركية من دون طيار منذ اشهر قليلة اثناء تحليقها فوق اللاذقية). وتجري تقييمات يومية لمسرح العمليات لتعديل الخطط المناسبة بما يحاكي ارض المعركة والواقع”.
وأكدت المصادر ان هذه التجربة التي يخوضها “حزب الله” هي الاولى على مستوى ادارة حرب على مساحة الف كيلومتر مربع مفتوحة ومكشوفة ضد قوات تمتلك ليس فقط الخبرة العسكرية اللازمة ومعرفة الارض التي تمكث فيها منذ اعوام، ولكنها ايضا تتسلح بعقيدة تدفعها للقتال حتى الموت على عكس الجيش الاسرائيلي. وهذا ما يجعل معركة القلمون اصعب واشد شراسة لانها عسكرية وعقائدية.